جريدة الجرائد

أميركا اللاتينية وأزمة الهوية الجمعية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



فيل غانسون - الغارديان

بعد عشر جولات من الاقتراع، ما تزال الجمعية العامة للأمم المتحدة عاجزة عن تقرير ما إذا كانت غواتيمالا أو فنزويلا هي التي ينبغي أن تأخذ مقعد الأرجنتين باعتبارها واحدة من العضوين الجنوب أميركيين غير الدائمين في مجلس الأمن. فماذا إذن؟

يمكن لهذه العملية أن تستمر لشهور. ففي عام 1979 في وسط الحرب الباردة، تصارعت كولومبيا وكوبا على ذلك المقعد لما يزيد على 150 جولة اقتراع حتى تم العثور على مرشح للتسوية، وهو المكسيك. وإذا ما كنا هذه المرة أمام ورطة، كما يبدو مرجحاً، فمن الذي يهتم؟

يقول إيوان ماك أسكيل إن أيا من المناصب غير الدائمة في مجلس الأمن لا يكون ذا صلة بالقضايا الكبيرة، وهو على حق. وهو أيضاً محق في إشارته إلى أن إدارة بوش قد ساعدت في تحويل الاقتراع إلى سيرك إعلامي بفعل جهودها المحمومة لإيقاف قوة هوغو شافيز الماحقة (رغم أن من المفارق أن الرئيس الفنزويلي ربما يكون قد ألحق ضرراً أكبر بقضيته بفعل خطبته "الشيطانية" سيئة الصيت مما كان يمكن أن تلحقه بها واشنطن نفسها).

ولكن، إذا كان ما يجري مجرد عرض جانبي، فإن أفضل طريقة للتفكير بها هي النظر إليها على أنها حلقة من "نبش وجودي". وربما نضحك من الضربات الزائفة، لكن خط القص -أي العنف المحلي- ليس أمراً يمكن المزاح فيه. وإذا ما كانت لديك أي شكوك، فلك أن تسأل التشيليين، والذين دأب تحالفهم الحاكم على تمزيق نفسه قطعاً بسبب خلافه على القضية "غير ذات الصلة" المتعلقة بالترشيح الفنزويلي طوال الشهرين الماضيين.

إننا في الحقيقة أمام انتخابات رمزية إلى حد كبير، ولكن الرمز كثيراً ما يكون شيئاً هاماً. فبالنسبة إلى أميركا اللاتينية، يمثل ذلك فصلاً هاماً في صراع مرير من أجل هويتها الإقليمية، ما يعني مستقبلها أيضاً.

وتماماً مثل بوش، فإن شافيز ينتهج سياسة "معنا أو ضدنا". وقد كان له مرشح في كل انتخابات رئاسية جرت في أميركا اللاتينية هذا العام. وإذا ما نجح المرشح غير المطلوب (المكسيك والبيرو) فإنه يصرخ "تزييف" ويضع العلاقات الثنائية في تجميد طويل.

إن سياسة الأزمة قد خدمته جيداً في الوطن، وحققت نجاحاً معتدلاً بما أنه قد نقلها إلى المسرح الإقليمي. والآن، بات يستهدف المسرح الكوني. وإذا ما فشل هذا السعي بعينه، كما يبدو مرشحاً، فإن ذلك لا يشكل مسألة كبيرة بما أنه يخطط للبقاء لفترة قادمة من الزمن.

ليس ثمة ضرر في خلخلة الأشياء بالطبع. وإذا ما كانت أميركا اللاتينية (وربما بالتالي بقية العالم) ملزمة بإعمال التفكير بجدية نتيجة للتحدي الذي يمثله شافيز و"ثورته البوليفارية"، فإن ذلك ربما لا يكون أمراً سيئاً. ويمكن أن يكون الوقت الراهن، على سبيل المثال، جيداً. فهل هناك أحد يشاطرني أفكاري؟

إن المشكلة هي أن حكومات أميركا اللاتينية تبدو عالقة على قرون واحدة من أكثر معضلاتها قدماً، وهي: كيف تختلف مع واشنطن دون إلحاق ضرر حقيقي وجدي بمصالحها الوطنية الخاصة. وكيف تتفق معها دون أن تبدو وأنها مجرد ألعاب بيديها.

كانت كل من المكسيك وتشيلي قد عانتا من غضب بوش عندما عارضتا "رمزياً ربما" غزو العراق عندما كانتا عضوين في مجلس الأمن. ولم تشعر أي منهما بالحاجة إلى فتح صنبور الخطابة الثورية، وتناولت كلتاهما دواءها.

ولكن كلا منهما تعاملت بطريقة غير متقنة مع التحدي الذي يشكله شافيز: المكسيك عن طريق السماح لنفسها بأن تقع في مصيدة صدام بين الذوات الرئاسية المتضخمة، وتشيلي عن طريق الخضوع إلى النزعة الرومانسية الثورية التي لم تعد تمارسها بأي شكل في الوطن.

شافيز أم بوش؟ إن الجواب المعقول الوحيد هو "ليس أيا منهما". ولكن، وحتى تتمكن أميركا اللاتينية من التغلب على عجزها التاريخي عن اتخاذ قرار جميعي حول ماهيتها، وأين تظن أنها تتجه، فإن من المرجح أن تظل هذه الأزمة العقيمة هي العرض الوحيد الماثل في البلدة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف