جريدة الجرائد

إسرائيل ومعادلة النفط العراقي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الإثنين: 2006.10.23

محمد بن سعيد الفطيسي

يعاني الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام من أزمات كثيرة جدا كانت السبب الرئيسي وراء تلك الأرقام الكبيرة التي شكلت إطار ذلك التراجع الكبير في الأداء , وخصوصا مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين , والذي أدى بدوره إلى الكثير من المشاكل الاقتصادية الداخلية كارتفاع معدل الباحثين عن العمل وانخفاض معدل نمو الاستثمار وارتفاع الدين الخارجي , وزيادة مستوى التضخم ، ويعود ذلك التراجع إلى عدد من العوامل الرئيسية العالمية منها والإقليمية , وأبرزها التباطؤ وانخفاض مستوى النمو في أداء الاقتصاد العالمي , وتدهور الوضع الأمني الداخلي للكيان الإسرائيلي نتيجة عدوانه على الأراضي الفلسطينية وخصوصا بعد العام 2000 م , والتي أدت بدورها إلى عدد من الانتفاضات التي زادت من تفاقم التدهور في الخسائر الاقتصادية نتيجة المخاوف من العمليات الاستشهادية ,( وبروز المشاريع الوهمية في قطاع التكنولوجيا المتقدمة ، وتزايد المشاكل المتعلقة بمكافحة عمليات غسل الأموال ) وغيرها الكثير , ورغم الهبات والمساعدات الخارجية الكبيرة التي تتلقاها حكومة الكيان الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص من الولايات المتحدة الاميركية إلا أن ذلك لم يساعد كثيرا في تحسين مستوى أداء اقتصاد السوق الإسرائيلي0
أما على مستوى قطاع الطاقة وهو القطاع الذي كان احد أهم الدوافع الاقتصادية للمحاولات الإسرائيلية الاستعمارية للتمدد الخارجي في العالم بوجه عام والشرق الأوسط بشكل خاص , فقد كان المتأثر الأكبر من وراء انهيار الاقتصاد العالمي بوجه عام والاقتصاد الإسرائيلي بوجه خاص , وعلى وجه الخصوص قطاعي الكهرباء والمحروقات وخصوصا النفط والغاز , فحسب احد أهم الدراسات التي تناولت هذا الجانب فقد أشارت الدراسة إلا أن إسرائيل ستواجه ( خلال بضع سنوات نقصا في الغاز حيث سينضب الغاز المستخرج من البحر خلال سنوات قليلة وتجري شركة " بريتش غاز" British Cas مفاوضات لتزويد إسرائيل بالغاز المستخرج من قطاع غزة لكن إسرائيل تجادل في حقوق الشركة للتنقيب عن الغاز في غزة فضلا عن إمكانية الحصول على الغاز من مصر أيضا ، وحتى مع غاز مصر وغزة يتوقع أن تواجه إسرائيل نقصا في إمدادات الغاز مع حلول عام 2010 ما لم تجد مصادر جديدة للغاز ) وكذلك الحال مع النفط ومشتقاته والكهرباء وغيرها من قطاعات الحياة الرئيسية في إسرائيل , ومهما حاولت حكومة الكيان الإسرائيلي أن تخفي هذا العجز والانهيار في اقتصادها بشكل عام فواقع حال المواطن الإسرائيلي لدليل واضح على ذلك الطمس الفاضح للحقائق الاقتصادية المغيبة 0
حيث يلجأ نظام الاستغلال الرأسمالي الإسرائيلي إلى إخفاء الصورة الحقيقية لواقع حال المواطن الإسرائيلي العادي في ممارسة حياته اليومية , ونحن هنا لا نتكلم عن عرب إسرائيل ولكن نتحدث عن المواطن الإسرائيلي , حيث تتضح حقيقة الفوارق الطبقية والاجتماعية القائمة بين مختلف الشرائح الاجتماعية في إسرائيل , وهذا ما خلق الكثير من الضغوطات الداخلية الاقتصادية منها والسياسية على حكومة الكيان الإسرائيلي من اجل إيجاد الحلول والبدائل المناسبة لتغطية ذلك العجز في الميزان الاقتصادي , والبحث عن طرق جديدة لتسوية مشكلة النقص في الوقود والطاقة والغاز , وعليه فقد وجدت إسرائيل نفسها في وضع صعب وحرج أمام مواطنيها , وخصوصا في وقت تحاول فيه إسرائيل توطين العديد من اليهود فيها , وبالتالي فان توفير ابسط سبل الحياة كالأمان ومستلزمات البقاء الرئيسية كالماء والكهرباء والغاز من أوليات القيادة والحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة0
وكما هو حال النظرة الاميركية للعراق كثاني اكبر مصدر للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية , وفي ظل التقديرات المتكررة والتي تفيد بأنه سيزداد اعتماد العالم على إنتاج منظمة أوبك لسد نصف احتياجات العالم من النفط بحلول العام 2020 , وهو العام نفسه الذي يتوقع أن يصل فيه اعتماد الولايات المتحدة الاميركية على النفط المستورد إلى 66 % , حسب العديد من الدراسات والتي تؤكد على زيادة ( ارتفاع نسبة التبعية الأميركية للنفط الأجنبي إلى ما يعادل 52% عام 2001 وتوقع أن يتفاقم هذا المعدل ليصل إلى أكثر من 6% عام 2020, كذلك فان الاستهلاك الأميركي من النفط ســوف يرتفع بنسبة 56% مقارنة بحجم الاستهلاك الحالي ليرتفع من 10.4 ملايين برميل في الوقت الراهن إلى 16.7 مليون برميل بحلول عام .2020) , فكذلك إسرائيل تنظر إلى العراق بنفس النظرة ولها نفس الغايات من وراء خيرات ونفط العراق , وخصوصا في ظل أزمة الطاقة ونقص الوقود او ارتفاع أسعاره في مختلف دول العالم0
وهكذا وجدت الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها إسرائيل في نفط العراق وثرواته الطبيعية الملجأ الآمن , والملاذ الأخير لسد حاجيات السوق الاميركية والإسرائيلية , وصمام الأمان للحيلولة دون انهيار الاقتصاد الاميركي والإسرائيلي الداخلي وخصوصا في مجال الطاقة , وقد كان للاحتلال الاميركي للعراق دور كبير في تقوية اليد الإسرائيلية في الوطن العربي من خلال حصول إسرائيل على الكثير من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية في العراق , ( وبما أن الاقتصاد من الحيوية والأهمية بمكان في ضمان القوة وحمايتها ودعمها , أيا كانت هذه القوة , فان هذه المسالة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الاميركية بالذات مسالة مصيرية ويتوقف عليها مستقبلها كله , من حيث تأكيد استمرار القوة المنفردة ومن حيث الاستئثار بكل المقومات الأساسية للهيمنة ) , ومن هذا المنطلق احتلت الإمبراطورية الاميركية العراق ونهبت خيراته واستولت على ثرواته الطبيعية , وعاثت فيه فساد وفوضى , وهذا بخلاف الأهداف الإستراتيجية والحيوية التي تنظر إليها من خلال تواجدها في العراق , كالتحكم في أهم مصادر النفط وبالتالي السيطرة على الكثير من الدول الكبرى والمعادية لها والتي تحاول الهيمنة والسيطرة على هذه المنطقة من العالم ,وغيرها الكثير من الأهداف الاقتصادية والسياسية التي يطول ذكرها 0
وكما سبق واشرنا إلى الأهداف الاميركية من وراء احتلال العراق , فقد كانت الأهداف نفسها واكبر منها لدى الحكومة الإسرائيلية , حيث كان العراق ومنذ القديم المعادلة الصعبة لحكومة الكيان الإسرائيلي , حيث شكل نموذج عظيم يحتذي به لكل دول الجوار من حيث التقدم الصناعي والتكنولوجي والاعتماد على الذات في مختلف جوانب الحياة , وبالتالي شكل تهديدا أخاف الإسرائيليين وذلك من خلال قلب ( معادلة أن تكون إسرائيل أقوى من كل العرب مجتمعين ، وزادت حدة هذه المشكلة بالنسبة لأميركا وإسرائيل حينما رفضت القيادة العراقية أي تراجع عن موقفها الأصلي من القضية الفلسطينية , وبالتالي تقرر صهيونياً وأمريكيا تدمير العراق وليس إسقاط نظامه فقط ، فالذي وجد في العراق كان ذخيرة للمستقبل العربي ، لأن علماء ومهندسي وخبراء العراق كانوا مشروعاً عملياً لنهضة الأمة العربية كلها ، وليس للعراق فقط ، وقد توزع الآلاف منهم في عدة أقطار عربية ، لمساعدتها على النهضة والتقدم في تطبيق عملي وخلاق للشعارات السياسية ، ومنها( نفط العرب للعرب ) و( النفط أداة تنمية وتقدم وليس أداة استهلاك وإفساد)0
وهكذا كانت إسرائيل في العراق اليد الأخرى للإمبراطورية الاميركية , والعين الثالثة لها في الوطن العربي , وقد كافأتها هذه الأخيرة على جهودها الحيوية ونظير خدماتها في المساعدة على إيصال العراق إلى ما هو عليه ألان من فوضى ودمار وقتل , أكان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر , وكل ذلك من اجل شي واحد فقط , ليس هو الديمقراطية او إحلال السلام او إنقاذ العراق من الديكتاتورية والظلم كما تدعي , إنما هو الذهب الأسود وثروات العراق وخيراته ومقدراته , ويثبت ذلك العديد من التقارير والدراسات والتصريحات العربية والغربية منها وحتى الإسرائيلية والتي سبقت الغزو او تلته , والتي تؤكد التواجد الإسرائيلي الهادف إلى إطالة أمد احتلال العراق وذلك من اجل الحصول على اكبر قدر ممكن من الجوائز والهبات الاميركية والغربية , ( كالأدوار التخريبية التي تقوم بها إسرائيل واليهود في العراق في ظل الاحتلال الأميركي وفي حمايته , و عمليات شراء للأراضي والبيوت وتوطين لليهود و سرقة لآثار عراقية وتهريبها لـ"إسرائيل" و مشاركة قوات إسرائيلية مع قوات الاحتلال في المذابح التي ارتكبتها في الفلوجة وغيرها ومشاركة اليهود في عمليات التعذيب في أبو غريب , وعشرات الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليون الذين اقتحموا سوق العراق ) , والتواجد ألاستخباراتي الإسرائيلي وما يقوم به من عمليات اغتيال العلماء والأساتذة العراقيين وإجبار المئات على الرحيل , وغيرها الكثير0
وختاما لابد أن يدرك العالم العربي بكل فئاته وقياداته وعقوله أن الولايات المتحدة الاميركية وما تقوم به في العراق ليس من اجل تلك المصطلحات الرنانة والمفاهيم الجوفاء كما سبق واشرنا , وإنما هو النفط ومصادر الطاقة , وإنما إسرائيل بما نالته من وراء احتلال العراق إنما هو مكافأة لها , ووصمة عار في وجه التمدن وحضارة البترول , ودول الغرب التي لا تقل مصلحة ولا أهداف " آثمة " في العراق ووطننا العربي وامتنا الإسلامية عن الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل.


كاتب وباحث عماني
azzammohd@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف