أميركا: «لجنة حكماء» تقود سياسة بوش بعد الانتخابات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تقول الأحاديث السياسية الدائرة في العاصمة الأميركية هذه الأيام، إن كل ما كانت تقوم به الولايات المتحدة في السنوات الثلاث الماضية في العراق، فشل فشلاً مزرياً. وقد عكست شهادات الضباط العسكريين الذين خدموا في العراق هذه الصورة القاتمة، فيما بدا وخلال السنة الفائتة، أن المؤسسة العسكرية الأميركية كانت مصرة على إبراز مستوى التفاؤل بالانجازات في العراق، وسط تزايد المواجهات السنّية. لكن مع انضمام الشيعة الى هذه المواجهات ضد السنة وضد رجال الشرطة وضد بعضهم البعض، سقط قناع التفاؤل عن وجه العسكر الأميركي. وحسب مصادر مطلعة في واشنطن فقد ابلغ كبار القادة العسكريين الأميركيين سراً وزارة الدفاع ان الوضع لم يعد محتملاً، وأنهم مع نهاية السنة يريدون تغييراً كاملاً لطابع مهمتهم: فإما الضوء الأخضر بهجوم طاحن ضد كل المقاتلين، أو إعادة انتشار توفر حماية للجيش الأميركي وتعده للانسحاب.
ومن هنا وبعد انتخابات الكونغرس المقبلة، سيكون هذا الموضوع أول ما سيبحثه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. والى ذلك بدأ من هم في عداد الأكثر حماسة للحرب من المحافظين الجدد، يعترفون بأنها كانت خطأ استراتيجياً، ويميلون الى خطة انسحاب تدريجي وفق جدول زمني محدد.
ولكن اللافت في الأمر هنا، أن بين مشجعي الاستراتيجية العسكرية الأولى من ينشر خيارات للخطة "ب". ففي مقال في "الوول ستريت جورنال" في العشرين من الشهر الجاري، عدد البروفسور إليوت كوهن بعضاً من هذه الخيارات للخطة "ب"، منها: الطلب من إيران وسوريا المساعدة، أو الانسحاب، أو إرسال قوات إضافية، أو ترك الحرب الأهلية تأخذ مجراها في حين تتجمع القوات الأميركية في قواعدها، أو تنصيب عسكري قوي على رأس العراق (تتردد كثيراً إشاعات حول انقلاب عسكري أو مجلس عسكري يحكم البلاد)، أو التقسيم. ويعترف كوهن بأن هذه الاقتراحات إما بائسة أو خيالية.
ويُذكر أن كتاب كوهن: "القائد المطلق" الذي نشره عام 2002 حول كبار السياسيين الغربيين الذين تفوقوا في زمن الحرب لأنهم تجاهلوا أو تجاوزوا قادتهم العسكريين، هذا الكتاب لاقى رواجاً بعدما شوهد الرئيس بوش يقرأه في إحدى إجازاته، قبل أشهر من غزو العراق.
يقول كوهن في مقاله في "الوول ستريت جورنال": "انه لا يمكن استرداد هيبة أميركا التي تضررت في المغامرة العراقية، إلا بعمل عسكري آخر، ناجح!".
إن حالة اليأس من الوضع في العراق، سببها مزيج من التقارير اليومية التي تنقل تزايد العنف في أغلب مدنه، وفشل حكومة نوري المالكي وعدم قدرتها في فرض الأمن، وأيضا بسبب رفض الرئيس الأميركي بوش الاقتناع بأن الوضع سيئ فعلاً، ويمنعه عناده أو عدم ثقته بنفسه من الاعتراف بذلك.
في كتابه الأخير: "حال نكران"، يروي بوب وودوارد لقاء عقد في البيت الأبيض العام الماضي بين بوش والمشرعين الجمهوريين، حاول خلاله الرئيس نفي أي شك حول إصراره على التفوق في العراق، قال: "لن أنسحب حتى لو لم يبق معي سوى لورا (زوجته) وبارني (كلبه)".
ولا يبدو أن بوش يتزحزح عن مواقفه المتشددة التي تسبب التوتر أيضا بينه وبين والده الرئيس السابق. إذ أن الأخير وبسبب خوفه من فوز الديموقراطيين في انتخابات الكونغرس المقبلة وتأثير ذلك على قدرة ابنه الرئيس على الحكم قال: "إذا كان لدينا بعض هؤلاء الديموقراطيين المتهورين في موقع المسؤولية فسيكون شيئاً مروعاً بالنسبة الى بلادنا (...) أكره أن أفكر كيف ستكون حياة ابني إذا فقد الحزب الجمهوري غالبيته في مجلسي النواب والشيوخ". وقد رد الرئيس بوش على والده عبر شبكة "اي. بي. سي" قائلاً: "يجب ألا يتكهن على هذا النحو، كان عليه أن يطلبني قبل ذلك لأقول له إنهم لن يفوزوا".
التخمينات الأخيرة تشير الى احتمال هزيمة الجمهوريين في مجلس النواب وفقدانهم 40 مقعداً، واحتمال أن يفقدوا الأغلبية في مجلس الشيوخ.
إن اكتساح الديموقراطيين للكونغرس بعد السابع من الشهر المقبل، سيسفر عن مفهوم سياسي جديد أو على الأقل سيؤدي الى رحيل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهذا لن يضمن أي شيء بالنسبة الى تغيير الاستراتيجية. لذلك بدأ بعض النافذين في السياسة الخارجية الأميركية وأغلبهم من الجمهوريين يقترحون نوعاً من "الإشراف العاقل" على الرئيس بعد الانتخابات، بموافقته أو غصباً عنه.
ولم يتردد الخبير العسكري هارلن أولمان، الذي ابتكر عبارة "الصدمة والهلع" ـ بدأ الغزو الأميركي للعراق في ظلها ـ من الإشارة في مقاله في "الواشنطن تايمز" الى أن عناد بوش يشكل عقبة أمام تطبيق السياسة المقبولة، ليس فقط في العراق، إنما أيضا في شرق آسيا، حيث كان الاختبار النووي الذي أجرته كوريا الشمالية فشلاً آخر له. وطالما أن بوش "متصلب في رأيه، ربما يستطيع "مجلس من الحكماء" إقناعه في مراجعة سياساته الخارجية"، واقترح أولمان أن يضم هذا المجلس رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السناتور جون ورنر، ووزيري الخارجية السابقين جورج شولتز وهنري كيسنجر، ومسؤول الأمن القومي السابق زبغنيو بريجنسكي، ويتكفل هذا المجلس بإقناع الرئيس بأن العديد من السياسات الأميركية تبوء بالفشل وتتآكل. وما لم تتخذ واشنطن توجهات جديدة، فإن الأحداث في شرق آسيا ستتبع مصير الوضع الكارثي الذي يحدث في الشرق الأوسط الكبير".
ولم يستبعد أولمان انضمام جيمس بيكر وزير الخارجية السابق الذي يرأس فريق دراسة العراق، الى مجلس الحكماء.
الديموقراطيون من ناحيتهم، الخائفون دوماً من اتهامهم بأنهم ضعفاء أمام الإرهاب، بدأوا يسوقون فكرة وضع جدول زمني للانسحاب من العراق خلال سنة. هذا الموقف يكسبهم حالياً شعبية، وبالتالي إذا فازوا في الانتخابات يمكن أن يفرضوا على الرئيس تقليص ميزانية حرب العراق عندما ينعقد الكونغرس الجديد في كانون الثاني (يناير) المقبل.
وبسبب ما يدور في واشنطن والعواصم العالمية من أن الولايات المتحدة تورطت في المستنقع العراقي، فأن المنطق يقول إنها لا يمكن أن تغامر بعمل عسكري ضد إيران، خصوصاً أن جواً من الواقعية بدأت تفرضه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بسيطرتها على صنع القرار. لكن الأمور ليست بهذه البساطة، خصوصاً إذا ما شعرت "مبراطورية" مثل الامبراطورية الأميركية بأنها في حالة انهيار أو سقوط.
ومن المؤكد أن إيران استفادت من ضعف الموقف الأميركي خصوصاً بعدما أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية من دون عواقب تذكر. ومع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس تشعر إيران بأنها قادرة على التأثير على النتائج عبر هجمات تشنها المجموعات الشيعية في العراق التي تدعمها ضد القوات الأميركية، ومع تفاقم الحرب الطائفية في العراق ترى إيران الفرصة متوفرة لها لتثبيت وضعها في المنطقة من خلال سيطرتها على العراق وتطويرها لبرنامجها النووي. كما ان طهران ضاعفت وبجرأة من وجودها وتأثيرها في الدول التي تسكنها مجموعات شيعية مثل لبنان والبحرين والكويت. وذكرت تقارير أن بعض دول الخليج بدأت تكتشف عدداً من الخلايا الإيرانية النائمة. وزاد من "الهجوم" الإيراني ما تسرب من تقرير جيمس بيكر بأنه لا بد من إيران وسوريا لمعالجة الوضع العراقي. لكن ترفض الإدارة الأميركية فتح أي اتصال مع طهران ما لم توقف تخصيب اليورانيوم، إلا أن الوضع مختلف بالنسبة الى دمشق، فهي لا تمانع في فتح اتصال معها إنما ضمن شروط محددة تقبل بها سوريا. ويرى البيت الأبيض أن بيكر إنما ينفذ سياسة بوش الأب، وفي هذا إحراج للرئيس الابن.
يقول لي مصدر أميركي في واشنطن: "لنفترض أن أميركا عندما غزت العراق كان هدفها إشعال الحرب الأهلية فيه، كم أن الأمر عندها سيكون سهلاً. والعراق مثل إيران مؤلف من إثنيات وطوائف متعددة، وكذلك الأمر بالنسبة الى سوريا. لذلك ليس من المستبعد ضربة وقائية ضد إيران، ولن يقف الفرس عندها وراء رئيسهم المتشدد محمود احمدي نجاد، فالشعوب لا تدعم المهزومين".
ويضيف محدثي: "إن الولايات المتحدة ستضرب إيران أثناء تقسيمها العراق، فهي ستسمح بكيان كردي وآخر سني، لكن الكيان الشيعي الغني بالنفط سيشكل مشكلة لأميركا، إذا ما حاولت طهران إطباق سيطرتها عليه، وستمنع واشنطن ذلك بزعزعة الوضع في إيران".
هناك من يدعو الى احتواء إيران، لكن واشنطن لا تتوفر لها الشرعية الدولية لقلب النظام من الداخل، لهذا ستحاول جادة تشجيع الانشقاقات الإثنية وتحريض المجموعات العربية، والكردية، والبلوشية، والسنية، والآذرية ضد الفرس، ولن يكون باستطاعة روسيا أو الصين التهديد باستعمال حق الفيتو.
ويقول لي المصدر الأميركي: "إن هناك خياراً آخر، وهو عدم التعاطي مع الوضع وكأنه مسألة عراقية فقط بل توسيعه، أولا بتوجيه ضربة فجائية الى المنشآت النووية الإيرانية، ثانياً بزعزعة الاستقرار الإيراني، لإبقاء النظام الإيراني مشغولاً بمشاكله الداخلية داخل حدوده".
ويضيف: "في هذه الحالة، فان سوريا الحليف الرئيسي لإيران، قد تتأثر، ولا يستطيع حزب الله البقاء متفرجاً إذا ما تعرض مصدر تمويله وتسليحه ودعمه للهجوم. وهذه المرة قد تتقدم إسرائيل حتى الليطاني، فواشنطن منعتها من تحقيق ذلك في الحرب الأخيرة، كما منعتها من تفكيك قوات حزب الله كي لا يتم تشريد أهل الجنوب الشيعة، ولأنه بعدما اعتقد حزب الله أنه لا توجد قوة على الأرض قادرة على زحزحته، فان على واشنطن إيجاد الخطة لاقتلاعه".
ويلفت محدثي، الى أن الأهداف الأميركية من حرب العراق لم تتحقق، وهي نشر الديموقراطية والحرية والاقتصاد الحر، إنما مصالحها تحققت، وها إن سياسة الإدارة أثناء الحملة الانتخابية نجحت في تخفيض سعر النفط وأسعار المحروقات للمستهلك الأميركي. ثم إن الرئيس بوش صار خبيراً، فإذا كان لا مفر من الفوضى، فهو يعرف كيف يستمتع بها.