مفاوضة سورية تجنّب إسرائيل مفاجأة 1973
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
باروخ كيميرلينغ، "هآرتس"
علينا ألا ننسى التقصير التاريخي الذي ارتكبته غولدا مئير، وألا نصفح عنه. وأقصد التقصير الذي أدى الى حرب 1973. ففي 14 شباط (فبراير) 1971، أعرب الرئيس المصري أنور السادات عن استعداده الى التوصل الى تسوية سلمية شاملة مع إسرائيل، لقاء انسحابها كاملاً من سيناء. ويومها رفضت غولدا مئير، الاقتراح واستخفت به. فرد السادات بأن مصر لن تتأخر عن التضحية بمليون جندي في سبيل استعادة أرضها. فحمل كلامه هذا على مرآة نواياه "الحقيقية"، على خلاف كلام الرئيس المصري السابق والمسالم. ولم يبق الموقف الإسرائيلي هو إياه مع فوز مناحيم بيغن في 1977. وعندما بلغت الموساد أخبار عن استعداد السادات الى إحياء مبادرة 1971، أرسل بيغن وزير خارجيته، موشيه دايان، الى المغرب، والتقى نائب الرئيس المصري، حسن التهامي. واجتمع الرئيسان في ايلول (سبتمبر) 1977، واتفقا على الإطار العام للسلم بين مصر وإسرائيل. وأدّى الاتفاق الى زيارة السادات القدس، وإلى اتفاق السلام من بعد.
وهذا الاتفاق، على رغم مشكلاته، هو أكبر إنجاز للصهيونية منذ 1948. فهو مهد الطريق الى قبول إسرائيل كياناً سياسياً شرعياً في المنطقة، داخل حدود 1949، وليس حدود التقسيم. وأسهم الاتفاق في بلورة صيغة اتفاقات لاحقة بين إسرائيل والعرب، تقوم على معيار الأرض لقاء السلام. والحق ان إيهود باراك، وبنيامين نتانياهو نفسه، حاولا السير نحو اتفاق سلام مع سورية، ولكن حافظ الأسد، وكان مصاباً بالرهاب، تبددت حماسته عندما شارفت مرحلة إنهاء الاتفاق. ولا شك في ان الأمور تغيرت مذ ذاك، ولحق التغيير وضع سورية الجيوسياسي، أولاً، ولحق استقرار الحزب الحاكم وسنده الأقلوي. فرفع السيطرة السورية عن لبنان لم يضر بهيبتها وبقدرتها على المناورة تجاه إسرائيل فحسب، بل أضر كذلك قاعدة الفريق الحاكم الاقتصادية. فشطر راجح من هذه القاعدة نجم عن السيطرة السورية على لبنان وعن اتخاذه مركزاً تجارياً دولياً لأغراض شتى. وأدى انهيار العراق الى صعود قوة إيران. وتخالف مبادئ ايران الأصولية الموقف العلماني السوري. ويتعاظم نفوذ ايران جراء الفشل الاستراتيجي الضخم الذي لحق بأميركا التي جنى عليها جهلها المطبق بجوهر العلاقات في المنطقة. والدليل على هذا الجهل إدراج سورية في "محور الشر" حين ينبغي تعبيد طريق مصالحة سورية - إسرائيلية، وتولي البلدين التصدي للأصولية المتفاقمة.
وافتقار سورية، اليوم الى خيار عسكري بإزاء إسرائيل لا ينفي قدرتها على إلحاق خسائر فادحة بإسرائيل بواسطة الصواريخ. وإلى اليوم، اقتصر السوريون على التلويح بالصواريخ سلاحاً دفاعياً. ولكنهم قد يستخدمونها سلاحاً هجومياً إذا يئسوا من تحريك الركود السائد، على نحو ما فعل السادات في 1973. ويدرك الأسد الابن ان السبيل الوحيد الى توطيد دعائم حكمه هو السير بسورية على طريق تسوية مع إسرائيل على المثال المصري. ومن يقرأ مقابلة بشار الأسد مع "دير شبيغل"، في 29 آب (أغسطس) 2005، وقد وصف فيها المجتمع السوري بالمجتمع العلماني، يلمس خوفه من انزلاق سورية الى حرب اهلية على طراز الحرب في الجزائر. وشأن اتفاق سلام مع سورية ان يغير تغييراً عميقاً حال اسرائيل في العالم والمنطقة، وييسر الاتفاق مع الفلسطينيين. وليس الإنشاء الإعلامي، من ضرب كلام بيريس الى الرئيس الأسد ودعوته الى القدس، هو الطريقة المثلى في المخاطبة. فرجل مثل بيريس يعرف ان الزيارة تحتاج الى تمهيد، على غرار لقاء دايان - التهامي. وينبغي صدور الدعوة عن رئيس الحكومة... وإلا حذار المفاجأة، مرة أخرى.