جريدة الجرائد

نار تحت الرماد في الضواحي الفرنسية بعد 12 شهراً على انتفاضتها الأولى

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حوادث متكررة تؤدي إلى التشكيك في سياسة ساركوزي ...


باريس - آرليت خوري


تشهد كليشي سوبوا (ضاحية باريس الشمالية) اليوم الجمعة مسيرة وتجمعات ونقاشات، لمناسبة الذكرى الأولى لمقتل الشابين زياد بني وبونا ترادري، وما تبع ذلك من اعمال عنف عمت ضواحي المدن الفرنسية، واستمرت حتى 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

ورغم الحرص الذي يبديه منظمو هذه النشاطات على ان يكون طابعها سلميا، فإن السلطات والأجهزة المعنية تترقب بقلق بالغ هذه الذكرى، خصوصاً ان وتيرة العنف عادت لترتفع مجدداً في الضواحي.

وشهدت الأسابيع الماضية مواجهات دامية بين مجموعات من شباب الضواحي ورجال الشرطة، فيما قرر سائقو الباصات العامة التوقف عن العمل فيها ليلاً بسبب تعرض آلياتهم للإحراق كما حصل في نانتير (غرب باريس) ليل الاثنين - الثلثاء.

وبعد عام على الانتفاضة التي لم يتسن وقفها لولا اللجوء الى قانون الطوارئ الاستثنائي الذي لم يستخدم في فرنسا سوى خلال حرب الجزائر، لا يزال وضع الضواحي على الدرجة نفسها من الاحتقان. وهناك إجماع لدى المعنيين بشؤون الضواحي ولدى الاستخبارات العامة الفرنسية، على ان الاسباب التي حولتها في العام الماضي الى ساحة حرب لا تزال قائمة.

ومقتل زياد وبونا، صعقاً بالتيار الكهربائي اثر اختبائهما داخل غرفة للمحولات الكهربائية هربا من رجال الشرطة، لم يكن سوى الفتيل الذي فجر أزمة أحرقت خلالها 10300 سيارة وتعرض نحو 300 من المباني الرسمية والعامة الى أضرار قدرت قيمتها بـ160 مليون يورو.

وأقرت السلطات الفرنسية في حينه بأن نزول شباب الضواحي الى الشارع، لم يكن وليد عمل منظم، بل تعبير عن نقمة وعن ترهل في الروابط بينهم وبين مجتمعهم، تراكم على مدى عقود من التجاهل والإهمال. فواقع هؤلاء الشباب محكوم بالفقر والبطالة والفشل الدراسي والتقوقع الاجتماعي، وهو ما جعلهم بمثابة "متمردين بلا قضية"، يعيشون على هامش مؤسسات مجتمعهم التعليمية والمهنية، ويصبون نقمتهم عليها باعتبارها رموزاً لأوضاعهم البائسة.

وللتعبير عن هذا الواقع عملت منظمة "أسي لوفو"، (اوقفوا النيران) على مدى العام الماضي على جمع شكاوى سكان الضواحي وشبابها وقدمت نماذج منها الى البرلمان الفرنسي. وتأخذ مجمل الشكاوى على السلطات معاملتها للضواحي وخصوصاً لسكانها، كمواطنين من الدرجة الثانية، من خلال عدم الإصغاء الى مشكلاتهم، واعتماد سياسة الفرز حيالهم وفقاً لأعراقهم وانتماءاتهم الاجتماعية، والقسوة في معاملتهم امام القضاء وعنف الشرطة حيالهم.

وسط هذه الأجواء التي تشير الى حصيلة سلبية، لما أنجز في الضواحي على مدى عام، حرص رئيس الحكومة الفرنسية دومينيك دوفيلبان امس على عقد مؤتمره الصحافي الشهري في ضاحية سيرجي الشمالية، حيث دافع عن الإجراءات التي اقرها لمعالجة اوضاع هذه المناطق. وعبر دوفيلبان عن إدراكه لاستحالة تسوية كل المشاكل بين ليلة وضحاها، خصوصاً انها وليدة إهمال مستمر منذ عقود، مؤكداً ان حكومته ملتزمة "العمل بالعمق وعلى مدى طويل، بدأت آثاره الأولى بالظهور".

وكان دوفيلبان اقر في العام الماضي سلسلة إجراءات منها قانون تكافؤ الفرص لمعالجة البطالة بين شباب الضواحي، وإجراءات تهدف الى تحسين التخطيط المدني فيها ورصد مساعدات بقيمة مئة مليون يورو، لتفعيل نشاط الجمعيات والمؤسسات الناشطة في هذه المناطق. والمؤكد ان هذه الإجراءات على أهميتها، يمكن ان تخفف من بؤس الضواحي، لكنها غير كفيلة بمعالجة يأس الشباب من اوضاعهم ويأس الشرطة من مواجهتها العقيمة منذ عقود لعنف الضواحي ويأس سكانها الذين يتحملون هذا العنف اضافة الى متاعبهم وهمومهم اليومية.

وقد يكون التركيز الاعلامي المتزايد على اوضاع الضواحي وعودة العنف إليها على صلة، بالذكرى الأولى للانتفاضة، لكنه ليس غريباً عن اجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في فرنسا في نيسان (ابريل) المقبل.

فالتركيز الاعلامي على التردي الامني في انتخابات العام 2002، اوصل زعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبن الى الدورة الانتخابية الثانية وجعله على منافسة مع الرئيس جاك شيراك. وتجدد هذا التركيز الآن، قد لا يصب لمصلحة وزير الداخلية نيكولا ساركوزي الطامح للرئاسة، اذ انه يلقي الضوء على فشله بما وعد به من اعادة إحلال الأمن والنظام الى الضواحي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف