الانسحاب من العراق هدية لـالقاعدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 2006.10.28
بيتر بيرجن
إن المقولة الشهيرة لأحد الساسة الفرنسيين التي وصف فيها وضعاً ما بأنه "أسوأ من الجريمة، إنه خطأ فادح" تنطبق تماماً على الغزو الأميركي للعراق. فبالنسبة للولايات المتحدة يشكل سحب القوات الأميركية من العراق في هذه اللحظة، كما يطالب بذلك عدد متزايد من منتقدي الحرب، خطأ فادحاً يفوق بكثير الكارثة الأصلية التي كانت احتلال العراق من الأساس. ولفهم السبب دعونا ننظر إلى التاريخ، حيث عادة ما تلوح تجربة فيتنام في الأفق لتؤطر النقاش حول العراق. غير أن المثال الأصلح للمقارنة هو ما حصل في أفغانستان بعد خروج القوات السوفييتية إثر هزيمتها المنكرة على يد المجاهدين الذين أمدتهم الولايات المتحدة بالدعم المالي والعسكري. غير أنه مع بدء انسحاب الجيش السوفييتي في 1989 أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في كابول وتجاهلت الحرب الأهلية التي تلت خروج القوات الروسية غير آبهة بصعود "طالبان" وحلفائها من تنظيم "القاعدة". واليوم كيف لنا أن نرتكب الخطأ ذاته في العراق؟
إن انسحاباً شاملاً من العراق سيصب مباشرة في مصلحة الإرهابيين الجهاديين ويدلل على ذلك ما قاله أيمن الظواهري بعيد هجمات 11 سبتمبر في كتابه "فرسان تحت راية النبي" من أن الهدف الاستراتيجي لـ"القاعدة" على المدى القريب هو بسط السيطرة على دولة ما في العالم الإسلامي، أو جزء منها. ولا داعي للتذكير بأن إقامة مثل هذه الدولة "الجهادية" سيكون بمثابة منصة تنطلق منها الهجمات ضد الغرب في المستقبل. ولا يوجد مكان أفضل من المناطق ذات الأغلبية السُّنية الممتدة من وسط العراق إلى غربه، حيث سبق لأبي مصعب الزرقاوي أن أطلق على جماعته "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". وحتى عندما قتل أبو مصعب الزرقاوي خلال العام الجاري أقسم خلفه "أبو حمزة المهاجر" بالولاء لزعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن.
والأهم من ذلك أن أي انسحاب شامل للقوات الأميركية من العراق في هذه المرحلة سيدعم رواية أسامة بن لادن حول السياسة الخارجية الأميركية. فهو يردد دائماً أن أميركا عملاق من ورق لا تستطيع تحمل صور جثامين جنودها وهي تعود إلى الولايات المتحدة. ولتعزيز فرضيته يسوق بعض الأمثلة من قبيل سحب الرئيس الأسبق رونالد ريجان للقوات الأميركية من لبنان سنة 1984، وقرار الرئيس بيل كلينتون بعد عقد من ذلك بسحب القوات الأميركية من الصومال. لذا فإن أي سحب للجيش الأميركي من العراق لن يؤدي سوى إلى تأكيد تحليل "القاعدة" وحلفائها حول ضعف الولايات المتحدة وعدم قدرتها على الصمود في المعارك. والواقع أنه في 2005 بعث أيمن الظواهري برسالة إلى الزرقاوي، تمكن الجيش الأميركي من رصدها، يحثه فيها على البدء في الاستعداد لانسحاب أميركي وشيك من العراق يشبه انسحابها قبل ثلاثة عقود من فيتنام، قائلاً "لقد كان انسحاب القوات الأميركية من فيتنام وتخليها عن عملائها هناك يوماً مشهوداً". وقال الظواهري أيضاً في الرسالة "ومن أجل ذلك علينا أن نبدأ من الآن قبل أن تداهمنا الأحداث، وقبل أن تفاجئنا مؤامرات الأميركيين والأمم المتحدة وخططهم في ملء الفراغ الذي سيخلفونه وراءهم". ولاشك أن الاحتلال الأميركي الفاشل للعراق كان عاملاً حاسماً في تغذية التمرد العراقي، لكن غسل الولايات المتحدة ليديها من العراق يعطي لـ"القاعدة" ما كانت تتمناه دائماً. وبالطبع لا يعني ذلك أن نحافظ على المسار ذاته في العراق، إذ يتعين على أميركا التخلي عن تطلعاتها بإحلال الديمقراطية في العراق وأن تركز على الأقل القليل وهو منع قيام دويلة صغيرة في العراق تسمح لعناصر "القاعدة" بالتجمع مرة أخرى وتهديد أمننا القومي.