عن سابقة سولانا ودلالاتها ...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
طلال سلمان :بين تقاليد الحياة السياسية في لبنان أن تعامل المرجعيات الدينية، وبالذات منها البطريركية المارونية معاملة خاصة تتداخل فيها السياسة مع اللياقة أو الاحترام للموقع الملتبس، إذ انه في قلب الحياة العامة للبلاد، وبالتالي فهو ليس بعيداً عن السياسة وإن حرص على حفظ مسافة معينة عن تفاصيلها احتراماً منه لموقعه الذي يعتبر، مجازاً، lt;غير زمنيgt;.
وبهذا المعنى فلا نقاش في حق البطريرك الماروني في ان يستقبل أي زائر سياسي للبنان، سواء أكان يشغل موقعاً قيادياً (كالرئيس الفرنسي، مثلاً) أو موقعاً سياسياً مؤثراً كالممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، الذي زار بكركي أمس ومنها أطلق تصريحاً يستحق التوقف عنده لدلالاته التي تتجاوز حدود الزيارة البروتوكولية.
سئل هذا المسؤول الأوروبي الخطير المثقل بملفات مهمة جداً، والذي وصل مع الغروب قادماً من إسرائيل، ما إذا كان سيزور رئيس الجمهورية فرد بما مفاده ان برنامجه lt;مكثف ومثقل بالمواعيد وليس الهدف هو المقاطعةgt;. وأن يقول مثل هذا الكلام وهو على درج صرح بكركي الذي وصله من المطار مباشرة ما يطرح أسئلة عديدة، وخصوصاً ان برنامج سولانا مثقل فعلاً بزيارات سياسية تتجاوز الإطار البروتوكولي لتشمل العديد من المواقع الرسمية، (عدا اللقاءات ذات الطابع الشخصي أو غير الرسمي التي يمكن أن يكون قد عقدها ليلاً مع بعض القيادات السياسية التي لا تشغل مواقع رسمية).
لا يتسق رد سولانا إذن مع فائض الوقت عنده.
وبغض النظر عن الرأي في شخص الرئيس اميل لحود أو في نهجه فإنه حتى هذه اللحظة رئيس الجمهورية اللبنانية.
وصحيح ان العديد من المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والالمان والبريطانيين والطلاينة والاسبان قد قدموا إلى لبنان ولم يزوروا رئيس الجمهورية في قصر بعبدا... لكن هؤلاء لم يزوروا أيضاً بكركي ولم يلتقوا البطريرك الماروني، وبالتالي فهم لم يتركوا التباساً في انهم قد جعلوا من الكاردينال الجليل والحصيف بديلاً (مارونياً) من رئيس الجمهورية. وربما كان ذلك بين ما أثار انزعاج البطريرك صفير وألمح في أكثر من تصريح ان زوار لبنان الكبار يجيئون فيلتقون قيادات من مختلف الطوائف (رئاسة المجلس النيابي، رئاسة الحكومة، وزارة الخارجية وربما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي) ثم ينصرفون دون ان يلتقوا فيسمعوا رأي مرجعية مارونية.
وبالتأكيد فلم يكن قصد البطريرك من هذا الاعتراض ان يحله الزوار الأجانب محل رئيس الجمهورية... وكذلك فهو لم يطلب، قطعاً، من خافيير سولانا ان يزوره، وبالتالي فمن البديهي انه لم يطلب منه عدم زيارة رئيس الجمهورية. مع ذلك فلا بد من القول ان سولانا قد سجل سابقة سيكون لها ما بعدها، من دون ان يعني هذا الكلام اعتراضاً على حق الزائر في ان يطلب أو حق البطريرك في ان يستجيب فيستقبل من يطلب لقاءه.
ففي بلد هش التوازنات، مثل لبنان، وفي لحظة تحتشد فيها الحساسيات الطائفية والمذهبية بحيث تضفي على المرجعيات الدينية ما ليس في طاقتها من المسؤوليات السياسية، وفي حين يشتد الجدل حول التبديل أو التغيير أو التعديل في أوزان ممثلي القوى السياسية بحسب قواعدهم الطائفية أو المذهبية،
في مثل هذه اللحظة من الظلم للبطريرك الماروني ان تلقى عليه مسؤولية غيره فيبدو وكأنه البديل من رئيس الجمهورية، وهو ما لا يرضاه لنفسه ولا يرضاه له اللبنانيون، على اختلاف طوائفهم... بهذا المعنى نتمنى ان تظل lt;سابقةgt; سولانا مفردة، فلا يكون لها ما يعزز سوء التفسير أو ينسب إلى المضيف ما لا يرضاه لنفسه وإلى الضيف ما يخرج به عن الأصول الدبلوماسية المعتمدة.