الاستخبارات الباكستانية «ISI» وحركة طالبان.. هل هو تحالف استراتيجي اضطراري؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الثلاثاء: 2006.10.31
د. أحمد البرصان
أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال إليو- ماري أثناء زيارتها إلى واشنطن، أن فرنسا ترغب في مراجعة مشاركة قواتها الخاصة في أفغانستان، حيث يتولى حلف الناتو قيادة العمليات العسكرية في أفغانستان، بعد أن سلمت الولايات المتحدة القيادة لقوات حلف الناتو، ويتولى الجنرال البريطاني ديفيد ريتشاردز قيادة قوات الناتو (إيساف) منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، عندما سلمت القوات الأمريكية حفظ الأمن ومطاردة طالبان لقوات الناتو في مجمل أفغانستان، وقد جاء هذا التخلي الأمريكي بعد تزايد هجمات طالبان في جنوب وشرق أفغانستان، بل سيطرة طالبان على هذه المناطق، وتزايد العمليات الانتحارية التي يقوم بها أعضاء حركة طالبان حتى وصلت العاصمة كابول. ولم يقتصر أمر المراجعة في وجود القوات على فرنسا، بل طالب حزب الخضر الألماني الحكومة الألمانية بتوضيح الوضع الحالي للقوات الألمانية الخاصة التي تعمل مع القوات الأمريكية لتعقب تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
وإثر تزايد عمليات المقاومة الإسلامية في أفغانستان فقد زار الجنرال ديفيد ريتشارد ز باكستان والتقى الرئيس الباكستاني وتردد أنه أشار إلى دور الاستخبارات العسكرية الباكستانية في دعم حركة طالبان مجددا. ولم يقتصر الاتهام للاستخبارات الباكستانية على قيادة الناتو في أفغانستان، بل نادت بعض الأوساط الأمريكية بحل هذه الاستخبارات. وقد تسرب للصحافة البريطانية في سبتمبر (أيلول) الماضي تقرير لوزارة الدفاع البريطانية يتهم فيه الاستخبارات العسكرية البريطانية (ISI ) بدعم حركة طالبان والمقاومة الإسلامية، كما ترددت نفس الاتهامات في تقرير صدر عن مجلس السياسة الخارجية في نيويورك.
الاستخبارات الباكستانية ونشأة حركة طالبان
ليس سرا أن حركة طالبان قد تلقت الدعم من الاستخبارات الباكستانية في بداية نشأتها، ففي ظل الفوضى وحرب زعامات المجاهدين بعد الانسحاب السوفياتي، وعندما ظهرت الحركة بداية في منطقة قندهار وفرضت الأمن، وأن عناصرها من طلبة المدارس الدينية الذين سئموا من قتال لوردات الحرب في أفغانستان، تنبهت الاستخبارات الباكستانية لأهمية هذه الحركة وساعدتها، حتى تردد أن الاستخبارات الأمريكية قد باركت آنذاك هذا الدعم الباكستاني على أمل فرض الأمن في أفغانستان واستقراره على أمل مد خط أنابيب البترول من الجمهوريات الإسلامية إلى موانئ باكستان مرورا بأفغانستان وأن هذا المشروع يتطلب دولة باكستان المستقرة سياسيا، بالإضافة إلى وجود دولة سنية حنفية ضد إيران الشيعية، خاصة أن للحركة موقفها من الشيعة.
لقد نشط دور الاستخبارات الباكستانية خلال حرب المجاهدين المسلمين مع الاتحاد السوفياتي، ويقال إن الخلاف الأمريكي مع طالبان قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عندما تعثرت مفاوضات الشركات الأمريكية مع حكومة طالبان في إتمام صفقات مد أنابيب البترول عبر أفغانستان.
حامد كرازاي يهاجم باكستان وبوش يجمع بينهما في البيت الأبيض
إثر تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في أفغانستان وفشل الولايات المتحدة وحكومة كرازاي في تحسين الأوضاع المعيشية رغم مرور خمس سنوات على إسقاط طالبان، فقد حظيت طالبان بدعم الأهالي بعد فقدان الأمل في الوقت الذي تراجع الدعم الشعبي لحكومة كرازاي، وصب الأخير جام غضبه على باكستان فرد مشرف على كرازاي، بوصفه نعامة لا يخرج من كابول، كما وصف كرازاي مشرف بمن يدرب الثعابين، وقد اجتمع بوش بمشرف وكرازاي في البيت الأبيض في محاولة لتسوية الخلافات بينهما، ولكن مشرف نفسه يعاني من المعارضة الداخلية وخاصة الإسلامية وحتى من بعض عناصر الجيش والاستخبارات.
مأزق مشرف في باكستان
تعرض برويز مشرف إلى ست محاولات اغتيال، ولكن المهم أن هذه المحاولات لم تكن جميعها من الجماعات الإسلامية المتطرفة، بل بعضها من عناصر الجيش، وآخرها عندما عثرت قوات الأمن على سيارة موجهة تجاه القصر الرئاسي الجمهوري وبالقرب من منزل مشرف، وقد تردد أن هناك محاولة انقلاب عسكري يخطط لها وتم اعتقال ما يقارب 40 عسكريا وخاصة من القوات الجوية، وذلك بسبب إحباط بعض عناصر الجيش من سياسة مشرف وانجرافه مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب ومطاردة بعض الجماعات الإسلامية الكشميرية التي كانت تدعمها باكستان؟
التعاون الاستراتيجي الهندي -الأمريكي
إن اهتمام الإدارة الأمريكية بالهند وعقد اتفاقية التعاون النووي مع الهند يقلق باكستان باعتبار أن الهند العدو التاريخي والرئيس لباكستان، ونجد أن إدارة كلينتون السابقة ثم إدارة بوش الحالية قد عمقت التعاون الاقتصادي والنووي مع الهند لاعتبارات سياسية لتوازن القوى في شرق وجنوب آسيا مع الصين الشعبية، في الوقت الذي تضغط واشنطن على باكستان وتتهمها بعدم التعاون في مواجهة طالبان والقاعدة مما ورط حكومة مشرف في مواجهات عسكرية وفي منطقة القبائل مما دفع الحكومة الباكستانية مؤخرا إلى عقد اتفاقية مع الحكومة المحلية لوزيرستان لتخفيف حدة التوتر علما بأن وزيرستان تعتبر منطقة حدودية مع أفغانستان ونقطة انطلاق وتجمع للمقاومة الإسلامية في أفغانستان وحركة طالبان مما أثار حفيظة واشنطن ؟
التعاون الهندي - الأفغاني
كانت أول زيارة لحامد كرازاي عندما تولى السلطة في كابول للهند التي درس فيها وتربطه علاقات جيدة بها، وفي ظل التعاون تحت شعار مقاومة الإرهاب وخاصة الجماعات الإسلامية في كشمير وطالبان والقاعدة، بالإضافة إلى الوجود الأمريكي في أفغانستان وجدت باكستان نفسها محاطة بالهند ومن الشمال حومة كرازاي في أفغانستان، وأصبحت تجد نفسها تفقد مجالها الحيوي في الشمال، عندما كانت ترى في أفغانستان عمقا استراتيجيا لها، كما تجد نفسها أن دعمها للمجاهدين إبان الاحتلال السوفياتي وفتح حدودها لهم من أجل مصالحها الاقتصادية والأمنية، يذهب لفائدة الهند العدو التقليدي ؟ وحيث إن المؤسسة العسكرية التي تقود باكستان منذ تأسيسها رغم فترات الديمقراطية والحكومات المدنية، فإن الجيش يبقى القوة الرئيسية في البلاد والمنظمة وبنفوذ قوي للاستخبارات العسكرية الباكستانية التي رأت في انجراف مشرف مع الولايات المتحدة يهدد وحدة البلاد ويفقد باكستان ورقة رئيسة في يدها للضغط على الهند واستمرار نفوذها في أفغانستان وهي الجماعات الإسلامية سواء في كشمير أو أفغانستان ؟ إن السير خلف الولايات المتحدة أدى إلى توتر الجبهة الداخلية وفقدان المجال الحيوي والوصول إلى آسيا الوسطي بعد سقوط حركة طالبان التي كانت حليفا لباكستان وكانت الأخيرة هي التي تعترف بحكومة طالبان؟
مشرف يدافع عن نفسه :أمريكا هددت باكستان ودفعت الأموال
وجد الرئيس مشرف نفسه في وضع حرج مع المؤسسة العسكرية والمعارضة الإسلامية والعلمانية ومحاطا بعدو تقليدي الهند، ووجود أمريكي في أفغانستان ويستعمل القواعد العسكرية الباكستانية وعمليات مطاردة داخل المناطق الباكستانية لعناصر طالبان والقاعدة، ويبرر مشرف تعاونه مع واشنطن في أن الأخيرة هددت باكستان بالعودة إلى خط النار، ففي كتابه (على خط النار) IN THE LINE OF FIRE يذكر مشرف أن نائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريتشارد أرميتاج قد هدد مشرف بالعودة للعصر الحجري في حالة عدم تعاون باكستان في الحرب على القاعدة وطالبان بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) كما أن واشنطن قد أغدقت الأموال على حكومة مشرف لدفعها للتعاون مما أحدث انقلابا في سياسة مشرف نحو طالبان أدت إلى سقوطها ؟
اللعبة الكبرى في أفغانستان
إن الصراع على أفغانستان في القرن التاسع عشر بين بريطانيا العظمى وروسيا القيصرية كان يطلق عليه " اللعبة الكبرى THE GREAT GAME، ولكن في النهاية لا روسيا ولا بريطانيا سيطرت على أفغانستان، واليوم تعود اللعبة الكبرى من جديد ولكن بأطراف دولية أخرى مشاركة أيضا، الصين الشعبية وروسيا الاتحادية والهند والولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى باكستان، ولكل من هذه الأطراف حساباته الاستراتيجية والسياسية، فإذا كانت باكستان تريد العودة للسيطرة والنفوذ في مجالها الحيوي والعمق الاستراتيجي، فإن روسيا الاتحادية وفي ظل بوتين لا تنسى الدور الأمريكي في تورطها في أفغانستان ومساعدة المجاهدين ضد موسكو، وإن تعزيز الوجود الأمريكي في أفغانستان يعتبر تهديدا لمصالح روسيا في آسيا الوسطى، كما أن بكين قلقة من هذا الوجود الأمريكي على حدودها الغربية، أما إيران فهي في حرب بيانات وتصريحات وتهديد عسكري وحصار اقتصادي من واشنطن فهي فرصة لإثارة الوضع في أفغانستان كما هو العراق، وإذا كانت طهران قد تعاونت مع واشنطن في إسقاط حكومة طالبان فإن اللعبة قد تغيرت وما تردد عن اجتماعات لحكومة طهران مع عناصر في أفغانستان وخاصة الهزارة لإثارتهم ضد واشنطن لمزيد من التورط الأمريكي في المستنقع الأفغاني والعراقي .
إن حركة طالبان ليست الوحيدة وإن كانت الرئيسية في المقاومة ضد الوجود الأجنبي في أفغانستان وقوات إيساف والأمريكان، هناك الحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار المتمرس في المقاومة والتحالفات السياسية منذ مقاومة الاتحاد السوفياتي وكذلك جماعة جلال الدين حقاني، وغيرها من الجماعات التي تجد فرصة في مقاتلة الولايات المتحدة، وما تردد عن تعاون مع المقاومة الإسلامية في العراق، ويظهر من تبني طالبان من أسلوب وتكتيك المقاومة العراقية من السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية ؟ وإذا كان السلاح والدعم المالي متوافرا لحركة طالبان والجماعات الأخرى المقاتلة، فإن هناك أطرافا دولية كما نلاحظ ضد الأحادية والهيمنة الأمريكية وكما قال تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية في تبرير تحالفه مع ستالين (أتحالف مع الشيطان ضد هتلر)، فإن قوى دولية وإقليمية تقدم الدعم المباشر وغير المباشر لطالبان والجماعات الإسلامية في أفغانستان، وليست الاستخبارات العسكرية الباكستانية الوحيدة التي تشارك في اللعبة، وإن كانت مصالح باكستان الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية تفرض عليها أن تكون حكومة أفغانية موالية لها يجب أن تكون في كابول . وفي ظل فشل إعمار أفغانستان وتورط الناتو خارج أوروبا ومع توالي سقوط الخسائر العسكرية، وفقدان حكومة كرازاي التأييد الشعبي وتهديد قوي داخل أفغانستان بحمل السلاح من جديد، فإن دول الناتو تعيد حساباتها كما أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية، وكذلك تعيد استخبارات باكستان حساباتها بعد فشل الرهان على واشنطن التي أصبح التعاون معها لا يقتصر على فقدان النفوذ في أفغانستان بل يهدد وحدة باكستان نفسها ووجودها كدولة موحدة.