حزب الله يصعّد اتهامه للأكثرية بالارتباط بأميركا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الثلاثاء: 2006.10.31
...لكنه لا يخفي الأبعاد الخارجية لـ"مشروعه الداخلي"
العلاقة "المتجددة" بأجندة المحور السوري ـ الإيراني
نصير الأسعد ـ المستقبل
في سياق المعركة التي يخوض ضد الحكومة وأكثرية 14 آذار، صعّد "حزب الله" في الأيام الماضية اتهامه لهما بأنهما تحظيان برعاية الولايات المتحدة وحمايتها، وذهب في خطابه إلى حدّ القول أن فريق 14 آذار يناور من أجل عدم الاستجابة إلى دعوة الرئيس نبيه بري لـ"التشاور"، لأن أمر عمليات أميركياً صدر له يحضّه على التمسك بالحكومة القائمة ورفض تغييرها.
العلاقة "العضوية" بالأهداف السورية والإيرانية
ويرى كثيرون ممن يتابعون خطاب الحزب في تدرّجه التصعيدي أن هذا النوع من التصعيد الاتهامي لا يهدف فقط إلى التستير على حقيقة أن مطلب التغيير ا لحكومي باتجاه ما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" إنما جاء بأمر عمليات سوري بداية، وذلك في خطاب رئيس النظام السوري بشار الأسد غداة توقف العدوان الاسرائيلي في 14 آب الماضي، ثم بأمر عمليات إيراني عندما بدأت وسائل الإعلام تنقل عن مصادر رفيعة في الجمهورية الإسلامية ان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يجب أن تتغير، إنما هو ـ أي التصعيد الاتهامي ـ يهدف أيضاً إلى التستير على العلاقة "العضوية" بين ما يطرحه "حزب الله" في الداخل اللبناني من ناحية والأهداف السورية والإيرانية من ناحية ثانية.
"معلومات": نظام الأسد مرتاح عراقياً وفلسطينياً
ثمة مِن بين الذين يحتفظون بعلاقة وطيدة مع النظام في سوريا، مَنْ نقل في الآونة الأخيرة "معلومات" تضع تحرك "التحالف السوري" في لبنان و"حزب الله" على رأسه في إطار إقليمي و"تحذّر" من التعاطي مع هذا التحرك بوصفه "لبنانياً" بحتاً أي بدوافع لبنانية ولأهداف لبنانية.
تفيدُ هذه "المعلومات" بالآتي: إن نظام الأسد يقرأ في التطورات الجارية عراقياً ورطة أميركية كبرى، ويرى في التطورات الجارية فلسطينياً ورطة مماثلة للتحالف الأميركي ـ الاسرائيلي، ويعتبر أن هاتين الورطتين الأميركيّتين تشكلان سبباً كافياً لـ"الارتياح"، فكيف إذا أضيف اليهما "واقع" ان العلاقة الإيرانية ـ الأميركية لا تزال على حالها من التأزم لا بل هي تتجه إلى مزيد من التأزم من وجهة نظر النظام في دمشق؟.
... لكن الوضع اللبناني "ينغّصه"
وتضيف "المعلومات "نفسها أن نظام الأسد يعتبر في المقابل أن الوضع في لبنان "ينغّص" عليه ارتياحه الذي توفره المعطيات عراقياً وفلسطينياً ـ وفقاً لقراءته ـ وأن الوضع اللبناني يجب أن يتغير تالياً. ومصدر ذلك "التنغيص" يتعلق بمجموعة من الأسباب أهمها سببان: الأول هو تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر جرائم الاغتيال الأخرى بالتزامن مع قرب انتهاء المحقق الدولي سيرج براميرتس من إنجاز تقريره النهائي. والثاني هو اعتباره ان من شأن التطبيق الأمين للقرار الدولي رقم 1701 أن يفك ارتباط المسار اللبناني ـ الاسرائيلي عن المسار السوري ـ الاسرائيلي في انتظار "التسوية الإقليمية" النهائية.
ويطلب إسقاط المحكمة الدولية
وتقول "المعلومات" إياها إن التغيير في لبنان من مدخل ما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" إن لم يلجأ "التحالف السوري" إلى مداخل أخرى، هو مطلب ذو أولوية مطلقة لنظام الأسد في سوريا. فهذا "التغيير" يُفترض ـ بحسب التخطيط له ـ أن يؤدي إلى إمساك "التحالف السوري" بالقرار السياسي للدولة اللبنانية. وفي هذه الحالة، يصبح إقرار لبنان نظام المحكمة ذات الطابع الدولي أمراً متعذراً، لأن إمساك "التحالف السوري" بالقرار السياسي سيؤدي إلى تعطيل المضمون الفعلي للمحكمة وإلى منع سَوْق المتهمين، سوريين ولبنانيين، إلى المحكمة. والحال هنا أن نظام الأسد إذ يعي العلاقة المباشرة بين اتهام مسؤولين فيه وسَوْقهم إلى العدالة الدولية من جهة وبين مصيره من جهة أخرى، إنما يريد تعطيل المحكمة كحد أقصى أو جعلها بلا قوة كحد أدنى.
.. والالتفاف على الـ 1701
كذلك فإن إمساك "التحالف السوري" بالقرار السياسي أو تمتّعه بقدرة التعطيل، يمنحان هذا التحالف إمكانية الالتفاف على تطبيق القرار 1701 عبر "التشويش" على القرار السياسي المعطى للجيش اللبناني المنتشر في الجنوب بموجب قرار مجلس الوزراء المتلاقي مع القرار 1701، علماً أن القرار الدولي يستعيد في هذا المجال ما يتضمنه اتفاق الطائف ومجمل القرارات الدولية الأخرى ذات الصلة ومنها تلك التي صدرت تأسيساً على التقارير التي قدمها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة حول القرار 1559، تيري رود ـ لارسن.
بيد أن "التحالف السوري" بإيعاز من دمشق، يعتبر أنه حتى لو لم يحصل التغيير الذي ينشده، فإن "الفراغ" الذي يمكن أن ينشأ، من شأنه ان يؤثر سلباً على الوضع في الجنوب، وهكذا بدلاً من أن تكون في الجنوب "يونيفيل" معززة، تتناقص القوات الدولية.
جبهة الجولان
وهنا بالضبط "يتدخل" أصحاب "المعلومات" لإضافة معطى يتكرر الحديث عنه منذ مدة. فبحسب هذه "المعلومات"، يتهيأ نظام الأسد لفتح جبهة الجولان في العام المقبل 2007، وهو وفقاً للمعلومات نفسها حلّ فرقتين عسكريتين من الوحدات الخاصة النظامية، وحوّلهما "مقاومة"، واستعان بخبرات إيران و"حزب الله" في مجال التدريب وبناء الأنفاق، واستعان بـ"دولة كبرى" أقامت له محطات إنذار مبكر وتنصت.
الأسد يخوض معركة "شرعية" نظامه
استناداً إلى المعلومات الآنفة واستناداً إلى تحليلها، يتضح أن نظام الأسد في سوريا يخوض معركة إثبات "شرعيته"، أي أن الرئيس السوري يخوض معركة شرعية نظامه من مدخلَين رئيسيين: إسقاط المحكمة الدولية لمنعها من التوصل إلى الحقيقة حول جريمة إغتيال الرئيس الحريري أولاً، والاستعداد لـ"معركة" سورية ـ إسرائيلية تنفض الغبار عن التباسات علاقة هذا النظام بإسرائيل ثانياً. و"المعركة" هذه تقتضي تحقيق التغيير المرغوب سورياً في لبنان. أما مصلحة إيران فإنها تتماشى مع "إنقاذ" النظام السوري، ومع الاستعداد لـ"المواجهة" حول ملفها النووي.. إذا كان لا بد لهذه المواجهة أن تحصل.
إذاً، بالعودة إلى نقطة إنطلاق التحليل، لا بد أن يكون واضحاً ان "حزب الله" على رأس "التحالف السوري"، عندما يتهم الحكومة وحركة 14 آذار بأنهما تحظيان برعاية وحماية أميركيتين غربيّتين وبأنهما تستجلبان وصاية خارجية غربيّة، فإنه في واقع الأمر انما يحاول التستير على حقيقة سعيه إلى إبقاء لبنان موقعاً من مواقع التحالف السوري ـ الإيراني، وعلى حقيقة أن مشروع التغيير الذي ينادي به انما هدفه الأول إنقاذ نظام الأسد.
عنوان الصراع: لبنان موقع
من مواقع التحالف السوري ـ الإيراني؟
فعلى هذا الأساس، نظرت حركة 14 آذار إلى حرب تموز من ضفّتها اللبنانية بوصفها حرباً استباقية لصالح المحور السوري ـ الإيراني. وعلى أي حال، فإن الخلاف الذي انفجر بين 14 آذار و"حزب الله" بعد الحرب، كان ظاهره خلافاً حول ما إذا كان ثمة انتصار لحزب الله أو لا، لكنه في العمق كان خلافاً حول "مكان" آخر. فمسارعة الحزب إلى "تضخيم" الانتصار بالرغم من النتيجة السياسية للحرب مجسدة في القرار 1701، كانت ـ أي المسارعة ـ من أجل تثبيت لبنان كموقع من مواقع التحالف السوري ـ الإيراني لم تنته "وظيفته"، في حين أن تركيز 14 آذار سياسياً كان على انتهاء "هذا" الموقع. فلم يكن الخلاف إذاً حول سلاح "حزب الله" الذي يخضع البحث فيه لـ"نقطة انطلاق": هل لا يزال لبنان موقعاً ضمن استراتيجية سورية ـ إيرانية أم لا؟ هل لا يزال لمقاومة "حزب الله" دور إقليمي أم لا؟
كلام "حزب الله" عن "التدقيق" في المحكمة الدولية
على كل حال، قبل أيام قليلة، كان مسؤول بارز في "حزب الله" في معرض شرح المطالبة بما يسمى "حكومة وحدة وطنية" يشير إلى نقطتين رئيسيتين: الأولى هي ما سماه الخلل في التوازن الدولي في ظل سيطرة الولايات المتحدة عليه، والثانية مُستنتجة من الأولى وهي أن "حزب الله" وبسبب هذا الخلل معني بـ"التدقيق" في القرارات الدولية. ولفت مباشرة بعد ذلك إلى أن الحزب سيدقق في نظام المحكمة الدولية وآليات عملها كي لا يتضمن ما سماه ضغوطاً سياسية على "دول وشعوب في المنطقة". ولا يخفى هنا أن المقصود هو حماية نظام الأسد من المحكمة الدولية، لأنه كان سيكون مفهوماً أكثر لو أن المسؤول في "حزب الله" شدد على فاعلية المحكمة التي كان وافق على إنشائها في وقت سابق. كما لا يخفى أن المقصود هو حماية جهات لبنانية مشتركة في "التحالف السوري" من المحكمة أيضاً.
إذاً، يتهم "حزب الله" الحكومة والأكثرية بما هو فيه. وإذا كان توتر "حزب الله" أو تشنجه ينعكسان في المواقف المشار اليها آنفاً، فإنهما ينعكسان أكثر في الإصرار على ما سمي "التشاور" بدلاً من "الحوار" من جهة وفي الإصرار على نقطتين للبحث فقط من جهة أخرى.
"التشاور" وقواعده
فحزب الله يعلم علم اليقين انه لا يمكن فصل البحث في قيام ما يسميه "حكومة وحدة وطنية" عن برنامج هذه الحكومة. ويعلم علم اليقين أيضاً أن ما يردده عدد من قيادييه عن ان البرنامج يجري حوار بشأنه في "حكومة الوحدة" بعد تشكيلها، انما هو هرطقة، لأن الأطراف يتفقون على البرنامج ليبنوا على الشيء مقتضاه. لكنه إذ يصر على تجاهل الحقائق التي يعلمها علم اليقين، انما يسعى إلى فرض أمر واقع، ويحاول الهروب من المسار المنطقي للأمور، والتهرب من التزامات سابقة... "يصدف" أن الحرب الأخيرة بنتيجتها لم تطوِ صفحتها، فتراه يعود إلى "المربّع الأول".
ان "حصر" التشاور ببندَي الحكومة وقانون الانتخاب هو بترٌمقصود لسياقات متصلة بشكل طبيعي. فاذا كان ما يقوله الحزب صحيحاً حول القرارات الدولية وحول أداء الحكومة مما "يتذرع" به للمطالبة بالتغيير، فكيف لا تكون النقاط السبع التي تم الإجماع عليها في مجلس الوزراء موضع "تشاور حواري" أو "حوار تشاوري"؟ وإذا كان ما يقوله صحيحاً، كيف لا يكون تطبيق القرار 1701 موضع تشاور وحوار؟ وكيف لا يتم تثبيت ما جرى إقراره في مؤتمر الحوار الوطني "السابق" بالإجماع؟
ان هذا الفصل الذي أخضع التشاور اليه، يتقاطع مع ما انتهت إليه الاستنتاجات السابقة: محاولة "تهريب" بقاء لبنان موقعاً للمحور السوري ـ الإيراني، ومحاولة فرض أمر واقع يمكن مناقشته ولا يتم التشاور بشأنه بالتعريف.. ومحاولة الهرب من "تأكيد" الموافقة على قيام المحكمة الدولية.
"التعديل" الحكومي يساوي "التغيير" الحكومي
ولا يغيّر في هذه الاستنتاجات الكلام المستجد عن "تعديل" حكومي بديلاً من "التغيير" الحكومي. و"التعديل" الحكومي توسيعاً للحكومة القائمة يعني "تعديلاً" في توازنها السياسي. ويعني "إغراق" عناوين أساسية وإخضاعها لتوازن سياسي متبدل قسراً. و"التعديل" كما "التغيير" يتطلبان تثبيتاً للعناوين الأساسية، ويستدعيان توافقاً على كافة جوانب السلطة.. وإلا فهي دعوة للأكثرية إلى "الاستسلام" وهي دفع نحو "المجهول".. وفي حد أدنى نحو مرحلة انتقالية شديدة العُسر.
والآن، وقد تأجل "التشاور" لأسبوع بما يمكّن من حضورٍ قياديٍّ صف أول كما تمنى الرئيس نبيه بري، يجدر استعادة قدر من التعقّل في مقاربة أمور هذا التشاور.. الا إذا لم يعد للتعقّل مكان عند البعض بسبب التداخل بين الأجندتَين المحلية والاقليمية.