جريدة الجرائد

لحود يعترض على مشروع المحكمة الدولية ويرفض سلطتها على الضباط الأربعة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الأكثرية تتحدث عن "فضيحة سياسية" ووزير العدل يطالب بتفادي "هرطقة"...
اوساط دولية تشير الى "قلق من المحكمة" وواشنطن تدعم حكومة السنيورة في "محاولة الانقلاب عليها" ...


واشنطن , بيروت، دمشق , نيويورك - سلامة نعمات , راغدة درغام


انتقل لبنان الى مستوى جديد من التأزم السياسي امس مع اتساع الخلاف على العديد من القضايا والعناوين، ليشمل قضية حساسة وجوهرية هي مشروع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه، وبالجرائم المرتكبة من 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2004 حتى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2005، بفعل إعلان رئيس الجمهورية اميل لحود اعتراضه على المشروع وإبدائه 12 ملاحظة عليه. وجاء هذا الموقف في تقرير وزعته دوائر القصر الجمهوري بعد ظهر امس، ما أثار فوراً ردود فعل ساخطة من عدد من قيادات الأكثرية وقوى 14 آذار التي قالت مصادرها ان اعتراضات لحود برهان على "تحذيرنا منذ اشهر من ان هدف التوتير السياسي الحؤول دون قيام المحكمة"، على رغم الإجماع عليها في مؤتمر الحوار الوطني في آذار (مارس) الماضي".

وفي وقت عُقدت آمال على المبادرة الحوارية التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بدعوة أقطاب مؤتمر الحوار الوطني الى جلسات تشاورية لمدة 15 يوماً بدءاً من الاثنين المقبل، لمعالجة المأزق السياسي في البلاد، على خلفية إصرار "حزب الله" و "التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون على تغيير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لخفض منسوب التوتر في البلاد، توقعت الأوساط السياسية ان يعيد خروج الخلاف على قيام المحكمة ذات الطابع الدولي الى العلن، الصراع السياسي الى نقطة الصفر على رغم الجهود التي يبذلها بري وأطراف خارجية، منها المملكة العربية السعودية ممثلة بسفيرها في بيروت عبدالعزيز خوجة، من اجل خروج الاجتماعات التشاورية بتوافق بين الأفرقاء المختلفين.

وتناولت ملاحظات لحود في بيان صدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية امس (يقع في 38 صفحة فولسكاب) حول "مسودة الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية في شأن تأسيس محكمة خاصة للبنان وعلى مشروع نظام المحكمة الخاصة بلبنان" غياب صفة "الدولية" أو ذات "الطابع الدولي" عن المحكمة لأن المشروع اعتبرها محكمة خاصة بلبنان. ورأى لحود ان هذا العنوان "يحمل على الاعتقاد بأن لبنان بلد منبوذ يحاكم من اجل جرائم ارتكبها. وإذ جاءت هذه الملاحظة شكلية، استند لحود في ملاحظاته، الى المادة 52 من الدستور التي تجيز له "تولي المفاوضات لعقد المعاهدات الدولية وإبرامها على ان يتم ذلك بالاتفاق مع رئيس الحكومة". وبهذه الملاحظة نقض لحود مراحل المفاوضات السابقة التي أجراها وزير العدل شارل رزق يرافقه قضاة مختصون في الوزارة، مع الدائرة القانونية للتحضير لمسودة مشروع اتفاق قيام المحكمة مع المنظمة الدولية، والتي كانت بتكليف من مجلس الوزراء، وجرت باطلاع من السنيورة على مراحلها والتي أفضت الى المشروع الذي بعثت به الأمم المتحدة الى لبنان لإقراره في مؤسساته الدستورية.

وقال لحود في ملاحظاته: "وفي حال لم يبادر رئيس الدولة الى إبداء موافقته الصريحة والفعلية على شكل الاتفاق الدولي ومضمونه كاملاً بالاتفاق مع رئيس الحكومة، عملاً بالمادة 52 من الدستور، لا يمكن ان يعرض على مجلس الوزراء، ويقف الأمر عند هذا الحد".

ووصفت ملاحظات لحود مشروع المحكمة كما وُضع بالتنسيق مع الأمم المتحدة "بالارتباك عند واضعي المشروع مطالباً بإرفاق أصول إجراء المحاكمات وقواعد الإثبات لدى المحكمة ونظام حماية الشهود وكل مستند إنفاق مالي متعلّق بتمويل المحكمة، مع المشروع.

ورد لحود الارتباك الى كون القانون الجنائي الدولي "يختبر للمرة الأولى تأليف محكمة دولية خاصة للنظر في جريمة فردية إرهابية حصلت على أراضي دولة معينة فالتبست المرتكزات والتعاريف والصلاحيات". واعتبر ان مشاركة القضاة اللبنانيين كأقلية في المحكمة سابقة ولبنان ليس حقل تجارب.

وسأل لحود: "اين المرتكز القانوني الدولي الذي يمكن الاستناد إليه لإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة الضالعين في الجرائم المرتكبة في لبنان اعتباراً من 1 تشرين الأول 2004 حتى كانون الأول 2005 أو بتاريخ لاحق". وأضاف: "ان مشروع الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان لهذه الجهة يفتقر الى أي سند قانوني ويخرج عن ولاية الأمم المتحدة".

واعترض لحود على ان ينقل الضباط اللبنانيون الأربعة الموقوفون رهن التحقيق الى سلطة المحكمة الدولية الخاصة لأن في الأمر "كف يد" القضاء اللبناني، متسائلاً: "هل ان التحقيق الدولي بلغ نهاية المطاف؟". ودعا الى فصل التحقيق عن المحكمة الدولية وفصل وظيفة التحقيق عن وظيفة المدعي العام (في المحكمة)؟

ورأى في إحدى ملاحظاته التي كرر فيها مراراً وصف المشروع بـ "الارتباك"، بأنه يدل على قرار سياسي بإبقاء الوضع الأمني في لبنان والوضع الإقليمي استنسابياً وانتقائياً تحت السيطرة السياسية لأصحاب النفوذ والمشاريع".

وأثارت ملاحظات لحود وزير العدل شارل رزق الذي تولى هذه الحقيبة نتيجة عوامل، منها صداقته القديمة مع لحود، فأصدر تصريحين قال في الأول انه كلف اختصاصيين درس ملاحظات رئيس الجمهورية وأشار الى "مستندين مرفقين بالملاحظات هما موقتان طبعت عليهما سري للغاية ونرجو ألا يتسبب نشرهما بأزمة بين لبنان والأمم المتحدة". ولفت الى ان الوزارة ما زالت تنتظر النص النهائي لمشروعي نظام المحكمة والاتفاقية.

وفي التصريح الثاني تناول رزق استناد لحود الى المادة 52 من الدستور بالإشارة الى انها تنص على ان المعاهدة لا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء "مما يعني ان لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة ولو توافقا، يستطيعان ان يقررا إبرام معاهدة دولية دون موافقة مجلس الوزراء. اما المادة 65 من الدستور فتنص على ان الاتفاقات والمعاهدات الدولية من المواضيع الأساسية التي تتطلب لإبرامها موافقة ثلثي أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. إذاً، علينا اذا أردنا التحدث في هذا الموضوع ان نحيط بجميع جوانبه وليس بجزء مجتزأ منه". وأكد رزق ان الحكومة فوضته التفاوض على مشروع الاتفاق مع الأمم المتحدة، وأضاف: "انا لا أحتاج الى ذلك... كوزير عدل ووفقاً للقانون وللمرسوم الاشتراعي الرقم 151 أملك هذه الصلاحية لأنه يعطي وزارة العدل صلاحية الإشراف على تنظيم القضاء". ودعا الى ان "نتجنب اية هرطقة لأن هذا الموضوع يتطلب الكثير من الرصانة".

وتوقعت مصادر في الأكثرية التي تشاور أقطابها هاتفياً امس، وجرت اتصالات مع زعيم تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري، رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط الموجودين في الخارج، أن تتحول الجلسة النيابية التشريعية التي دعا إليها بري اليوم الى جلسة سياسية بامتياز بحيث يتناول نواب الأكثرية ملاحظات لحود ويشنون هجوماً على ما اعتبروه محاولة مكشوفة لعرقلة قيام المحكمة.

وكان أول المعلقين مساء امس وزير الاتصالات مروان حمادة الذي تشمل محاولة اغتياله في 1 تشرين الأول 2004، صلاحيات المحكمة وفق المشروع، والذي رفضت ملاحظات لحود ان تشملها مع الجرائم الأخرى. وسأل حمادة: "متى كان المشتبه به حكماً في اختيار المحكمة التي سيمثل امامها؟ ومتى كان المشتبه به مقرراً لهوية القضاة الذين سيحاكمونه"؟ واعتبر الملاحظات الرئاسية "هرطقة دستورية وفضيحة سياسية، وقال: "ما نشهده اليوم هو محاولة جديدة لـ (الرئيس السوري) بشار الأسد عبر الرئيس الممدد له قسراً لتعطيل وتأخير المحكمة". ورأى أن حجج لحود "مخالفة للإجماع اللبناني حول طاولة الحوار ما يحملنا على التأكيد ان اصحاب قرار اغتيال الرئيس الشهيد ومنفذيه وشركاءهم اضحوا في حال هلع حقيقية". وأكد انه لا بد من العودة الى طرح موضوع ازمة الحكم أي ازمة رئاسة الجمهورية المفتوحة منذ ايلول (سبتمبر) 2004 في رأس أولويات أي حوار أو تشاور مرتقب...

وقالت مصادر مقربة من سعد الحريري: "مضت 11 شهراً ولبنان يتفاوض على المحكمة الدولية لكن لحود يريد تقويضها في آخر 11 ساعة وبات الآن يتذكر انه رئيس للجمهورية وأن له صلاحيات ولا يتذكر إلا الضباط الأربعة ويريد الحؤول دون محاكمة الضالعين في الجرائم الأخرى كأن الشهداء جبران تويني وجورج حاوي وسمير قصير ليسوا بشراً ولبنانيين. أليست اليد نفسها التي اغتالت الحريري هي التي اغتالتهم؟". واتهمت المصادر "خبراء التفجير القانوني في ريف دمشق بوضع ملاحظات لحود".

من جهة ثانية، قالت مصادر سورية رفيعة المستوى لـ "الحياة" امس ان المدير العام لوزارة الخارجية الألمانية هورست فرانياغ بحث مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم "المساعدات الفنية" التي ستقدمها ألمانيا لضبط الحدود السورية - اللبنانية.

وكان الرئيس الأسد أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ان بلاده قررت زيادة عدد القوات السورية على الحدود، وأنها مستعدة لقبول مساعدات فنية وتدريب من دول أوروبية. وقالت المصادر "ان هذا الموضوع بحث خلال لقاء المعلم ونظيره الألماني الذي سيزور دمشق قبل نهاية العام الحالي".

وتابعت المصادر السورية ان لقاء المعلم - فرانياغ تناول ايضاً "عملية السلام والمسار السوري - الإسرائيلي واتفاق الشراكة السورية - الأوروبية"، وأن الجانب الألماني تحدث عن حوافز "سياسية واقتصادية" ستقدمها ألمانيا وأوروبا لسورية.

"قلق من المحكمة"

وفي نيويورك، تزامنت ملاحظات وتحفظات الرئيس لحود على المحكمة ذات الطابع الدولي مع استعداد مجلس الأمن لإصدار بيان رئاسي يحدد فيه استياءه لعدم تنفيذ بعض بنود القرار 1559 ومن بينها "اجراء الانتخابات الرئاسية طبقاً للقواعد الدستورية اللبنانية من دون تدخل أو نفوذ خارجي". وكان متوقعاً صدور البيان الرئاسي في ساعة متقدمة ليل أمس الاثنين.

وعزت مصادر ديبلوماسية في الأمم المتحدة مواقف لحود الى "قلق عميق وكبير من قيام المحكمة"، وقالت ان هذه المحكمة هي "أهم تهديد لسورية"، وان "القلق ومحاولات تعطيل انشاء المحكمة تعكس خوفاً من اقتراب (رئيس لجنة التحقيق الدولية) سيرج براميرتز من نتائج مؤلمة للذين يعرقلون قيام المحكمة".

وبحسب مصادر أخرى ذات خبرات قانونية، ان ولاية الدائرة القانونية التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة تبقى كما هي، اي "التفاوض على اتفاق مع الحكومة اللبنانية لانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي". واوضحت ان مجلس الأمن "أقر في قرارين منفصلين مبدأ قيام محكمة ذات طابع دولي". وقالت ان في وسع مجلس الأمن، لو شاء ذلك، ان يتبنى قراراً جديداً ينشئ محكمة لا تتطلب موافقة الحكومة اللبنانية، على نسق محكمة يوغوسلافيا لمحاكمة مجرمي الحرب.

وقالت المصادر إن ملاحظات لحود "الأرجح غير كافية في هذا المنعطف"، لأي تغيير في مسار عمل الدائرة القانونية. وأضافت ان الخبراء القانونيين في بعثات الدول العضاء في مجلس الأمن كما في الامانة العامة لا بد ينصبون على التدقيق في الدستور اللبناني لقراءة أبعاد مواقف لحود.

وكان متوقعاً أن ينعقد مجلس الأمن للاستماع الى احاطة من مبعوث الأمين العام المكلف مراقبة تنفيذ القرار 1559، تيري رود - لارسن. وتوقعت الأوساط الديبلوماسية أن يركز رود لارسن على أهمية استقلال وانفصال القرار 1559 عن بقية القرارات بما يعطيه مرتبة مميزة بين القرارات المعنية بلبنان وبمنطقة الشرق الأوسط. وأضافت المصادر الى أهمية ما يتضمنه البيان الرئاسي المنتظر لمجلس الأمن ادصاره من ربط القرارين 1701 و1680 بالقرار 1559 ليشكلا "اطاراً جديداً" لتنفيذ هذا القرار.

وبحسب مسودة البيان الرئاسي يرحب المجلس بانجاز انتشار الجيش اللبناني في الجنوب ويعرب عن أسفه لأن بعض بنود 1559 لم ينفذ بعد "وبالذات، تسريح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتجريدها من السلاح، والاحترام الصارم لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي، واجراء الانتخابات الرئاسية طبقاً للقواعد الدستورية اللبنانية من دون تدخل أو نفوذ خارجي".

جنبلاط في واشنطن

في واشنطن، عقد رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي والزعيم اللبناني وليد جنبلاط امس لقاءات منفصلة امس مع كل من نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومسؤولين في مجلس الامن القومي تركزت على سبل دعم الحكومة اللبنانية "في مواجهة محاولات تدعمها سورية وايران للإنقلاب على الحكومة الشرعية المنتخبة واحباط ارادة الاغلبية اللبنانية".

وقال مسؤول في مجلس الامن القومي إن الادارة الاميركية "ترفض محاولات دمشق وطهران وعملائها في لبنان اطاحة الحكومة الشرعية المنتخبة ديموقراطيا." واوضح ان الدعوات لتعديل او تغيير الحكومة اللبنانية "تسعى الى خلق فراغ دستوري بهدف تعطيل اجراءات محاكمة قتلة الحريري وعرقلة الانتخابات الرئاسية المقبلة".

وردا على سؤال عن خيارات واشنطن في حال نجح الرئيس اللبناني اميل لحود وحلفائه في تعطيل اتفاق على انشاء المحكمة دولية الطابع بسبب تحفظه عن بنيتها ومناحيها الاجرائية، قال المسؤول ان الادارة الاميركية على اتصال مع الحكومة اللبنانية "للبحث في مختلف الخيارات المتاحة في حال اصر الرئيس لحود على موقفه الساعي الى تعطيل قرار دولي". وانتقد المسؤول بشدة "دور سورية وايران التعطيلي"، مؤكدا "ان محاولات احباط عملية محاسبة قتلة الحريري ورفاقه ومرتكبي الجرائم الاخرى وجلبهم الى العدالة لن تنجح". لكنه لم يشر ما إذا كانت واشنطن ستدفع في مجلس الامن لتمرير قرار بتشكيل محكمة دولية بمعزل عن الدولة اللبنانية. واعاد المسؤول الاميركي التذكير بموقف واشنطن الذي حذر سورية ضد التمديد للحود، مشيرا الى انه "كان معروفا مسبقا ان قرار التمديد صنع في دمشق".

وسيلقي جنبلاط اليوم (الثلثاء) محاضرة في مركز وودرو ويلسون قبل ان يحضر حفلة استقبال لقوى 14 آذار. ومن المقرر ان يجتمع ايضا بمساعد وزيرة الخارجية ديفيد ويلش غدا الاربعاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف