جريدة الجرائد

السعودية ..الطريق إلى الدستور

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بخيت


في كل مرة أتأمل في النظم السياسية العربية أتساءل هل المملكة في مؤخرة الدول العربية أم في مقدمتها. ما هي منزلة النظام في المملكة بين النظم العربية؟ في أكثر من دولة عربية نشاهد مظاهر وتجزيئات وتقسيمات وتوزيع سلطات تعكس بنية سياسية معقدة تحتكم جميعاً إلى دستور مكتوب يلجأ إليه الشعب والحاكم في كل صغيرة وكبيرة لا نشاهد مثيلا له لا في المملكة ولا في بريطانيا.

تبادر إلى ذهني هذا وأنا أقرأ نظام البيعة الذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين وأعلن فيه نظام توارث الحكم وانتقال السلطة. عندما أتأمل في هذا النظام وأقارنه بالدساتير العربية وتطبيقاتها يتبادر إلى ذهني الفرق بين الأصالة والزيف. تستطيع المملكة أن تستورد الدستور الأمريكي ونظام الحكم البريطاني وأسلوب تقسيم السلطات المعمول به في السويد ونظام النقابات السائد في فنلندا وأن تستورد من كل دولة أعظم ما فيها، وفي الوقت نفسه يبقى النظام كما هو لا يضاف إليه سوى الخديعة الملفقة من كل مكان. قد يظن البعض أن الاستيراد يمكن أن يكون البداية على أساس التعلم من الشعوب الأخرى التي سبقتنا لكن التجربة تنذر بأن النظام المستورد هو نظام للخديعة ولن نكون أفضل من غيرنا. فنظام الاستيراد هو أخطر على تطور البلاد من البقاء على النظم التقليدية. فوجود دستور ونظام انتخابات عامة وبرلمان مستورد من نظم أخرى بالصورة التي عليها النظم العربية يمنع الشعب من التأمل أو تحديد مدى تطوره السياسي الحقيقي.

مستوى وعي الجماهير العربية ومنطلقاتها وموروثها السياسي التاريخي يجعلها عرضة للخديعة. فمفاهيم الدساتير التي تطبق عليها لا تنطلق من تجربة داخلية واحتياجات سياسية فرضها عليها الواقع المعاش لا المتخيل أو المقروء في الكتب. الذي يقرأ نظام البيعة السعودي الذي حدد الطريقة لانتقال الحكم لا يمكن أن يكون إلا في المملكة؛ لأن الوضع في المملكة هو الذي أملاه، أي أن التجربة السعودية والظروف الموضوعية تطلبت في هذه اللحظة التاريخية نظاماً يحل إشكالية تنامت، فالذي يتابع تاريخ بناء الدساتير العريقة في العالم سيرى أنها بنيت بناء على الظروف الموضوعية في البلاد كما يحدث في المملكة الآن. على المدى الطويل سيكون في المملكة دستور كامل لا يحظى فقط برضاء المواطن العادي بل سيلتزم به الملك قبل أصغر مواطن؛ لأنه ببساطة دستور مكتوب بقلم جميع المواطنين وليس دستوراً مستورداً بهدف الخديعة والتظاهر بالعصرنة.

عهد الملك عبد الله يمكن أن يكون منطلقاً لعهد المؤسسات التي غابت عن تاريخ العرب والمسلمين طوال تاريخهم. فإذا كان الملك عبد العزيز هو مؤسس المملكة العربية ورجل التاريخ العربي الذي أقام أول وحدة عربية حقيقية، فالملك عبد الله بن عبد العزيز يواصل عظمة المؤسس بتأسيس دولة المؤسسات التي لم تسبق لها أي دولة عربية، لتصبح المملكة هي أول دولة عربية تباشر النظر إلى مستقبلها بجدية ويصبح الملك عبد الله أول زعيم عربي لا ينظر إلى نفسه بصفته الزعيم الأوحد الذي يتوقف عنده مصير الأمة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف