جريدة الجرائد

هتلر وموسوليني على ضفاف النيل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سيد زهران


خمسون عاما مضت على حرب السويس، واندحار جيوش الغزو الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي، بطريقة مذلة لم تمح السنون عارها عن أحفاد الإمبراطورية التي غابت شمسها للأبد، بعد أن قطع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ذيل الأسد البريطاني، وأحال رئيس الوزراء انتوني ايدن الى التقاعد، يجر خلفه ثوب الخيبة والهزيمة.

وعلى كثرة الدروس والعبر التي يمكن ان تستلهم من صفحات ملحمة السويس، وقصص البطولة التي يجب ان تروى لأجيال لم تعايش تلك المرحلة، وتعاني من فترة الهوان وتآكل إكسير الإرادة والكرامة الوطنية، إلا أن الأكثر إلحاحا هو إعادة قراءة جوهر التعاطي الغربي والصهيوني مع العرب.

أول ما يلفت النظر في أحداث ملحمة السويس والتصدي المصري والعربي للغزو الثلاثي، هو الطريقة التي حيكت بها المؤامرة، والأسلوب الذي روجت به للرأي العام البريطاني والدولي، والصورة التي رسمها المتآمرون الثلاثة للزعيم عبد الناصر، بهدف حشد إجماع عربي ودولي ومصري لتحطيمه.

في هذا الإطار، استخدم إيدن ورفيق درب مؤامرته الفرنسي جي موليه، طريقة ظنوا أنها الأسهل لاغتيال عبد الناصر معنويا، وأطلقوا عليه أوصاف سياسية تضعه في ثوبي كل من النازي الألماني أدولف هتلر والايطالي موسوليني.

ففي أول أيام الغزو الذي بدأ في 29 أكتوبر 1956، وصف ايدن الزعيم العربي عبد الناصر بأنه "موسوليني على ضفاف النيل" وتوعد بتحطيمه نهائيا، بصرف النظر عن الفوضى التي يمكن ان تعم مصر.

ووصفت الصحف الغربية عبد الناصر أيضا بأنه طاغية ومستبد و"هتلر" على ضفاف النيل، معادٍ لقيم الحرية الغربية، يسعى للسيطرة على ثروات الشرق الأوسط، ويهدد مصالح الغرب.

وطيلة أيام الحرب ظل تصوير عبد الناصر على انه هتلر او موسوليني هو النغمة الرئيسية في لحن التحريض الغربي، الذي يسعى لصياغة صورة نمطية، تسجن الزعيم العربي فى قالب" النازية والفاشية" التي تثير هلع الغربيين، وتجعلهم يتحسسون رؤوسهم، خوفا من ان يقطعها هؤلاء الإرهابيون الجدد.

وتكشف أحداث تلك الفترة، أن أسلوب اغتيال عبد الناصر سياسيا، لم يفلح، ووجه بمعارضة شديدة داخل بريطانيا، ونشرت صحيفة الاوبزرفر مقالا افتتاحيا يفند حجج ايدن لغزو مصر، ويصفها بالحماقة.

واسترجعت الاوبزرفر معالجتها للغزو في عددها الصادر يوم 4 نوفمبر 1956، وذكرت قراءها الأسبوع الجاري بأنها عارضت الغزو بمقال افتتاحي كتبه النائب الليبرالي دانجيل فوت، ووصف الحملة العسكرية على مصر بانها حماقة غير مسبوقة فى تاريخ بريطانيا الإمبراطوري، وهو ما وافقه عليه لاحقا اللورد مونتباتين ابن عم الملكة، وأرسل خطابا الى ايدن يندد فيه بحملته الحمقاء.

لم تقف حملة التحريض الغربية ضد عبد الناصر عند تخوم الخارج بل تخطت الحدود الى داخل مصر، حيث نسجت المخابرات البريطانية خيوط مؤامرة للإطاحة بعبد الناصر، بالاتفاق مع رموز الحياة الحزبية المصرية قبل ثورة 23 يوليو.

وحقيقة تلك المؤامرة باتت معروفة للجميع بعد ان أفرجت لندن وتل أبيب عن أسرارها، واتضح ان هؤلاء القادة الحزبيين المصريين، خططوا تحت إمرة مسؤول المخابرات البريطانية لتشكيل حكومة ظل او إنقاذ وطني، تعلن فور دخول القوات القاهرة وفرار عبد الناصر الى أسوان.

والغريب ان رموز هذه المؤامرة، لم يخجلوا بعد رحيل عبد الناصر، وعودة الحياة الحزبية، وتنطعوا بأنهم كانوا ضد " حماقة تأميم قناة السويس" لأنها لم تكن بحاجة لتأميم أصلا.

هذا الأسلوب الغربي في التعامل مع عبد الناصر، ظل مفضلا أوروبيا في التعامل مع الزعماء والقادة العرب والإسلاميين الذين، يتحملون عبء مواجهة مخططات السيطرة والهيمنة، من اجل تعظيم فرص النهوض والتحرر والاستقلال.

والآن بعد خمسين عاما مازال الغرب يردد وصف هتلر او موسوليني، ويدمغ به غير زعيم إسلامي، بل ان رئيس الوزراء الاسرائيلى أيهود اولمرت اعتبر الرئيس الإيراني احمدي نجاد" هتلر" الشرق الأوسط.

دروس ملحمة السويس لن تنقضي، وعبرها حاضرة في ذاكرة الأعداء قبل الأصدقاء، الا ان إعلامنا العربي غيبها، بعد ان أدمن الانزلاق على سطح الأحداث دون وعي او تدبر، وارتضى ان تصاغ أجندته فى الغرب.وان يلوك مصطلحات ومفردات تمثل ثقافة مضادة لمصالحه ومدمرة لهويته.

بل ان الانكى هو تجاهل الحدث التاريخي الذي غير خريطة وموازين القوى الدولية وكأن ملحمة السويس جرم يتنصل منه بعض قادة عصرنا العربي غير السعيد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف