جريدة الجرائد

حتى لا يتحوّل لبنان «فرق عملة»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



ادمون صعب


"لم استطع النوم. تناولت حبتي منوّم. لم تنفعا. ان اغتيال رئيس وزراء لبنان سابقاً رفيق الحريري صدمني. انا اعرف بالضبط من قتله. ولماذا. لقد طلب من اميركا وفرنسا دعم القرار 1559. بشار الاسد هو من امر بقتل الحريري. ان حكم اقلية كحكم بشار الاسد يعني الفوضى والارهاب والحرب".

بيل كلينتون
الرئيس الأميركي السابق
(في يومياته، 4 آذار 2005)

هذا الاسبوع كان اسبوع حبس الانفاس. ونادراً ما حبس اللبنانيون انفاسهم كما فعلوا منذ الاحد الماضي بعد سماعهم البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير يقول في عظته الاسبوعية: "ان ما نراه ونسمعه في هذه الايام لا يدعو الى الطمأنينة. فالمجتمع اللبناني منقسم على نفسه. وهناك من لا يزال يعمل للعودة بلبنان الى عهد الوصاية. واذا لم يقتنع اهل السياسة بأن لكل من العائلات اللبنانية دوراً في بناء المجتمع، وهو دور لا غنى عنه، واذا شعر بعض العائلات بالتهميش والاقصاء عن مراكز المسؤولية، فالعاقبة لن تكون سليمة. والمطلوب الرأفة بالوطن".
ولقد كان لكلام البطريرك اثره الكبير لدى الساعين الى ايجاد حل لما عبّر عنه غبطته بمرارة تشبه تلك التي تضمنها نداء المطارنة الشهير في ايلول 2000 والذي عجّل في انهاء حكم الوصاية.
ولم يفت البطريرك تحذير "الفريق الحاكم" الذي اشار اليه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني مساء الثلثاء، من "العاقبة التي لن تكون سليمة"، اذا استمر النهج الذي شكا منه البطريرك لأنه يقتل الوطن الذي دعا الأخير الى "الرأفة" به.
ماذا ينتظر اللبنانيون اكثر من ذلك؟
الا يذكّرنا كلام سيد بكركي، رجل الاستقلال الاول، بالكلام الذي كان يردده استقلاليو اليوم في شأن حكم الوصاية وما ارتكبه في حق اللبنانيين، المسيحيين والمسلمين على السواء؟
وهل ثمة حاجة للقول بوجود "من لا يزال يعمل للعودة بلبنان الى عهد الوصاية"، عندما يعكس الواقع بعد زوال جيش الوصاية ونظامه الامني كأن شيئاً لم يتغير في عقلية الحكم وطريقة توزيع "الادوار" على العائلات؟
ولا يظنن احد ان في وسعه التغطية على هذا الواقع الذي لم يرأف بالوطن، لا بالمسيحيين فحسب، بالقول ان العلة في رأس الحكم، اي في "الملك المريض" في بعبدا الذي حال البطريرك - والدستور كذلك - دون انزاله عن عرشه بالقوة، وخصوصاً بعدما ساهمت طريقة تقاسم السلطة بعد زوال الوصاية في 26 نيسان 2005، في تثبيته على كرسيه، وكذلك في زيادة الانقسام بين اللبنانيين بدل توحيدهم وفاء، على الاقل، لدماء شهيدنا جبران تويني الذي وهب الوطن دمه وزهرة شبابه في قسمه الشهير في ساحة الحرية يوم 14 آذار المجيد، وردد وراءه شعب الاستقلال "نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين ان نبقى موحّدين الى ابد الآبدين دفاعاً عن لبنان العظيم".
اذ ربما كانت الفوضى، كما تصورها البطريرك وقيادة الجيش، ستعم البلاد لو اقدمت جماهير 14 آذار على انزال رئيس الجمهورية بالقوة تماماً كما يحذّر البعض وآخرهم رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط الذي قال اول من امس من واشنطن ان "اسقاط الحكومة في الشارع سيؤدي الى الفوضى".
ولقد كان كلام البطريرك صفير، بأسطره القليلة، كافياً لجعل اركان الغالبية يدعون الى نوع من الرياضة الروحية وفحص الضمير "رأفة بالوطن"، وعدم انتظار الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ليكشف لهم خطة المعارضة للتغيير الحكومي و"يهددهم" بالشارع للاتيان بـ"حكومة اتحاد وطني" تتجاوب مع تطلعات البطريرك ومجلس المطارنة وعدم اعتبارها انقلاباً ايرانياً - سورياً على السلطة الاستقلالية و"العودة بلبنان الى نظام الوصاية".
وبعيداً من محاولة تصوير ازمة المشاركة في السلطة والخلاف العميق بين المعارضة والفريق الحاكم حول الخيارات الوطنية والذي عبّر عنه بوضوح السيد نصرالله في حديثه التلفزيوني، بأنهما نتيجة هجمة ايرانية - سورية على حكم لبنان، أبدى المطارنة الموارنة "الاسف الشديد للبلبلة التي تسود الوضع اللبناني والتي قسمت اللبنانيين فئات متناحرة تصعب معرفة ما تبغي وما تريد".
وقد عدد المطارنة بوضوح لا مثيل له القضايا التي تقسم اللبنانيين حالياً وهي: "المحكمة ذات الطابع الدولي، الحكومة التي يراد تغييرها او اضافة اعضاء اليها، قانون الانتخاب (...) وكلها تستدعي من جميع اللنبانيين تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الفئوية لايجاد الحلول الملائمة لها".
وهذا موقف يتلاقى وموقف الرئيس نبيه بري، وحتى "حزب الله"، في ضرورة التشاور على الاقل حول نقطتين اساسيتين تقسمان اللبنانيين حالياً هما "حكومة الوحدة الوطنية" وقانون الانتخاب حتى تصبح هناك مشاركة "ودور لكل العائلات اللبنانية لا غنى عنه في بناء المجتمع"، على ما قال البطريرك صفير في عظة الاحد. وفي يقيننا ان المطارنة يدركون اكثر من سواهم مدى الحاجة الى هذه المشاركة، وخصوصاً انهم يتحسرون وعددا كبيرا من اللبنانيين، ولا سيما المسيحيين منهم، على يوم كان لهؤلاء دور في القرار المالي والتربوي والاعلامي والامني والاقتصادي والديبلوماسي من خلال وزراء منبثقين من قواعد شعبية تمنح الحكومات شرعية لا غنى لها عنها، فإذا بهذا الدور يتقلص وينحصر بعد "الاستقلال" في وزارات هامشية ابرزها السياحة والبيئة والشؤون الاجتماعية الخ... مع احترامنا الكلي لشاغليها.
ولربما كان الاقرب الى مشاركة البطريرك الماروني والموارنة في قلقهم على الوضع، ولكن دون يأس، ما نطق به امس أركان المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي لا يمكن اتهامه بأنه اداة ايرانية - سورية، ولا هو يُعد انقلابا - كما يُتهم "حزب الله" وحلفاؤه - على الحكم الاستقلالي. فقد ورد في بيان للمجلس، اثر اجتماع له، انه "يرى ان قيام حكومة وحدة وطنية يشكّل خطوة صحيحة للخروج من الازمة السياسية الراهنة لما تحققه من شراكة وطنية لمواجهة الاستحقاقات التي تنتظر اللبنانيين على الصعيدين الداخلي والدولي، وهو مطلب حق يعود بالخير على الوطن ولا تعطيل فيه لمشروع الدولة وعملها، ولا افشال فيه للتحقيق الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم الاخرى".
واظهر المجلس كذلك "رأفته" بالوطن، على غرار البطريرك الماروني، عندما قال "ان اللبنانيين محكومون بالحوار والتشاور لحل خلافاتهم ومشاكلهم رحمة بالوطن والمواطنين الذين يكفيهم ما عانوه من عدوان اسرائيلي". وناشد السياسيين "اشاعة التهدئة واعتماد الخطاب المعتدل، لان الاعتدال يعمّق الانصهار الوطني من خلال تقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة"، تماماً كما قال بيان المطارنة.
ان بكركي والمجلس الاسلامي، كما الرئيس نبيه بري، قد دلوا اللبنانيين على طريق الخلاص، بعيداً من اجواء التهويل بالشوارع والشوارع المضادة، كما اظهروا ان هناك ازمة خطرة وان حلها لا بد ان يكون سياسياً وديموقراطياً داخل المؤسسات، قبل اللجوء ديموقراطياً الى الشارع وسيلة الشعب للتعبير المباشر عن ارادته.
وكلنا نعرف وندرك ان الحكم ليس شرطة وقوانين وتشريعات بمقدار ما هو رؤية وتوقّع واستباق، وتجاوب مع الشعب ورغباته. وان التغيير يحين أوانه حين تحصل تبدلات اساسية في الرأي العام، وهل ثمة ابلغ من التاثير المزلزل الذي احدثته الحرب، في السياسات والسلوكيات والخيارات؟
ان "الرحمة" الشيعية، و"الرأفة" المارونية بالوطن كافيتان لجعل جميع الاطراف يعيدون النظر في حساباتهم، من اجل "تقديم مصلحة الوطن على المصالح الفئوية"، و"تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية"، قبل ان يتحول لبنان "فرق عملة" في الصراع الاميركي - الايراني في المنطقة. فهل من مستجيب؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف