جريدة الجرائد

مغزى المناورات البحرية في الخليج

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


عيد بن مسعود الجهني


منطقة الخليج العربي تمثل أهمية لا تدانى اليوم كما كانت بالأمس، وهي رئة العالم استراتيجياً واقتصادياً، فهي تسبح فوق محيط من النفط لا حدود له، وضع دولها في مكانة القيادة العالمية للنفط، وسط نمو متسارع في الاستهلاك النفطي على مستوى العالم.

ان قدر هذه المنطقة ان تصبح مصدر القوة والنفوذ النفطي، إذ يبلغ الاحتياطي النفطي المؤكد للدول المطلة عليه، اكثر من 728 بليون برميل، ما يدعم سيطرتها على الإنتاج والتصدير حاضراً ومستقبلاً، عندما تجف بعض الآبار وتزيد حدة العطش النفطي مع زيادة الاستهلاك العالمي، الذي يصل متوسط نسبته السنوية الى حوالي 1.6 في المئة.

واعترافاً من دول العالم الصناعي الذي يستهلك 75 في المئة من مجمل الاستهلاك النفطي، بحيوية هذه الرقعة الجغرافية لحاضره كما لمستقبله الاقتصادي والصناعي والأمني، فإنها تركز اهتماماتها على الخليج، باعتباره صمام الأمان لتحريك شريان الحياة اليومية للأمم شرقاً وغرباً.

إن المناورات البحرية الأميركية الضخمة في مياه الخليج، التي بدأت الاثنين الماضي، من الواضح ان الهدف المعلن منها هو أيضاً رسالة لإيران وملفها النووي، بعد قيام كوريا الشمالية بتجربتها النووية، خصوصاً أن خوف أميركا تزايد من احتمال نقل التكنولوجيا النووية وصناعة الصواريخ الكورية إلى إيران، ولكن المغزى الحقيقي غير المعلن هو "أمن النفط" صاحب الأيادي البيضاء في بناء الصناعة والاقتصاد في الغرب والوطن العربي.

قد يبدو ان من الحلول المتوقعة لخنق التعاون بين كوريا الشمالية وإيران ومنع وصول التكنولوجيا النووية إلى إيران، الحصار بتفتيش السفن التي قد تحمل على ظهرها أسلحة متجهة إلى طهران، ولكن هذه قد تنجح لفترة زمنية محدودة، وقد ينكسر الحصار والضغط السياسي ضد ذلك البلد ويزداد التعاون بين بيونغ يانغ وطهران، التي تتنامى قوتها بشكل متسارع في السنوات الأخيرة.

وجاء رد طهران التي تحتل الجزر الإماراتية - طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى - على هذه المناورات بالقول، انها استفزازية ودليل على العدائية والهيمنة، وإعلانها مناورات "الرسول الاعظم 2"، وإشراك صواريخ "شهاب - 2" و "شهاب - 3" في المناورات في مياه الخليج وبحر عمان، بعد 24 ساعة على انتهاء المناورات البحرية الأميركية وحلفائها في المنطقة ذاتها، وقد نفى قائد الحرس الثوري الايراني أي رغبة لدى إيران في تهديد دول الجوار، وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد دعت إلى توقيع معاهدة أمنية بين هذه الدول والجمهورية الإيرانية لضمان الأمن والاستقرار.

ولا شك ان هذا التعاون صعب التحقيق في ظل الظروف الراهنة وتخوف دول المجلس من طموحات طهران النووية، واحتلال إيران لجزر عربية، الى أن تظهر إيران حسن نياتها، الشيء الذي يبدو انه مستحيل على الأقل في الوقت الراهن.

ان الإدارة الأميركية بصقورها وحمائمها، وهي ترى الانقسام في مجلس الأمن حول فرض عقوبات اقتصادية على إيران، والهدوء النسبي في ردة الفعل العالمية على تجربة كوريا الشمالية، التي عادت فجأة الى المفاوضات السداسية، رأت ان ترد بمناورات تشترك فيها 25 دولة، منها دول مراقبة كرادع استراتيجي، وفرصة لاختبار الأسلحة الجديدة وقدرة الجنود عليها.

وحتى اذا استطاعت هذه المناورات - التي تأتي قبل أيام من الانتخابات لمجلسي الشيوخ والنواب، التي استعد لها الديموقراطيون للفوز بنصيب الأسد من المقاعد وسط "ورطة" الحزب الجمهوري في العراق وافغانستان - ان تؤدي إلى زوبعة سياسية او إعلامية، تلفت الأنظار عن الوضع الأميركي الكارثي في العراق وافغانستان، الا ان الشيء الذي بات مؤكداً، هو عدم قدرة أميركا (الإمبراطورية) على شن حرب او حروب أخرى، على عكس ما كان يتبجح به رامسفيلد في بدايات احتلاله للعراق بقدرة اكبر ترسانة عسكرية عرفها التاريخ على شن أكثر من ثلاثة حروب في آن واحد.

ومن هذه الزاوية - الحادة - فان احتمال منازلة كوريا النووية وطهران المتحفزة لدخول النادي النووي وشن حرب عليهما، يبدو أمراً بعيد الاحتمال، في ظل ظروف الانكسار العسكري الأميركي في بلاد الرافدين وأفغانستان.

وتبقى المناورات في مياه الخليج، لكونه أهم وأخطر نقطة استراتيجية تسبح على محيط نفطي لا حدود له، وتأتي المناورات على سطح الذهب الأسود لتعلن أهمية هذه المادة السحرية البالغة لأمن واستقرار العالم الصناعي، الذي يعض عليه بالنواجذ، والرسالة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

كما ان حماية المنشآت النفطية ضد أي تهديد إرهابي لا تحتاج إلى بيان، وان كان لا بد من بيان فالردع هو الأساس فعندما تعرضت مصفاة بقيق في شباط (فبراير) الماضي لهجوم إرهابي قادته "القاعدة"، كان الرد السعودي قوياً، فالإرهابيان قتلا على الفور، قبل أن يتجاوزا البوابة الاولى، والسعودية هدفها معلن ضد إرهابيي "القاعدة" والإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات السعودية تغطي كل المنشآت النفطية والاقتصادية ضد الإرهاب بحراً وبراً وجواً.

واذا كانت المناورات تعلن لطهران جاهزية القوة العسكرية الرادعة، فان هذا قد لا يكون بيت القصيد، بقدر ما يمثل حماية للنفط ومنشآته في خليج العرب، الذي نقلهم من الفقر والعوز الى الغنى بل والبذخ المادي، فالدول الصناعية هي المستهلك الأكبر لهذه السلعة الاستراتيجية، ومستقبلها النفطي يتمحور حول نقطة الارتكاز الخليجية، التي تزداد أهميتها يوماً بعد يوم.

ولعل ما يؤكد رعب الدول الغربية وخوفها من أي حدث يزعزع وصول النفط إليها بأسعار معقولة، صراخ الدول الصناعية عندما خفضت "الأوبك" إنتاجها بحوالي 1.2 مليون برميل يومياً، لجلب الاستقرار إلى سوق النفط الدولية، في اجتماعها الاستثنائي في الدوحة بتاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر)، ليصبح سقف انتاجها 27 مليون برميل يومياً، يسري مفعوله اعتباراً من اول تشرين الثاني (نوفمبر)، فكانت هذه الدول أول من سارع إلى انتقاد القرار.

ولا غرابة إن كانت هذه المنطقة بالأمس محوراً للتنافس، بسبب موقعها الاستراتيجي، وأصبحت اليوم بؤرة للصراعات والحروب من أجل النفط والاستراتيجية معاً، ولا تخرج المناورات في هذا المحيط النفطي الشاسع عن كونها تجري على سطح صفيح ساخن يزداد سخونة واشتعالا ً في هذه المنطقة الحساسة، التي أصبحت لها خصوصية تنفرد بها في سياسة وأمن الدول الصناعية.

ان الصورة الآن أصبحت في غاية الوضوح، فكل ما يجري من تحركات عسكرية او مناورات في هذا الخليج المشتعل، إنما هو من منطلق أمن النفط وأمن إسرائيل ومكافحة الإرهاب، لتتحول المعادلة بعد ان كانت الوقوف في وجه المد الشيوعي للوصول إلى المياه الدافئة، لتصبح أضلاع المثلث: الدفاع عن النفط وأمن إسرائيل ومواجهة الإرهاب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف