مهمة أميركا في أفغانستان: لجم التدهور الأمني وإعادة الإعمار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين: 2006.11.06
ديفيد رود ـ نيويورك تايمز
كشف تقييم أجرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA -خلال الآونة الأخيرة- عن الضعف الواضح الذي يعتري سلطات الرئيس الأفغاني حميد قرضاي بسبب الإحباط المتصاعد للشعب الأفغاني من حكومته المدعومة أميركياً. وقد جاء التقييم، حسب مسؤول حكومي رفض الكشف عن هويته، ليسلط الضوء على المتاعب والصعوبات التي تواجهها حكومة قرضاي في فرض سلطتها خارج العاصمة كابول. وقد كشف التقييم أيضاً عن عدد الأفغان المتنامي الذين ينظرون إلى حكومة قرضاي كمؤسسة ينخرها الفساد وعاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه البلاد في مجال إعادة الإعمار والذود عنها ضد الهجمات المتصاعدة لحركة "طالبان". ويعدد المسؤول الأميركي الشكاوى التي يجهر بها الأفغان في هذه المرحلة، وهي "الفشل في بسط السلطة الحكومية على المناطق القبلية، وتفشي الفساد في أوصال الحكومة، ثم الإخفاق في توفير الخدمات الأساسية التي يتوق إليها المجتمع". ويعكس هذا التقييم الذي أجري قبل زيارة قرضاي إلى واشنطن في شهر سبتمبر الماضي الخيبة التي سادت أفغانستان طيلة الفترة الماضية، وهو ما دفع المسؤولين الأميركيين في واشنطن إلى التحذير من الوضع في أفغانستان إذا ما استمر الشعور بالإحباط لدى المواطنين الأفغان.
وفي هذا الإطار صرح "رونالد نيومان"، السفير الأميركي في كابول خلال لقاء أجري معه بأن الولايات المتحدة "أمام خيارات حاسمة في أفغانستان"، مضيفاً أن تجنب الفشل التام يستدعي "سنوات عديدة وملايين عديدة". ولتفادي المزيد من تدهور الأوضاع قامت "وكالة التنمية الدولية"، وهي الذراع الرئيسي للحكومة الأميركية في مجال المساعدات الدولية بضخ 14 مليار دولار كمساعدات موجهة إلى المناطق الجنوبية في أفغانستان. وهي المناطق التي شهدت مواجهات عنيفة بين قوات حلف شمال الأطلسي وعناصر "طالبان" وأسفرت عن مقتل العديد منهم، غير أن استمرار العمليات الانتحارية يهز ثقة المواطنين في حكومة قرضاي. وفي هذا السياق يقول "ليون واسكين"، المدير الإقليمي للوكالة في أفغانستان: "لقد أنفقنا حوالي 800 ألف دولار على النازحين، ونحن الآن بصدد الشروع في برامج لإعادة تأهيل البنيات الزراعية وترميم البيوت المدمرة". ونظراً للحالة المضطربة في أفغانستان لم تقتصر الجهود الأميركية في تقييم الأوضاع على تقرير وكالة الاستخبارات المركزية، بل قام مجلس الأمن القومي بإعداد مراجعة سرية للجهود الأميركية في مجال التدريب وإعادة الإعمار ومدى التقدم الذي أحرزته في فرض الأمن وتحسين الظروف الحياتية للشعب الأفغاني. ورغم أن التقرير الأخير لم ينتهِ المجلس منه بعد، فإن المسؤولين يتوقعون أن يخرج بتوصيات تشمل طلب زيادة التمويل للمشروعات الأساسية في أفغانستان. فقد عمدت إدارة الرئيس بوش خلال السنة الماضية إلى خفض تمويلها لجهود إعادة الإعمار بعد سحبها لثلاثة آلاف جندي. لكن في ظل ارتفاع عدد الضحايا في صفوف قوات "الناتو" التي وصل عدد القتلى بينها خلال السنة الجارية أكثر من 143 جندياً مقارنة مع 55 قتيلاً في السنة الماضية، تم تأجيل عملية سحب القوات إلى وقت آخر وإبقاؤها في أفغانستان لمواجهة هجمات "طالبان".
ويشير "جوردون جوندرو"، المتحدث باسم "مجلس الأمن القومي" إلى أن التقرير الداخلي الذي أعده المجلس يغطي مواضيع مختلفة تتراوح بين جهود القضاء على "طالبان"، والسعي إلى مكافحة زراعة نبتة الخشخاش المنتعشة هذه الأيام في أفغانستان، فضلاً عن جهود مناهضة التطرف والتقريب بين الحكومة المركزية من جهة وبين الحكومات المحلية والإقليمية في البلاد. ولتحسين الأوضاع بلور السفير الأميركي لدى أفغانستان "رونالد نيومان" خطة تتضمن مجموعة من المهام ترمي إلى النهوض بالجهود الأميركية وإنجاح أهدافها مثل تطوير الاقتصاد الأفغاني، وشق الطرق بين المناطق المختلفة، فضلاً عن بناء محطات توليد الكهرباء وتعزيز الأمن، مشدداً على ضرورة مواصلة جهود تدريب الجيش والشرطة الأفغانيين، وتوسيع عددهما. وفي هذا الصدد يقول السفير الأميركي في كابول، وهو من المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب الأفغانية، إنه من الضروري دعم القوات الأفغانية ومدها بالعتاد "لأننا نخوض حرباً حقيقية، قد لا تمتد إلى كل المناطق، لكنها تبقى مع ذلك حرباً حقيقية. لذا يتعين علينا بناء جيش قوي وشرطة قادرة على النهوض بأعباء الحفاظ على الأمن في المراكز الحضرية".
غير أن الارتفاع الملحوظ في عدد التفجيرات الانتحارية التي هزت أفغانستان خلال السنتين الماضيتين، أقنع العديد من الأفغان بأن حامد قرضاي وحكومته فشلاً في إحلال الأمن والسلام الموعودين. ويبدو أن تكتيك الهجمات الانتحارية انتقل من العراق إلى أفغانستان إما عن طريق الإنترنت، أو الرحلات بين البلدين، فقد أكد أحد الخبراء الأميركيين في أفغانستان أن "البلد لم يشهد في الماضي هجمات انتحارية، حتى في ظل حرب المجاهدين ضد القوات السوفييتية. واليوم يشكل ارتفاع عددها صدمة سيكولوجية قوية لقوات حلف شمال الأطلسي". ومازالت المناطق الباكستانية المتاخمة لأفغانستان الملاذ المفضل لعناصر "طالبان" التي توظف دعم رجال القبائل المتعاطفين معها لتجنيد وتدريب العناصر الجديدة. ويبدو أن "طالبان" تسعى في هذه المرحلة إلى الاستفادة من الوضع الأمني المتدهور، فضلاً عن الركود الاقتصادي الذي يضرب البلد لإبراز فشل الحكومة المركزية وإقناع الشعب الأفغاني بضرورة الإطاحة بها.
والأكثر من ذلك تحاول "طالبان" توطيد علاقة التعاون مع المزارعين الذين يعيشون على بيع نبات الخشخاش من خلال طمأنتهم بأنه في حالة استلامهم السلطة مجدداً لن تعمد إلى منع نشاطهم. ويشير المسؤولون الأميركيون إلى أن أحد أهم الأسباب وراء فشل الحكومة الأفغانية في بسط سلطتها خارج العاصمة كابول هو افتقارها لوسائل التواصل مع المناطق المختلفة ومجالس القرى التي تتمتع بنفوذ كبير.