جريدة الجرائد

مرتفعات الجولان.. نمط حياة يغوي المستوطنين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


سكوت ويلسون - واشنطن بوست

على تخوم مستوطنة كاتزرين اليهودية النامية في مرتفعات الجولان، والتي تطلق على نفسها اسم "مدينة الماء والنبيذ" يقوم "موني بار" بتشييد مصنع تخمير صغير أنيق ومطعم في مركز للتسوق مبني من الزجاج والحجارة كان قد افتتح قبل اشهر قليلة. ويقوم مشروعه الذي يمتد على طول الطريق حتى خزانات التخمير النحاسية المستوردة على رهان بأن إسرائيل ستبقى في مرتفعات الجولان لسنوات طويلة مقبلة.

لقد تم تصميمه لتقديم الجعة عالية الجودة والتمتع بمشاهدة منظر بحيرة طبريا ليروقا للشباب الاسرائيليين العاملين الذين يجري تشجيعهم بطريقة اكثر جسارة من ذي قبل على الانتقال الى هذا السهل النجدي غير المرتب، والذي كان قد انتزع من سورية في حرب عام 1967. وتمتد عشرات من مواقع البيوت المبنية حديثاً باتجاه الغرب. وثمة منطقة صناعية ضخمة تدعى "غولان تك" تنجم على بعد أميال قليلة من الحانة التي أقامها موني بار.

يقول بار البالغ من العمر اثنين واربعين عاما والذي يأتي من مستوطنة كاناف المجاورة "إننا نعيش حياتنا وكأننا سنظل هنا الى الابد. ولا اعتقد ان هناك اي سبب يحملنا على المغادرة".

كانت حرب اسرائيل الصيفية مع حزب الله، تلك الميليشيات اللبنانية الشيعية التي تخوض الحرب نيابة عن سورية قد أحيت الصراع على مرتفعات الجولان الذي امتد لعقود مضت. كما يتم تشكيل هذا الطور الأخير عبر إجراء تغييرات ديمغرافية تمثلها بصورة مختصرة هذه المستوطنة الآخذة بالتوسع.

كانت اسرائيل قد ضمت مرتفعات الجولان في عام 1981 وعرضت على مواطنيها العرب منحهم الجنسية الاسرائيلية والمواطنة في الدولة اليهودية، وهو الامر الذي لم تعرضه على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن اعترافاً دولياً بضم الجولان لم يتم، كما رفض معظم العرب في مرتفعات الجولان عرض التجنيس الاسرائيلي احتجاجا على ما يعتبرونه احتلالا غير مشروع. وفي الغضون، يتمتع هؤلاء المواطنين بحقوق الاقامة التي تسمح لهم بالسفر داخل اسرائيل وبالتصويت في الانتخابات المحلية.

معظم العرب في الجولان هم من طائفة الدروز التي ينتشر اتباعها بأعداد ضخمة في لبنان وسورية واسرائيل. وعلى النقيض من معظم دروز اسرائيل، يعرف دروز الجولان انفسهم بأنهم عرب، ولا يخدمون في الجيش الاسرائيلي. وفي الاثناء، تعتبر الاغلبية الساحقة منهم أنفسهم مواطنين سوريين رغم أن نسبة صغيرة منهم تؤيد تواجد إسرائيل في مرتفعات الجولان.

ولسنوات، دأبت القيادة العسكرية الاسرائيلية على عدم تشجيع الاستيطان المدني في مرتفعات الجولان، خاصة على طول خط المواجهة مع سورية خشية ان تتحول المنطقة الى ميدان معركة مرة اخرى. ومع ذلك، فقد تم إنشاء بعض المستوطنات الإسرائيلية الصغيرة هناك. وحدث النمو الجديد خلال السنوات الخمس عشرة الماضية في إطار حدود المستوطنات القائمة، وليس في مناطق جديدة.

لكن وتيرة التوسع كسبت زخما في السنوات الاخيرة. والآن، ولأول مرة، فإن عدد المستوطنين اليهود في مرتفعات الجولان قد يتجاوز قريبا عدد السكان العرب البالغ عشرين الفا والذين ظلوا في المرتفعات بعد الحرب. وقد تم تجاوز خطوة الألف ميل اصلا كما يعترف قادة عرب مع انتقال اربعمائة عائلة يهودية كل سنة الى الجولان.

ومنذ ان انتهت حرب لبنان في الرابع عشر من آب/ اغسطس الماضي، شن زعماء المستوطنين حملة دعائية بكلفة 250.000 دولار لاجتذاب الشباب الاسرائيلي الى الإغراءات التي تقدمها أرض حرة ونظام حياة يمزج بين الحياة في مقاطعة مارلبورو الاميركية ووادي نابا وألعاب إكس. والهدف هو مضاعفة عدد السكان اليهود في الجولان الى 40.000 نسمة خلال عقد من خلال السعي إلى تركيز وجود قبعات رعاة البقر على أغطية الرأس التقليدية.

وفي الاثناء، دعا الرئيس السوري بشار الاسد إلى إجراء مفاوضات جديدة حول الجولان بعد ان شجعته النتائج غير الحاسمة التي أفضت اليها حرب اسرائيل ضد حزب الله. ولسنوات، أمدت الحكومة السورية حزب الله بالمال والسلاح لتقوية شوكة سورية في اي مباحثات تجري حول المنطقة. وفي الغضون حافظ الجيش السوري على الهدوء في الجبهة المحتشدة بالألغام.

وفي مقابلة حديثة مع مجلة ديرشبيغل الالمانية، اضاف الرئيس الاسد ملاحظة منذرة إلى دعواته السابقة لإجراء مفاوضات، محذرا من أن "الأمل إذا ما تلاشى، فإن الحرب عندها ستكون الحل الوحيد". وفي رد عليه، وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الجولان بأنها "جزء لا يتجزأ من اسرائيل".

ومن جهة اخرى، قال هائل ابو جبل، وهو زعيم سياسي درزي يبلغ من العمر اثنين وستين عاما ومن مواطني قرية مجدل شمس، وكان قد امضى سبع سنوات في السجون الاسرائيلية لشنه حملة ضد الاحتلال الاسرائيلي للجولان "لا شك في أن صمود المقاومة في لبنان، والذي أنهى خرافة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، قد عزز من اعتقادنا بأن نهاية الاحتلال باتت الآن اقرب من اي وقت مضى". وأضاف "لكن توسيع هذه المستوطنات هو خطأ يجعل من السلام اكثر بعدا ومن المواجهة العنيفة اقرب".

ممتدة من بحيرة طبريا الى قمة جبل الشيخ المكسوة بالثلوج، تقف مرتفعات الجولان منحدرا مليئا بكروم العنب ومراعي قطعان المواشي وبساتين الفواكه والأطلال التي أسفر عنها الصراع. كما تمتد حقول الغام ضخمة الى ما وراء اسيجة الأسلاك الشائكة وخط من اطلال المنازل السورية والثكنات العسكرية والمساجد والطرق التي غالباً ما تكون خاوية. ولا زالت الخنادق وأعمال حفر الارض تترك معالمها على الارض التي حارب عليها الجيش الاسرائيلي ضد القوات السورية.

وعلى مر عقود، ظل القادة العسكريون الإسرائيليون يعتبرون مرتفعات الجولان ارض فصل عالية امام أي غزو سوري، وملأوا المنطقة بالقواعد العسكرية. ومع ذلك، وفي السنوات الاخيرة، تحدث بعض الجنرالات الاسرائيليين عن أن القوة الجوية قد قللت من الاهمية الاستراتييجية للمرتفعات. وما زالت المرتفعات تشكل ميادين تدريب لقوات المشاة والقوات المدرعة.

أما الأمر الذي ربما يكون الاكثر اهمية فهو ان المنطقة توفر ثلث مياه الشرب لإسرائيل. وفي الاثناء، يقول ايلي مالكا (48 سنة)، وهو قائد مجموعة من مستوطنات الجولان التي تستخدم اموال الحكومة لتمويل الهجوم الدعائي انه "حتى اندلاع الحرب مع لبنان، لم يكن أي حديث جديد يدور حول التنازل عن مرتفعات الجولان. وقد كان معظم التركيز منصبا على مشكلة اسرائيل الحقيقية، وهي تلك التي مع الفلسطينيين". وأضاف "اننا نبني وننمو، ولا أرى فرصة لإجراء أي مفاوضات مع الاسد".

يُمثل التاريخ اليهودي في الجولان في بقايا كنيس يعود إلى القرن الرابع الميلادي من بين كنس اخرى وجدت في المرتفعات وجرى تحويلها الى موقع سياحي على اطراف هذه المستوطنة التي تضم سبعة آلاف وخمسمئة شخص. لكن اغلب العائلات المائة تقريبا والتي تنتقل كل سنة الى كاتزي، المستعمرة الاضخم من بين ثلاثة وثلاثين تجمعاً يهودياً في الجولان، تصنف ضمن العائلات الإسرائيلية العلمانية. ومن المهاجرين "تباز باركاي" (32 سنة)، وهي مصرفية سابقة كانت قد وصلت في الشهر الماضي.

كان والد باركاي قد قتل في الجولان خلال حرب عام 1973 العربية-الاسرائيلية حيث كانت امها حاملة بها. وقد ولدت هنا ثم امضت كثيرا من حياتها الراشدة وهي تدرس وتعمل في تل ابيب، المدينة الساحلية الحضرية التي ما تزال تزورها لحضور مباريات كرة القدم المحترفة ولحضور حفلات النوادي الليلية. اما وظيفتها الجديدة، فهي اقناع الاصدقاء بالانتقال الى الجولان حيث التزلج ورياضات المياه ورعاية الماشية ومصانع الخمور.

وقالت باركاي "اننا نحاول ان نجعل من هذا المكان اكثر شبابا". وقبل سنة ونصف السنة، كان نمط الحياة في الجولان قد اجتذب إينبار بيلتر وزوجها تال، وهو ضابط في الجيش يتطلع لأن يكون تاجر خمور. وقد انتقل الزوجان وابناهما الصغيران من بلدة صغيرة بالقرب من بلدة نتانيا الساحلية الى ميروم غولان، وهي تعاونية زراعية تأسست بعد أشهر من حرب عام 1967.

تقول بيلتر، وهي مزارعة تشتمل حديقتها الامامية على خليط من كروم العنب واللافندر والاعشاب ان الوعد بأرض حرة ومكان اجتماعي وحياة برية قد جعلهم ينحون جانبا المخاوف المتصلة بالانتقال الى منطقة محتلة. والآن، يظهر نبيد بيلتر على كافة قوائم المشروبات الروحية في تل ابيب. وقالت بيلتر -32 سنة- التي شهدت ضاحيتها الجديدة وهي تمتلئ عن بكرة ابيها في السنة الماضية "وحتى لو كان الانتقال مؤقتا، فإنه جدير بالتجربة كما اعتقدنا.... وأي مجتمع لا ينمو يكون له تاريخ انتهاء صلاحية".

اما السكان العرب السبعة آلاف الذين ظلوا بعد حرب عام 1967 في الجولان، فقد نما عددهم الى حوالي 20.00 شخص، ورفض معظمهم الجنسية الإسرائيلية. اما اولئك الذين قبلوا بالجنسية فقد نُبذوا حتى تاريخه في البلدات الجبلية المعزولة الاربع، حيث يتركز السكان الدروز.

وفي الاثناء، قال تيسير ماراي، وهو مدير منظمة حقوق عربية في مجدل شمس تدعى الجولان للتطوير "بعد ما يقارب الستين عاماً، فإن السؤال الاساسي حول ما إذا كان للاسرائيليين الحق في خلق دولة اسرائيلية بات يثار ثانية بعد هذه الحرب... وهو ما يظهر حماقة القوة، ولو كنت اسرائيليا ذكيا فإن اول شيء أفعله هو السعي لإحلال سلام".

في وثيقة السفر لماراي الإسرائيلية، تشير المساحة المقابلة لخانة الجنسية الى انها "غير محددة"، وهو وصف مناسب لسكان يتجمعون ايام الجمعة عند حافة مطلة في البلدة ليصيحوا اثناء حديثهم مع أقارب لهم عبر الحدود مع سورية.

ويسمح للعرب الذين يعيشون في الجولان ببيع منتجاتهم من التفاح في سورية والدراسة في جامعة دمشق. وقد عاد مئات من الخريجين الذين يعمل العديد منهم في معسكرات الصيف وفي الاندية المحترفة وفي جماعات مدنية، وهي الاماكن الرئيسة للتنظيمات السياسية. وقال ماراي الذي لم ير اخوانه الثلاثة الذين يعيشون في دمشق منذ حرب عام 1967 "ان الشعور السائد لدى الناس هنا هو ان السوريين يمكن ان يعودوا في أي وقت، بينما يتحدث المستوطنون حالياً عن كسر الحواجز بيننا في الوظائف والاستثمار".

تتركز المعاناة العربية هنا على المعاملة التفضيلية التي تمنح للمستوطنات الاسرائيلية في مخصصات المياه التي تعتبر نادرة وباهظة الكلفة بالنسبة للعديد من المزارعين العرب. وفي الغضون، تم تجاهل حملات مدنية دعت لنقل قاعدة عسكرية اسرائيلية مقامة على تلة في مركز مجدل شمس.

وفي الاسابيع الماضية، درجت مجموعة تدعو نفسها بالتحالف الوطني السوري على إلصاق بلاغات في أنحاء البلدة تدعو الى القيام بحملة جديدة ضد الاحتلال الاسرائيلي، بما في ذلك شن عمليات مسلحة. وقال ايمن ابو جبل، وهو سجين سابق يعمل في منظمة الجولان من اجل التطوير "لكننا حقيقة لا نعرف من هم... وحتى الآن فانهم ليسوا مقنعين جدا".

ايمن او جبل، وهو من اقارب هائل البعيدين في صلة القرابة كان قد انتهج هذا الطريق من قبل. وكعضو في حركة المقاومة السورية التي تعد الآن منحلة، فقد امضى اثنتي عشرة سنة في السجون الاسرائيلية بعد تجريمه بنسف مستودع عسكري اسرائيلي في عام 1985، ولم يصب في حينه اي احد بجروح.

وقال ابو جيبل "ان ما نريده هو ان تكون حقوقنا مثل حقوقهم. وانا لست ضد اليهودي كشخص، لكننا نريد للاحتلال ان ينتهي وان نعيش في سلام".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف