الأردن والمعركة الطويلة مع الأرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس: 2006.11.09
خيرالله خيرالله
قبل سنة، ضرب الأرهاب في عمّان. أستهدف أنتحاريون جاؤوا من العراق أشخاصاً آمنين معظمهم من العرب كانوا في أربعة فنادق في العاصمة الأردنية ما أدى ألى سقوط نحو ستّين قتيلاً وجرح العشرات. بعد سنة على الحادث المشؤوم، يمكن القول أنّ ألأردن نجح ألى حدّ كبير في التصدي للظاهرة التي كان من بين أوائل الذين عملوا من أجل أجتثاثها من جذورها. لم يكتف الأردن بالتنديد بالأرهاب والأرهابين الذين سبق لهم وضربوا في غير عاصمة ومدينة عربية من الدار البيضاء، ألى الرياض، ألى القاهرة وشرم الشيخ، ألى الدوحة، ألى جربة في تونس، ألى عدن... بل عمل على ملاحقتهم. ذهب الأردن بما يمتلكه من وسائل متواضعة، ولكن فعالة، ألى حدّ ملاحقة الأرهابيين خارج أراضيه وكان له من دون شك دور في التخلّص من "أبو مصعب الزرقاوي" مسؤول "القاعدة" في العراق في حزيران- يونيو الماضي. في الواقع، كان الأردن يمارس عملية دفاع مشروعة عن النفس عندما لاحق الأرهابيين خارج أراضيه من أجل تقديمهم ألى العدالة.
ما قد يكون أهمّ من الحلّ الأمني، أن الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني، لم يحصر عملية مواجهة الأرهاب باللجوء ألى التشدد، بل كانت هناك سلسلة من المبادرات الأردنية أستهدفت معالجة المشكلة من زوايا أخرى مرتبطة أساساً بالسياسة من جهة والتربية من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق كانت مبادرات عدّة من أجل تقديم صورة حقيقية عن الأسلام وعن ثقافة التسامح والأعتدال والوسطية. وكانت في البداية"رسالة عمّان" التي صدرت عن مؤتمر أسلامي جمع علماء وشخصيّات من كلّ المذاهب في محاولة جدّية لجمع كلّ المسلمين حول المبادئ الحقيقية التي ينادي بها الدين الحنيف والقواسم المشتركة التي تربط بين المسلمين والتي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالأرهاب. كان لا بدّ من مبادرات، حتى قبل حصول العمليات الأنتحارية التي أستهدفت فنادق عمان، من أجل مكافحة ظاهرة الأرهاب عن طريق أبراز الجانب المشرق في الأسلام الذي يتعرّض كدين لحملة شرسة تستهدف تشويه صورته في العالم.
لم يحصل تساهل أردني مع الأرهاب، خصوصاً أن المطلوب تسمية الأشياء بأسمائها، أي أن الأرهابي المسؤول عن قتل مدنيين في عمّان وفي غير عمّان لا يمكن أن تطلق عليه تسمية أخرى. أن الأنتحاري أنتحاري. أنّه يتجرّأ على قتل مدنيين آمنين كلّ ذنبهم أنهم وُجدوا في مكان معيّن في ساعة معيّنة. أنّه ليس شهيداً ولا علاقة له بالجهاد أو الشهادة. ومن يريد بالفعل مكافحة الأرهاب ومن هو حريص بالفعل على مكافحة هذه الظاهرة أمتلاك ما يكفي من الشجاعة للحديث عن الأنتحاريين بهذه اللهجة بدل الأختباء خلف الشعارات والكلام العام وألقاء المسؤوليات على الآخرين قبل النظر ألى نفسه وتصرّفاته. هناك بكلّ صراحة مجتمعات عربية وأسلامية تنتج أرهابيين. ويفترض في القيمين على هذه المجتمعات مواجهة الحقيقة وليس الهرب منها. في النهاية أن أسامة بن لا دن ليس بضاعة مستوردة.
نجح الأردن ألى حدّ كبير في أحتواء ظاهرة الأرهاب والتطرف الديني. ولم يتساهل لأسباب واضحة مع من حاولوا أستغلال قتل "أبو مصعب الزرقاوي" لتبرير الأرهاب، وذلك لسبب في غاية الوضوح والبساطة في آن يتمثّل في أن لا شيء يمكن أن يبرر الأرهاب وتصرّفات الأرهابيين والدوافع التي يدّعون أنها وراء ما يقومون به . والدليل على النجاح ألنسبي للأردن في حملته على الأرهاب أنّ السنة التي تفصل عن تفجيرات عمّان مرّت من دون أحداث تذكر. وقد سعى الأردن طوال تلك السنة على متابعة جهوده من أجل خلق مناخ أقليمي أفضل لمواجهة هذه الظاهرة عن طريق جعل المنطقة أكثر أستقراراً. وكان أفضل تعبير عن ذلك تحركه في أتجاهات مختلفة من أجل شرح المخاطر الناجمة عن أيجاد بيئات توفّر ملاذاً للأرهابيين على غرار ما كانت عليه أفغانستان أبان حكم "طالبان" وما عليه الوضع حالياً في العراق. لكن عوامل عدّة لم تساعد في أيجاد المناخ الأقليمي المطلوب الطارد للأرهاب. بين هذه العوامل الوضعان العراقي والفلسطيني وغياب الرغبة الأميركية في مقاربة الوضعين بطريقة مختلفة تقطع الطريق على الأرهابيين.على العكس من ذلك، يبدو واضحاً أنّ كلّ ما فعلته الأدارة الأميركية في العراق صبّ في مصلحة الأرهاب، بما في ذلك الطريقة التي حوكم بها صدّام حسين أخيراً. والأكيد أن الأحتلال الأسرائيلي الرافض لأي بحث في تسويات تنصف الشعب الفلسطيني لعب من جانبه دوراً في دعم الأرهاب الذي يسمح له بشن حروب وخلق واقع جديد على الأرض... كما يحصل حالياً عبر متابعة بناء "الجدار الأمني" الذي يقتطع جزءاً من الأرض الفلسطينية.
ليس ما يشير في المدى المنظور ألى تحسّن في العراق أو فلسطين في ظلّ السياستين الأميركية والأسرائيلية ومع وجود قوى أقليمية غير عربية، متحالفة للأسف مع قوى عربيّة، تشجعّ بطريقة أو بأخرى على الأرهاب من زاوية أنه يساهم في أضعاف الوضع العربي عموماً. وعلى رأس هذه القوى الأقليمية يأتي النظام الأيراني الذي يلعب دوراً في ضرب الأستقرار في العراق وفلسطين وحتى في لبنان من جهة وعلى أنفلات الغرائز ذات الطابع المذهبي من جهة أخرى.
ستكون المعركة مع الأرهاب طويلة. ما حقّقه الأردن، خصوصاً في السنة الماضية، يتمثّل في أنه نجح ألى حدّ كبير في التصدي لهذه الظاهرة داخل أراضيه. هل تساعده الظروف الأقليمية في خلق بيئة شرق أوسطية معادية للأرهاب؟ تصعب الأجابة عن هذا السؤال مع وجود سياسة أميركية لا يمكن أن توصف سوى بالغباء ومع تمسك أسرائيل بالأحتلال... ومع تصاعد نفوذ القوى غير العربية في المنطقة. أدى تصاعد نفوذ هذه القوى ألى فتح شهيتها على لعب أدوار على الصعيد الأقليمي مستفيدة بالطبع من غياب أي نوع من الجرأة العربية على التعاطي مع المشاكل المطروحة في الشرق الأوسط والخليج على رأسها ظاهرة الأرهاب بشفافية ووضوح ومن خلال رؤية عصرية ذات طابع شمولي على غرار ما يحاول عمله الأردن.