استنساخ تجربة «حزب الله» فلسطينياً ...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حماسة مقاومين وحذر اسرائيلي ...
ماجد عزام ـ الحياة
استنساخ تجربة "حزب الله" العبارة الأكثر انتشاراً في الشارع العربي بعدما توقفت حرب لبنان الثانية منتصف آب (أغسطس) الماضي وبعدما اتضح عجز اسرائيل عن تحقيق الانتصار الحاسم على "حزب الله" ونجاح هذا الأخير في إهانة جيشها في المعارك البرية.
وبعيداً من السجال اللبناني الداخلي حول الانتصار وأثمانه وكلقته يبدو الشارع العربي عموماً (والفلسطيني خصوصاً) متحمساً لاستنساخ التجربة المقاومة لـ "حزب الله" عند التصدي للاحتلالات والتدخلات الأجنبية المتعددة السمات والأشكال في الفترة الأخيرة. وفي ما يخص الساحة الفلسطينية تحديداً، ثمة حديث متزايد عن استنساخ تجربة "حزب الله" أو على الأقل الاستفادة منها في المواجهة اليومية مع جيش الاحتلال في قطاع غزة، بينما تصر القيادة الاسرائيلية على منع لبننة القطاع ومنع نقل أو استنساخ تجربة "حزب الله" بأي طريقة ممكنة وإن بثمن تنفيذ اجتياح واسع لقطاع غزة شبيه بالاجتياح الاسرائيلي للضفة الغربية الذي جرى في نهاية آذار (مارس) 2002 والذي سمي "السور الواقي" وأدى إلى إعادة احتلال الضفة وتحويل السلطة الفلسطينية هناك إلى سلطة حكم ذاتي أو سلطة بلديات لا أكثر ولا أقل.
الصحافة الاسرائيلية من جانبها تشير، نقلاً عن مصادر عسكرية متعددة، إلى أن عملية الاستنساخ جارية على قدم وساق وهي في أوجها، وقد تكون قاربت على الانتهاء، وتزخر صفحاتها بالأرقام والاحصائيات والتقارير التي يمكن عرض أبرزها على النحو التالي:
- المحلل الرئيسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان كتب بتاريخ 27/9/2006 في "عنوان سباق التسلح لحماس" أن هذه الأخيرة ومعها فصائل المقاومة الأخرى تعمل على استخلاص الدروس والعبر من الاجتياحات التي ينفذها جيش الاحتلال في غزة كما من حرب لبنان الأخيرة. واعتبر فيشمان أن تطوير وسائل القتال في غزة يجري في خمسة مستويات، يتمثل الأول في رفع كمية الصواريخ المضادة للدبابات ونوعيتها حيث عاد "حزب الله" بعد الحرب الى التأثير والاستثمار في غزة كما كان من قبل، وهو يتطلع بحسب معلق "يديعوت أحرونوت" إلى إيصال صواريخ قادرة على اختراق الدبابات الاسرائيلية كما يمكن إطلاقها أيضاً نحو الشاحنات والجيبات العسكرية التي تسافر على الطريق المحاذي للجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل حول غزة.
أما المستوى الثاني فيتعلق بحرص فصائل المقاومة على التزود بسلاح مضاد للطائرات، وثمة أيضاً محاولات للحصول على طائرات شراعية أو أدوات طائرة أخرى يمكن استخدامها في الصراع مع اسرائيل.
المستوى الثالث، والكلام لفيشمان، يتضمن تصعيد فصائل المقاومة نشاطها المجدي عبر الاستعداد لتنفيذ عمليات أو تهريب سلاح عبر البحر.
أما المستوى الرابع التي تعمل عليه فصائل المقاومة فيتمثل في حفر أنفاق عميقة لتستخدم في نقل المقاومين والسلاح من قطاع غزة إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
المستوى الخامس في سباق التسلح يتضمن سلاح الصواريخ، حيث يشير محلل "يديعوت" نقلاً عن مصادر عسكرية مطلعة الى أن فصائل المقاومة تحاول الحصول على صواريخ غراد وتحسين مدى الصوارخ محلية الصنع في حوزتها الآن.
اليكس فيشمان عاد بعد أسبوعين تقريباً أي في الخامس عشر من تشرين الأول (أكتوبر) للكتابة في عنوان "الحرب خلف الزاوية" فأشار الى أن ما يحدث الآن في قطاع غزة هو مقدمة للإنفجار الكبير، وأن إسرائيل وفصائل المقاومة يسيران نحو مجابهة مباشرة ويخططان لهذه المجابهة بإصرار وشعور بأنها قادمة لا محالة. وفي هذا السياق أشار فيشمان الى أن الفلسطينين يتسلحون حتى أسنانهم ويبنون قوة عسكرية وأنظمة دفاعية ويعدون المفاجآت على غرار "حزب الله" وهم نجحوا خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول في إدخال أسلحة إلى غزة بقيمة ستة ملايين دولار وتتضمن عشرات من الصواريخ المضادة للدبابات من طراز كونكورس من شأنها أن تزيل تفوق المدرعات الاسرائيلية. ويضيف فيشمان أن النشاط الفلسطيني يتضمن كذلك إقامة منشآت عسكرية دفاعية وهجومية على غرار المحميات الطبيعية التي أقامها "حزب الله" في جنوب لبنان.
فيشمان أشار كذلك إلى أن لدى حماس وفصائل المقاومة نواة صلبة من المقاتلين المدربين الموجودين في عمق القطاع ويضاف إليهم آلاف من المقاتلين موزعين على المناطق والمراكز السكنية المختلفة ولكن مع مستوى تأهيل أقل جودة.
المعلق الاسرائيلي يلفت الانتباه إلى أن العمليات الاسرائيلية الدموية الأخيرة في قطاع غزة تهدف إلى تشويش وعرقلة بناء القوة العسكرية للمقاومة في القطاع، ويتحدث عن مراقبة إسرائيلية قلقة لمن يصفهم الخبراء الذين عادوا إلى القطاع بعد أشهر من التدريب والإعداد في لبنان، إضافة إلى الكميات الهائلة من السلاح من بقايا الحرب في العراق والتي تتدفق عبر سيناء إلى قطاع غزة.
الحكومة الاسرائيلية خصصت جلستها المنعقدة بتاريخ 15/10/2006 لمناقشة الموضوع واستمعت إلى تقرير قدمه رئيس شعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" العميد يوس بايريتس والذي تحدث عن استعداد حماس وبقية الفصائل لحرب طويلة الأمد، وبحسب بايريتس نجحت فصائل المقاومة في الفترة الأخيرة في إدخال ما لا يقل عن 20 طناً من المواد المتفجرة من طريق معبر رفح وخنادق وأنفاق وغيرها.
رئيس دائرة الأبحاث في الاستخبارات الاسرائيلية ادعى كذلك أن فصائل المقاومة استوردت خلال الفترة نفسها عشرات الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات وصنعت مئات الصواريخ المحلية، كما نجحت في الحصول على صاروخ جديد روسي الصنع من طراز كونكورس وهو مضاد للدبابات وشبيه جداً بصاروخ كورنيت الذي استخدمه "حزب الله" بنجاح خلال الحرب الأخيرة، ونجح من خلاله في تدمير 46 دبابة اسرائيلية حديثة.
العميد يوس بايريتس ختم تقريره بالإشارة إلى أن فصائل المقاومة تستعد لإدارة حرب حقيقية ضد اسرائيل، وفي حالة اجتياح قطاع غزة فإن هذه الفصائل تنوي المقاومة وبشراسة باستخدام الصواريخ المضادة للدبابات، وتوسيع نطاق الحرب بقصف صاروخي مكثف على البلدات والمستوطنات الاسرائيلية الجنوبية، تماماً كما فعل "حزب الله" ضد المستوطنات الشمالية في الحرب الأخيرة.
وفي اليوم التالي، أي في السادس عشر من تشرين الأول عقدت لجنة الخارجية والأمن التابعة للبرلمان الاسرائيلي جلسة حضرها وزير الدفاع عمير بيريتس وثلة من الضباط الكبار وخصصت لمناقشة آخر التطورات في قطاع غزة في ضوء ما يوصف بسباق التسلح الذي يجري هناك. بيريتس تحدث عن جهود خارقة تبذلها التنظيمات الفلسطينية لامتلاك المزيد من السلاح والمواد المتفجرة. ووزير الدفاع الاسرائيلي قال إن حكومته لن تسمح لهذه التنظيمات بأن تقاومها بطريقة "حزب الله"، وأنها، أي اسرائيل، تقوم بعملياتها الحالية في القطاع انطلاقا من تجربتها الأخيرة في لبنان.
غير أن المهم في تلك الجلسة ما عرضه أحد كبار جنرالات الجيش والذي تحدث عن خطة حربية متكاملة يعدها والفلسطينيون وينفذونها على طريقة "حزب الله"، حيث يقومون بحفر الخنادق تحت الأرض إضافة إلى امتلاكهم عدداً من الأجهزة الالكترونية ترصد تحركات الجيش الاسرائيلي، كما أنهم استوردوا كميات كبيرة من الأسلحة الحديثة المصنوعة في إيران وسورية، خصوصاً الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات وكميات من الذخيرة وأطنان من المواد المتفجرة، مع ضرورة الانتباه إلى أن حرب لبنان الأخيرة غرست في نفوس الفلسطينيين روحاً معنوية عالية الى درجة أنهم باتوا واثقين أن من مصلحتهم استمرار التوتر في المنطقة والمبادرة إلى العمليات الحربية.
صحيفة "هآرتس" دخلت أيضاً على الخط كتب مراسلها العسكري عاموس هرئيل في 16/1/2006 أن فصائل المقاومة تقيم الآن في غزة ميزان رعب حيال اسرائيل يردع الجيش الاسرائيلي عن فكرة إدخال قوات برية واسعة إلى عمق القطاع.
وتنقل "هآرتس" عن ضباط كبار قولهم أن فصائل المقاومة تعمل على مستويين أساسيين تحسين قدرتها الهجومية، بالتشديد على السلاح الصاروخي (صواريخ قسام وقدس وأقصى وكاتيوشا)، وإقامة منظومة دفاعية مكثفة تضع المصاعب في وجه توغل جيش الاسرائيلي إلى المناطق المبنية في القطاع، وزيادة مدى الصواريخ، ومضاعفة طاقة التفجير في الرؤوس الصاروخية، ما يضاعف التهديد الذي تمثله على المستوطنات والمدن الاسرائيلية. المعلق الاسرائيلي لهآرتس ينقل كذلك عن مصادر عسكرية مطلعة عدم استبعادها وصول خبراء إلى قطاع غزة ممن خاضوا الحرب مباشرة في جنوب لبنان.
ومع الإقرار بالمبالغة الاسرائيلية في عرض ما يجري في قطاع غزة وتضخيمه بغرض التحريض على المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بشكل خاص لتبرير أي عدوان واسع محتمل ولتخويف رئيس السلطة من "حماس" وحثه على الإسراع في العمل ضدها اليوم قبل الغد وفي السياق نفسه استفزاز مصر ودفعها لمزيد من التضييق على الحركة من وإلى قطاع غزة، ومع الانتباه إلى أن كل ما يتم تداوله من أرقام لا يقارن بالترسانة الاسرائيلية الهائلة ولا حتى مع المليون ومائتي ألف قنبلة عنقودية التي ألقيت في الحرب الأخيرة على المدن والقرى اللبنانية... إلا أن ذلك كله لا يلغي حقيقة سعي الفلسطينيين الجاد لاستنساخ تجربة "حزب الله" واستخلاص العبر المناسبة والملائمة من حرب لبنان الأخيرة.
غير أنه وللأسف وحتى الآن فإن ما يتم يتعلق فقط بالجزء السهل من عملية الاستنساخ، فالحصول على السلاح وحفر الخنادق والملاجئ يظل على رغم الصعوبات اللوجستية الجانب اليسير والسهل، فثمة جوانب أصعب وأعقد لم تتم حتى الآن يجب الالتفات إليها، ومنها أن تجربة "حزب الله" عموماً والحرب الأخيرة على لبنان خصوصاً بينت الضرورة الملحة للقيادة العسكرية الموحدة للمقاومة، فلا يمكن أن تنجح ثورة أو مقاومة أو انتفاضة في ظل هذا التشرذم العسكري والفصائلي، وفي ظل تعدد أوامر إطلاق النار. وأولى خطوات استنساخ تجربة "حزب الله" أن تتمثل في إقامة قيادة موحدة للأجنحة العسكرية تأخذ على عاتقها وضع خطط المواجهة والتكتيكات والأساليب المناسبة لمواجهة العمليات الاسرائيلية وضمان أن لا يؤدي التضارب والتنازع الفئوي إلى مزيد من الأضرار والخسائر الفلسطينية.
أمر آخر ينبغي العمل عليه وهو التفاهم أوالتنسيق السياسي بين فصائل المقاومة المختلفة، وكما أثبتت تجربة حزب الله وبقية التجارب الجهادية والنضالية الأخرى لا بد من تواجد جسم أو إطار سياسي موحد يأخذ على عاتقه إدارة المعركة من جوانبها السياسية والإعلامية وطرح المطالب أو الشروط الفلسطينية في حالة قيام اسرائيل بمغامرة اجتياح قطاع غزة وترتيب الأولويات بما يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الوطنية الجامعة.
كما أن استنساخ تجربة حزب الله يقتضي من الفصائل المقاومة وخصوصاً من حماس مناقشة اشكالية أو قضية العلاقة بين المقاومة والسلطة، فبحسب تجربة لبنان الأخيرة يبدو من الضرورة بمكان مساهمة المقاومة أو تمثيل المقاومة في السلطة السياسية ولكن ليس كل السلطة حتى لا تتعرض هذه الأخيرة إلى هدف سهل للضربات الاسرائيلية. وفي الحالة الفلسطينية لا يمكن لحماس وفصائل المقاومة أن تخوض المواجهة مع اسرائيل في الوقت نفسه الذي تسيطر على السلطة السياسية والإدارة اليومية لمتـــــطلبات الشعب الفلسطيني مع الاعتراف بضرورة التواجد والتمثيل في القيادة الســــياسية للاطلاع عن قرب على المشاورات والاتصالات السياسية وما تقوم به الـــــدول العــربية والمجتمع الدولي من جهود لتهدئة الأوضاع على الجبهة الفلسطينية والاسرائيلية وطرح الخـــــطط والمشاريع الهادفة إلى حل الصراع في شكل نهائي.
شيء آخر يتعلق باستنساخ تجربة "حزب الله" ومع الانتباه إلى خصوصية الوضع الفلسطيني وتعقيدات الساحة السياسية الفلسطينية، فإن أي محاولة من حماس أو من الفصائل الأخرى لاستنساخ تجربة حزب الله قد تقتضي استنساخ دور أو حالة مماثلة لحالة الرئيس نبيه بري الذي يمثل منذ العدوان الاسرائيلي الأخير نقطة إجماع وطني من مختلف الأطراف والقوى السياسية وفي الوقت نفسه جداراً سياسياً وأمنياً يحمي ظهر المقاومة ويمنع طعنها من الخلف أو الاستفراد بها، ويعمل لاستثمار الانتصار والصمود الميداني انتصاراً وصموداً سياسياً لكل لبنان وليس لفئة أو فريق أو طائفة.
مدير مكتب شرق المتوسط للصحافة والإعلام - بيروت