انتخابات الكونجرس.. بوش يدفع الفاتورة العراقية مرتين!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة: 2006.11.10
ويليام رو
يعتبر كثير من المراقبين السياسيين هنا في أميركا، وفي الخارج أيضاً، أن انتخابات الكونجرس الأميركية التي جرت في السابع من نوفمبر الجاري تعد لحظة تاريخية فارقة وستكون لها آثار بالغة الأهمية بكل المقاييس على أميركا، وذلك بالنظر إلى ما أحدثته النتائج التي أسفرت عنها من تغيُّر جوهري في البنية الحزبية لمجلس النواب إثر انتقال زمام المبادرة من يد الأغلبية "الجمهورية" بعد سقوطها سقطة مدوية إلى الحزب "الديمقراطي". وقد استعاد "الديمقراطيون" الآن السيطرة على الكونجرس التي ظل "الجمهوريون" يحتكرونها منذ 1994. والنتيجة أنه عندما ستنعقد الجلسة الأولى للكونجرس في شهر يناير المقبل سوف تنتقل مناصب رؤساء اللجان التشريعية المتنفذة إلى نواب "ديمقراطيين" سيكون بمقدورهم، في نهاية الأمر وحسب مقتضيات الدستور الأميركي، تعطيل التشريعات والقوانين التي يقترحها الرئيس جورج دبليو بوش، والتحكم في آليات صرف الميزانية والاعتراض على الطلبات التي يتقدم بها في هذا الشأن، فضلاً عن إعادة تحديد الأولويات التي تستحق الإنفاق وفقاً لما يرونه هم وليس وفقاً لما يراه الرئيس، أو أركان إدارته. لكن الأهم من ذلك كله هو قدرة رؤساء لجان الكونجرس على تنظيم جلسات للاستماع وفتح تحقيقات بشأن أداء الإدارة الأميركية سواء في الحرب على العراق، أو في قضايا أخرى داخلية بما يتطلبه ذلك من استدعاء للشهود مما قد لا يستثني الرئيس بوش نفسه. غير أن المفاجأة الأكثر أهمية في هذه الانتخابات هي أن الشخص الذي سيعوض الرئيس ونائبه في حال تعرضهما لمكروه حسب نص الدستور سيكون لأول مرة في التاريخ السياسي الأميركي امرأة وهي النائبة "الديمقراطية" نانسي بيلوسي، التي أصبحت عملياً هي زعيمة الأغلبية.
وهكذا سيتحول النقاش السياسي في الكونجرس وفي الولايات المتحدة عموماً من المعارضة "الديمقراطية" السابقة إلى الرئيس بوش الذي سيتعين عليه إيجاد طريقة للتعايش والمساكنة الصعبة مع الأغلبية "الديمقراطية" طيلة السنتين المتبقيتين من ولايته الرئاسية. وإذا ما استمر نزيف الحزب "الجمهوري" في الانتخابات إذا تأكدت خسارته لموقع السيناتور في ولاية فيرجينيا -وهو الأمر الذي لم يتأكد بعد وقت كتابة هذه السطور- لصالح المرشح "الديمقراطي"، فإن الرئيس جورج دبليو بوش لن يواجه فقط أغلبية في مجلس النواب، بل سيكون عليه التعامل أيضاً مع أغلبية أخرى في مجلس الشيوخ قادرة على تعطيل قراراته والحيلولة دون تمريرها. ومعنى ذلك أن "الديمقراطيين" سيكونون قد تغلبوا عليه في المجلسين معاً.
ومع ذلك فإنه لابد عند تناول الانتخابات الأخيرة من التطرق إلى الدور الكبير الذي لعبه موضوع العراق في التأثير على قرار الناخبين الأميركيين، وفي تقليص فرص الحزب "الجمهوري" الحاكم، الذي دفع ثمن الفاتورة العراقية مضاعفة من حظوظه في صناديق الاقتراع الآن، حيث اعتبرت نتائجها من قبل العديد من المراقبين على أنها تصويت شعبي واضح ولا يحتمل تأويلاً آخر ضد سياسات الرئيس بوش في العراق بعدما فشلت في تحقيق الإنجازات الموعودة والأهداف المسطَّرة.
فرغم أن الرئيس بوش لم يكن مرشحاً في الانتخابات وبالتالي لم يدلِ الأميركيون بأصواتهم ضده مباشرة، إلا أن السبب الرئيسي وراء هزيمة حزبه في الانتخابات الأخيرة هو رغبة الناخبين في معاقبته شخصياً على عناده في اتباع السياسات ذاتها حتى بعدما تبيَّن فشلها وعدم تحقيقها للأهداف المُعلنة أو المرسومة. ولعل ما يدلِّل على ذلك بوضوح هو نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت سواء قبل الانتخابات، أو بعدها، والتي أشارت جميعاً إلى استياء الأميركيين من سياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه العراق. فقد أعلن ناخبان من كل ثلاثة صوتوا على الحزب "الديمقراطي" أن موضوع العراق كان السبب الأول في تحديد توجههم الانتخابي، في النهاية. ولم يمنع تمسك الرئيس بوش بسياساته ودفاعه المستميت عنها من اعترافه يوم أمس الأول في مؤتمر صحفي عقده بعد ظهور نتائج الانتخابات بمركزية قضية العراق في هزيمته حزبه. ولم تتأخر أيضاً ردة فعل الرئيس بوش وترجمة قناعاته تلك على الأرض حيث أعلن مباشرة بعد تأكد النتائج واتضاح اندحار الحزب "الجمهوري" استقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي طالما دافع عنه بعناد ورفض بشدة إقالته، رغم ارتفاع الأصوات المطالبة برحيله، منذ وقت طويل.
وهكذا تُبرز نتائج الانتخابات تحولاً في وجهة نظر الشعب الأميركي تجاه الرئيس بوش وسياساته في العراق خلال السنتين الأخيرتين من ولايته الرئاسية. فالجميع يذكر كيف حظي الرئيس بوش بدعم جماهيري كبير غداة هجمات 11 سبتمبر بعد تركيزه على قضايا الأمن القومي ومحاربة الإرهاب. ورأينا كيف اصطف الأميركيون يومها بقوة وراءه في الحرب على العراق سنة 2003، وعندما حلت الانتخابات الرئاسية عام 2004 أرجعه الناخبون مرة أخرى إلى سدة الرئاسة دون تردد.
ولضمان الدعم والتأييد لحربه جعل الرئيس بوش من مشروع نشر الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط من خلال المهمة في العراق هدفه الأول، وهو ما لاقى فعلاً أصداء إيجابية في أوساط الشعب الأميركي. لكن مع مرور الوقت واستمرار العنف في العراق وسقوط المزيد من الضحايا في صفوف القوات الأميركية، فضلاً عن تفاقم معاناة الشعب العراقي في ظل التواجد الأميركي بدأت تنحدر شعبية الرئيس وأخذ الدعم الشعبي لسياساته يتراجع شيئاً فشيئاً حتى وصل الحالة الراهنة التي ترجمت نفسها تلقائياً بإزاحة الناخبين الأميركيين لحزبه من السيطرة على مجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ أيضاً. وقد تدنت شعبيته إلى 40% بسبب الأداء السيئ في العراق وإدراك الأميركيين أن الحرب في بلاد الرافدين لم يعُد ممكناً التعويل عليها لضمان الأمن القومي الأميركي. وزادت حدة الانتقادات الموجهة للإدارة الأميركية بعد تعبير جنرالات الجيش المتقاعدين عن معارضتهم للحرب، وللطريقة التي اعتمدت عليها الحكومة الأميركية في إدارتها.
واللافت فعلاً في حملات ونتائج انتخابات التجديد النصفي الأخيرة هو أنها المرة الأولى في الانتخابات الأميركية التي تضطلع فيها السياسة الخارجية بدور محوري في تحديد النتائج بعدما كانت القضايا المحلية والاقتصادية تحظى في السابق بالأولوية في بلورة اتجاهات الناخبين. والأمر له سابقة مُضادة كانت، للمفارقة أيضاً في عهد والد الرئيس الحالي، أي جورج بوش الأب الذي وإن كانت سياساته الخارجية حظيت بشعبية كبيرة، إلا أنه مع ذلك خسر الانتخابات على خلفية استياء الناخبين من سياساته الداخلية والأداء السيئ للاقتصاد.
وقد اعترف الرئيس بوش نفسه، وإن كان ذلك جاء متأخراً وفي وقت لم يعد فيه لاعتراف كهذا تأثير سياسي عملي، بفشل حزبه في الحفاظ على الأغلبية في مجلس النواب بسبب موضوع العراق الذي أصبح الشغل الشاغل للناخب الأميركي.
لكن ما هي تداعيات هذا الاستفتاء الشعبي على سياسة بوش في العراق؟ لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث، رغم إعلان الحزب "الديمقراطي" على لسان رئيسته في مجلس النواب نانسي بيلوسي أنه سيدفع في اتجاه سحب القوات الأميركية من العراق. ويبدو أن الأنظار موجهة الآن إلى ما ستخرج به اللجنة الثنائية التي يرأسها وزير الخارجية الأسبق جميس بيكر التي من المتوقع أن توصي ببعض التعديلات دون أن ترقى إلى قطيعة تامة مع السياسة الحالية لصعوبة تحقيق ذلك على أرض الواقع، لأسباب كثيرة بعضها ذو صلة بتعقيدات المشهد القائم في العراق، والبعض الآخر مرتبط بالاعتبارات والالتزامات الأميركية.