الإنسانية كلها مدانة في بيت حانون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة: 2006.11.10
الياس سحّاب
بيت حانون في هذا المقال لا تشير فقط الى ما اقترفته ldquo;اسرائيلrdquo; في الاسبوع الأول من هذا الشهر في شمال قطاع غزة، بل تشير الى فلسطين كلها، من البحر الى النهر، وليس في هذا الشهر او هذه السنة فقط، بل منذ النصف الأول من القرن العشرين، عندما بدأت عملية التحضير لإنشاء دولة ldquo;اسرائيلrdquo;، على انقاض الوطن الفلسطيني، والشعب الفلسطيني، على يد قوى نافذة في المجتمع الدولي، وتحت انظار ومباركة القوى النافذة الأخرى في هذا المجتمع الدولي، وحتى يومنا هذا.
لقد حصدت القوات ldquo;الاسرائيليةrdquo;، في اسبوع المجزرة التي قامت بها في بيت حانون في الاسبوع الاول من هذا الشهر، وفقا لاحصاء الاذاعة البريطانية ستين قتيلا، ومئات الجرحى، الذين سيتحول كثير منهم الى قتلى بسبب خطورة جروحهم، دون ان يحظى ذلك طبعا بأي متابعة إعلامية.
يستدعي هذا التصرف ldquo;الاسرائيليrdquo; المتمادي، وهذا التواطؤ الدولي المتمادي، أكثر من ملاحظة:
1- المجزرة التي تعمل فيها الحركة الصهيونية كافة انواع السلاح المتطور في رقاب شعب فلسطين الاعزل، والتي اتخذت بعد احتلال 1967 للضفة الغربية وغزة، وتيرة يومية في كثير من الاحيان، ممتدة على مدى زمني يكتمل فيه العقد الرابع من السنين في السنة القادمة.
ومع ذلك لا يكتفي المجتمع الدولي، بجميع دوله الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بموقف اللامبالاة، لكنه يقف عمدا، وبوعي كامل، في اروقة مجلس الامن ضد أي جهة تفكر في استصدار قرار يضغط على ldquo;اسرائيلrdquo; لوقف مجازرها، مشهرا سلاح ldquo;الفيتوrdquo;، فيقطع الطريق بذلك على احتمال اي نمو لتيار معتدل داخل المجتمع ldquo;الاسرائيليrdquo;، يضغط لوقف المجازر، اتقاء لغضب المجتمع الدولي وعقابه، اللذين لا يأتيان ابدا.
2- ترتكب ldquo;اسرائيلrdquo; كل هذه المجازر اليومية وتتفنن في زيادة جرعة البشاعة والوحشية واللاأخلاقية واللاانسانية فيها، ليس على ما منحها اياه القرار الدولي من ارض فلسطين فقط، بل على الارض التي ما زال القانون الدولي يعتبرها ldquo;ارضا محتلةrdquo; لها ولسكانها حرمة وقوانين يفترض ان تحميهم. وترد معظم القوى الدولية الفاعلة، بل كلها، على اي صوت يعترض او ينتقد او يشكو او يبكي، بأن ما تفعله ldquo;اسرائيلrdquo; هو حق شرعي بالدفاع عن النفس.
3- اخترع المجتمع الدولي بقراراته وممارساته اسما جديدا لمقاومة الاحتلال ldquo;الاسرائيليrdquo;، الذي يرتكب هذه المجازر، فسماها ارهابا لا بد لrdquo;اسرائيلrdquo; من قمعه، ويستحسن للدول الكبرى ان تساعدها على قمعه، ولو بالمجازر، لأنه ارهاب.
4- تتفنن الولايات المتحدة، ومن قبلها فرنسا وبريطانيا والمانيا، بتزويد ldquo;اسرائيلrdquo; بكل انواع الاسلحة المتطورة، كلما ظهر منها جديد، المسموح منها والمحظور، وهي تعلم وترى وتصور بالاقمار الاصطناعية فظاعات المجازر التي ترتكبها ldquo;اسرائيلrdquo; بهذه الاسلحة، ولا تفعل امريكا بالذات سوى مد جسور جوية، سرية وعلنية، لتزويد ldquo;اسرائيلrdquo; بالقنابل الذكية، القادرة على ارتكاب المجزرة وراء الجدران وداخل البيوت، وذلك في اثناء ارتكاب المجازر، وليس فقط قبل ذلك، او بعده.
5- كانت هذه المجازر تثير حتى الامس القريب، ردودا كلامية شاجبة من المسؤولين العرب، وردودا عاطفية غاضبة من الجماهير العربية، لكن الامور تدهورت لفرط اصرار ldquo;اسرائيلrdquo; على ارتكاب المجازر، ولفرط اصرار المجتمع الدولي على حمايتها وتبريرها وتشجيعها، ولفرط ما يفعله الحكام العرب لتدجين الحياة العربية والمشاعر العربية على ادمان فقدان الاحساس بالكرامة والانسانية وروح العدالة، فأصبحت مثل هذه المجازر، كمجزرة بيت حانون الاخيرة، ترتكب بأقصى درجة من الوحشية، وبأعلى درجة من العلانية المصورة بالصوت والصورة، والمبثوثة يوميا على شاشات الفضائيات العربية والدولية، فلا تحرك اي ساكن، لا في الخارج، ولا في المنطقة العربية، لا على الصعيد الرسمي، ولا حتى على الصعيد الشعبي.
غير ان مشهدين متجددين متكررين، في مجزرة بيت حانون الاخيرة، يستحقان التوقف عندهما، اضافة الى كل ما ذكر:
- الملاحظة الاولى، ان هيئة الاذاعة البريطانية، كانت تقدم تقارير يومية عن المجرزة الاخيرة، تؤكد ان عددا من الجرحى، كان يمكن انقاذ حياتهم لو نقلوا الى المستشفى بالسرعة المطلوبة، لكن القوات ldquo;الاسرائيليةrdquo; كانت تتعمد عرقلة حركة سيارات الاسعاف والمسعفين، تاركة الجرحى ينزفون حتى الموت.
وهذا سلوك اصبح منذ سنوات، احد الاساليب المتطورة في رفع عدد ضحايا المجازر ldquo;الاسرائيليةrdquo;.
- الملاحظة الثانية، ان من بين القتلى الستين، عدد من الاطفال، بينهم طفلة في التاسعة من عمرها، قتلها قناص ldquo;اسرائيليrdquo; (في رواية الاذاعة البريطانية أيضا) بمجرد ما اطلت برأسها من النافذة، لترى ما يحدث خارج منزلها.
ولشدة حرص الاذاعة البريطانية على نوع بالغ الوقاحة وعديم الحساسية والاخلاق، من الموضوعية المصطنعة السمجة، كانت لا تذيع هذا الخبر، الا بعد ان ترفقه بتصريح مسؤول في الجيش ldquo;الاسرائيليrdquo;. يؤكد ان قتل هذه الفتاة تم ldquo;نتيجة خطأrdquo;.
ما هذا الخطأ الذي يتكرر منذ ستين عاما، على شكل مجازر يومية، فيصل عدد القتلى في كل واحدة منها الى خمسين ضحية وأكثر، تحت حماية ودعم وتبرير ومساعدة الانسانية بكاملها، لا لسبب الا لأن الجلاد ldquo;اسرائيليrdquo;، والضحايا فلسطينيون عرب؟