حزب الله والقرار: من الانتخابات إلى الافتراءات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وضع خطة محكمة للإمساك بالأكثرية النيابية ففاجأته النتائج
وهو يعتقد أن "استدراج" العدو سيُعينه على "أسر" قوى 14 آذار
فارس خشّان
تعرب شخصية لبنانية تُعنى بالدراسات الاستراتيجية عن اعتقادها أن "حزب الله" جاد في الذهاب بقرار ضرب فاعلية الأكثرية النيابية الى الحد الأقصى، بعدما خلق الظروف المؤاتية لذلك. وتروي هذه الشخصية قصة "حزب الله" منذ الانتخابات النيابية حتى اليوم، لتعزز من جهة استنتاجها، ولتؤكد من جهة أخرى الأهداف التي يحددها الحزب لـ "عملية تخيير" الأكثرية بين أن تنتحر وبين أن تُقتل.
البداية مع "التحالف الرباعي"
تبدأ القصة مع "حزب الله" في تلك اللحظة الخائبة التي سقطت فيها حساباته الانتخابية بحيث ظهر، في ضوء فوز تحالف قوى الرابع عشر من آذار في الانتخابات النيابية، "عاجزاً" أمام القيادة السورية. كان قد أكد لها أن دخوله في "التحالف الرباعي"، خلافاً لرأيها، سوف يحرم هذه القوى الاستقلالية ـ أو القوى الخائنة بحسب قاموس المصطلحات السورية ـ ليس من القدرة على انتزاع الأكثرية النيابية فحسب بل سيحقق لمحوره الاستراتيجي الانجازات الآتية:
1 ـ جذب رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط اليه لأنه لن يرضى بأن يغرق نفسه في مستنقع أقلّوي غير فاعل.
2 ـ إضعاف "تيار المستقبل" بما يحرمه، بدايةً، من توفير الدعم المطلوب لتحقيق دولي فعّال في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبما يدفعه، لاحقاً، إلى الاهتمام حصراً بموقعه السياسي داخل المعادلة السلطوية.
3 ـ تأكيد بقاء رئيس الجمهورية اميل لحود في موقعه بغطاء مسيحي يوفره له "الحالم ببعبدا" العماد ميشال عون.
4 ـ تهميش المسيحيين المناوئين لسوريا في لبنان، لأن عون لا يريدهم ولأن جنبلاط يكون قد اضطر إلى إعادة تموضعه، ولأن "تيار المستقبل" تتم محاصرته بين سندان العزل وبين مطرقة الاستلحاق.
5 ـ إحباط المجتمع الدولي من إمكان العثور على شريك لبناني مما يضطره إلى العودة للاستعانة بالوكيل الاقليمي، مما يؤدي عملياً إلى "نسيان" القرار 1559 وإلى تمييع التحقيق الدولي.
ووفق قراءة "حزب الله" هذه كان يفترض أن تنتقل عنجر إلى حارة حريك، أي أن القرار السوري بفعل التطورات اللبنانية والعربية والدولية قد انتقل من واجهة سورية مرفوضة إلى واجهة لبنانية لا يستطيع أحد ان يطالب بانسحابها من الجغرافيا اللبنانية.
ووفق هذه الشخصية، فإن "حزب الله" وضع تكتيكاً انتخابياً ملائماً لهذه الاستراتيجية، فتوسّل الآتي:
1 ـ حاول من خلال "تفلته المتعمد" من أصول التحالف في انتخابات بيروت ـ حيث دعم عملياً المرشح نجاح واكيم وآخرين ـ أن يكسر هالة "تيار المستقبل" ويبيّنه هزيلاً في عقر داره.
2 ـ كانت استقامته في تنفيذ حلفه مع جنبلاط في دائرة بعبدا ـ عاليه خطوة ضرورية، ولكنه في المقابل وقف بقوة مع العماد ميشال عون ضد "مسيحيي 14 آذار" في دائرة كسروان ـ جبيل وضد "تيار المستقبل" في دائرة زحلة.
3 ـ طلب من حلفائه في الشمال ـ أي من بعض التنظيمات السنية الأصولية المدعومة من سوريا والمموَّلة من إيران ـ أن يحاربوا بقوة لائحة "تيار المستقبل"، كما وضع قناته التلفزيونية (المنار) بتصرف الحملة الدعائية التي كانت تحتاج اليها لائحة عون ـ فرنجية وحلفاء سوريا، فتولّت هي بث الشائعات لتبريد همة الناخبين السنة، في مقابل بث الحمية في نفوس الناخبين المناوئين للتوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع، وذلك بهدف خرق "لائحة المستقبل" بعدد النواب الذي روّجت له شركة دعائية تتستر بالزي الدعائي يستخدمها "حزب الله"، أي بما يوازي تسعة نواب على الأقل.
خيبة الانتخابات وكسب الوقت
ولكن النتائج أتت بعكس الخطة الموضوعة بإحكام، فكان لا بد من الرضوخ لمعادلة كسب الوقت والحد من الخسائر والاستفادة من "حسن طوية" الأكثرية الجديدة التي تتطلّع إلى توفير الاستقرار، تمهيدا لتعبيد الأرضية الملائمة لمحاولة جديدة إنجازاً للهدف المرسوم مع القيادة السورية.
في هذا الوقت كانت الأمور تسير وفق المخطط المرسوم: تعزيز العلاقات مع العماد عون، احتضان "رجال سوريا"، حماية لحود، منع تطبيق أي بند من بنود القرار 1559 ولا سيما منها نشر الجيش على الحدود الجنوبية، والسير بالوجهة التي تعزز التشكيك بمسار التحقيق الدولي (الترويج للرواية الملفقة حول محاولة تلقين السجين التركي لؤي السقا شهادة ضد اللواء آصف شوكت، الترويج ـ إن لم يكن أكثر ـ للخبطة الاعلامية لرجل المخابرات السوري هسام هسام وتبني الهجوم المنظم على المحقق الدولي ديتليف ميليس...).
اغتيال تويني وساعة الصفر الخاطئة
إلا أن انتفاضة الأكثرية على اغتيال النائب الشهيد جبران تويني، والمسارعة إلى طلب توسيع التحقيق الدولي ليشمل كل الجرائم وتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي، قلب كل المعادلات بحيث استشاط النظام السوري غضباً، فكانت بداية الأزمة بانسحاب وزراء "حزب الله" و"أمل" من الحكومة، واتخاذ الزعيم وليد جنبلاط قراره بالافتراق عن "حزب الله" الذي لا يتوانى عن المفاخرة بالدفاع عن النظام السوري "القاتل".
مع التحول الجنبلاطي الذي استقطب بحيثياته انتباه الرأي العام، لاحظ "حزب الله" أن مبرراته للانسحاب من الحكومة ساقطة شعبياً، لا بل ارتدت سلباً عليه، لأن اللبنانيين اعتبروا أن الحزب يريد أن يجعل من نفسه غطاء للاجرام الذي يستهدف بصورة حصرية مناوئيه. أدرك أنه أخطأ في تحديد ساعة الصفر، فجنح الى اعتبار القرار الذي اتخذ بالتصويت في مجلس الوزراء مؤامرة تستهدف عملياً سلاح المقاومة (!).
.. حماية لحود بالحوار
وما هي إلاّ أيام على عودته إلى الحكومة، حتى قررت قوى الرابع عشر من آذار التبكير في تحرير القصر الجمهوري من لحود، فكان هذا الاتجاه، بعد قرار مجلس الوزراء ـ توسيعاً للتحقيق الدولي وطلباً لتشكيل المحكمة الدولية ـ بمثابة المس بثابتة ثانية من ثوابت "حزب الله"، فتعمّقت الأزمة لأن الحزب أعرب عملياً عن نيّته حماية لحود بشارع يواجه الشعب الذي سيتوجه إلى القصر الجمهوري.
وهنا كانت الدعوة إلى "طاولة الحوار الوطني" الهادفة إلى سحب التشنج من "الشوارع المتقابلة". هنا لم يتخذ قرار ايجابي وتمّ تنفيذه: المحكمة الدولية أقرت كمبدأ سبق إقراره أساساً في مجلس الوزراء ـ والشيطان يكمن في التفاصيل. السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الموضوع عملياً بخدمة النظام السوري تقرر نزعه "حبياً"، مما يعني عملياً تكريس استمراره. تحديد "مزارع شبعا" واقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا جرى التوافق عليه، ولكنه عملياً مستحيل التطبيق لأنه بحاجة إلى حوار مع دمشق التي ستطلب "الرضوخ".. أي المستحيل.
"خطة التخوين"
وإذا كان موضوع رئاسة الجمهورية قد حُسم باللاتوافق ـ مادام لم يحصل على الاجماع ـ فإن بند سلاح المقاومة المدرج تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية تقدم كل اهتمام.. فبدت الساعة مؤاتية لقلب الطاولة على الجميع.
فجأة تحرك الملف الجنوبي. في آخر أيار جرى خرق الخط الازرق من الجانب اللبناني، فردت اسرائيل بغارات جوية كثيفة انتهت بوقف اطلاق النار. توجس الجميع، لبنانيين وعواصم قرار، شراً من هذا التطور الخطر، فسارع رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري إلى اقتراح حل على الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله يقوم على تمرير "الصيف المنتج جداً" على خير، في مقابل سحب موضوع سلاح المقاومة من التداول مرحلياً".
ولكن ما لم يدركه الحريري أن المسألة أبعد من السلاح، فدمشق التي تدعم هذا السلاح لا بل الجسر الذي يعبر منه هي في خطر، بفعل دنو ساعة تشكيل المحكمة الدولية (نيقولا ميشيل كان في طريقه إلى بيروت)، مما يعني أن حماية دمشق تستدعي انتزاع السلطة من خلال "خطة التخوين"، فالحريري ومعه سائر قوى 14 آذار، خائفون على مردود الموسم السياحي، وتالياً فهؤلاء سيكونون في أوج غضبهم إذا جرى الانقضاض على "صيف لبنان".
وهكذا كان اختيار التوقيت الذهبي لعملية "الوعد الصادق".
استقطاب "خدمات" العدو
خلافاً لأدبيات "حزب الله" فانه كان يدرك تماماً أن هذه العملية ستؤدي إلى حرب مدمرة، على اعتبار أن قيادات في الأكثرية كانت قد أوصلت إلى قيادته رسالة أميركية وأممية واضحة في بداية شهر حزيران الماضي مفادها أن أحدا لن "يتمكن" من لجم تل أبيب عن القيام برد صارم في حال جرى خرق الخط الأزرق مجدداً، أي بعد خرق 28 أيار الماضي.
إذاً، في ذهن هذه الشخصية التي تعنى بالدراسات الاستراتيجية، كان "حزب الله" يقدِّم ذريعة لإسرائيل لتنفِّذ وعيدها. هذا ما حاول الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تجنبه بقوة في العام 1982، حين أكدت المعلومات أن اسرائيل تنتظر مبرراً للقيام بعملية عسكرية واسعة ضد لبنان، فكان أن قدم لها "أبو نضال" الذريعة بمحاولة مجموعته اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن.
وتشير الى أن "حزب الله" بمسارعته في 12 تموز الماضي الشخصية تنفيذ عملية "الوعد الصادق" أراد أن يستدرج إسرائيل إلى حرب، بعدما أعد خطة الصمود، وذلك بأفق الانقضاض على القرار اللبناني.
في الواقع فإن هذه الشخصية كانت تتوقع في مجالسها الخاصة وبدءاً من الرابع عشر من تموز الماضي خروج "حزب الله" بصورة المنتصر من الحرب بفعل تقزيم هدفه إلى "مستوى بديهي"، أي البقاء على الخارطة اللبنانية التي هو، بمكوناته البشرية، جزء لا يتجزأ منها، في مقابل تضخيم إسرائيل لأهدافها إلى "مستوى خيالي"، أي القضاء على "حزب الله" في أيام وهي التي اجتاحت البلاد وحاصرت بيروت لأشهر طويلة حتى تتمكن من إخراج المقاتلين الفلسطينيين ومن ثم عادت واستعانت بآلة جيش النظام السوري التدميرية لإخراج عرفات من طرابلس.
خطأ الأكثرية
وبذلك أنتجت الحرب لـ"حزب الله" ما أراده من مبررات ليحاول الانقضاض على ما بقي خارجاً عن سطوته في معادلة السلطة اللبنانية، فالتعبير عن الحرقة على بلد يحترق أضحى خيانة، والخائن لا يؤتمن على حكم البلاد.
وهنا بالتحديد ارتكبت قوى الأكثرية خطأ فادحاً،عندما تنازلت عن حق اللبنانيين في مساءلة "حزب الله" على إعطاء العدو الاسرائيلي ذريعة لتدمير لبنان. هذه الأكثرية التي خشيت على الوحدة الوطنية من تداعيات المساءلة وجدت "حزب الله" يملأ الفراغ فينقض عليها محاسباً، طالباً تسليمه ما لديها من قوة في المؤسسات اللبنانية. لقد أراد أن يأخذ بشعار التخوين ما حال الشعب اللبناني دونه في الانتخابات النيابية.
الأهداف الكاملة
وفي اعتقاد هذا القارئ الاستراتيجي، فإن الأكثرية تواجه اليوم الأهداف الآتية:
1 ـ "حزب الله" يريد تجاوز "اتفاق الطائف"، وتعاونه مع العماد ميشال عون لهذه الجهة استراتيجي (وهذا تقاطع سبق للحزب وعون ان التقيا عنده في العام 1990).
2 ـ "حزب الله" ضد المحكمة الدولية بالمطلق، واستطراداً ضد محكمة دولية منتجة لغاياتها، وتعاونه مع النظام السوري لهذه الجهة استراتيجي.
3 ـ "حزب الله" ضد تسليم سلاحه إلا لنفسه، وانقضاضه على القرار السلطوي لهذه الجهة استراتيجي.
المسألة واضحة، فهل تستسلم قوى 14 آذار؟
لا مؤشرات على ذلك، على اعتبار ان سلاح الشارع الذي يهدد "حزب الله"به، قد يُزعج ولكنه، وفي أسوأ السيناريوهات لن يتسبب بأكثر مما هو مطلوب الاستسلام له على طاولة التشاور. أسوأ السيناريوهات يعني حصول استحالتين، أولاهما ظهور المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية أعجز من ان تمنع إقفال الشوارع والطرق العامة والتحجج "بطابور خامس"، وثانيتهما ظهور الشعب اللبناني وكأنه قد تخلى فعلاً عن الخيارات التي انتفض من أجلها في 14 آذار 2005.