جريدة الجرائد

هل يسمح الرئيس بوش بإعدام صدام حسين ؟!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سليم نصار

مطلع السبعينات أقدم أحد اخوة صدام حسين على قتل نجل الشيخ خميّس، زعيم عشيرة "عرب العبيد" المنتشرة في منطقة الحويجة شمال بغداد. وبدلاً من أن يرفع الوالد دعوى ضد القاتل، ارسل أنصاره ليقطعوا الطريق المؤدية الى بلدة "تكريت" بهدف الانتقام لابنه باغتيال القاتل أو أخيه النافذ صدام حسين.
ولما تكررت عملية قطع الطريق، توجه الرئيس أحمد حسن البكر الى منزل الشيخ خميّس يرافقه عدد من اعضاء مجلس الثورة بينهم صدام حسين ووزير الداخلية صالح مهدي عماش.
وبادر الرئيس البكر الى تقديم الاعتذار باسم عائلة القاتل، مؤكداً أن الجريمة حدثت نتيجة فورة غضب. وخلص في النهاية الى القول إن الدولة على استعداد للاقتصاص من الفاعل، بعد دفع فدية تتناسب مع مقام الفقيد وزعامة والده. ويبدو أن هذا العرض لم يقنع الوالد المفجوع بدليل أنه أصر على تطبيق قانون العشيرة، رافضاً كل الاقتراحات الآيلة الى المسامحة والمصالحة.
ولما بلغ الحديث موقفاً تعذر فيه الاتيان بأي اقتراح جديد، تدخل صدام حسين فجأة ليخاطب صاحب الدار بلهجة التقريع والتهديد، قائلاً: أنصحك يا شيخ خميّس بالتنازل عن عنادك، لأن الطامعين في اغتيالي يزيد عددهم على الخمسة آلاف نسمة. وأخشى ألا يأتي دورك في هذا الطابور الطويل!
الاحد الماضي أصدر القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن حكماً بإعدام صدام حسين عقب ادانته بالمسؤولية عن مقتل 143 شيعياً في قرية الدجيل عام 1983. وبعد صدور قرار المحكمة سارع رئيسها القاضي رائد جوحي الى الاعلان أن اجراءات استئناف حكم الاعدام تستمر شهراً.
ولكن هذا الحكم لم يمنع استئناف محاكمة الرئيس المخلوع في قضية مجزرة "الأنفال"، أي المجزرة التي أدت عام 1987 - 1988 الى مقتل أكثر من مئة ألف من أكراد العراق في عمليات تهجير وإبادة جماعية. والتهمة في هذه الدعوى، تضع صدام حسين مسؤولاً عن اعطاء الامر بإلقاء مواد كيميائية (غازات سامة) على مدنيين في "حلبجة"، ما أدى الى اختناق خمسة آلاف امرأة وطفل في غضون بضع دقائق.
ومن المؤكد أن الطابور الطويل الذي وقف فيه الشيخ خميّس مطلع السبعينات، سيزداد طولاً بعد فتح ملف الحرب ضد ايران، التي أوقعت مليون قتيل من الطرفين. اضافة الى المذكرة التي تقدمت بها الكويت متهمة صدام ومعاونيه بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب اثناء غزو 1990. وضمن هذا المسلسل، تستعد المحكمة لفتح ملف الانتفاضتين الشيعية في الجنوب والكردية في الشمال، وذلك عام 1991 يوم أمر صدام بقمعهما مما أوقع آلاف الضحايا.
بعد صدور حكم الاعدام شنقاً، تفاوتت ردود الفعل بين مطالب بتنفيذ الحكم قبل نهاية السنة مثل رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي... ومعارض لاسباب تتعلق برفض عقوبة الاعدام سواء تعلق الامر بصدام أو بغيره مثل طوني بلير وجلال طالباني وسليم الحص. ويتوقع المشترعون ان يعوّق موقف رئيس الجمهورية الكردي طالباني تنفيذ الحكم الذي يتطلب دستورياً تصديق هيئة الرئاسة المؤلفة من: جلال طالباني (كردي) ونائبه الاول عادل عبد المهدي (شيعي) ونائبه الثاني طارق الهاشمي (سني).
ومعنى هذا ان تصديق هيئة الرئاسة لن يكون بالاجماع كما تقتضي المسألة. وعليه ترى الحكومة العراقية ان قرار تنفيذ الحكم مرتبط بالوضع السياسي الداخلي ايضاً. ومن المؤكد ان المحتل الاميركي سيسأل ما اذا كان التنفيذ يخدم الاستقرار الامني المطلوب، أم انه سيفتح باب جهنم، كما كتبت غالبية الصحف العربية. وقد توقعت هذه الصحف ازدياد موجة التفجيرات التي تقوم بها جماعات السنة، واستهداف شخصيات رفيعة انتقاماً لعملية الاعدام.
ويتردد في عمان ان الفريق الاميركي الذي فاوض بعض ضباط "البعث العراقي" في الاردن، فوجئ بأن الكل أحاله على "سيادة الأخ القائد" الموجود في المعتقل لديكم. ومعنى هذا ان واشنطن لا تستطيع إرضاء الشيعة والاكراد من طريق إغضاب السنّة، اذا كانت فعلاً تأمل في اعادة الوحدة الوطنية ومنع تفكك البلاد والعباد، خصوصاً بعد تشكيك "جبهة التوافق" السنية في قانونية المحكمة التي اصدرت حكم الاعدام في ظل بنادق المحتلين الاميركيين ثم اعقبت اتهامها بتهديد جدي بالانسحاب من الحكومة بسبب احتكار المالكي إصدار القرارات المصيرية، كما قال نائبه طارق الهاشمي. وتظهر الرسالة التي رفعها الى رئيس الوزراء نواب جبهة "التوافق" - 44 عضواً - ان الانفجار الشعبي المقبل يوشك ان يُدخل العراق في حرب اهلية واسعة. وتضم الجبهة كلاً من "الحزب الاسلامي" بزعامة طارق الهاشمي و"مجلس الحوار" بقيادة خلف العليان، و"مؤتمر اهل العراق" برئاسة عدنان الدليمي.
عزت غالبية الصحف الاميركية والبريطانية هزيمة الجمهوريين في الانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب، الى الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في حرب العراق. واللافت ان قادة الاركان اعربوا عن سخطهم من أداء وزير الدفاع، مطالبين الرئيس بوش بضرورة اقالته من منصبه. ونشرت الصحف الخاصة بشؤون القوات المسلحة، افتتاحيات تقول ما خلاصته: "آن الاوان لأن يرحل مستر رامسفيلد". وقرأ بوش في هذا التحذير مؤشراً واضحاً لاحتمال تدخل الجيش في قرار الادارة، إذا تجاهل البيت الابيض الانذار.
وهكذا سارع الرئيس الى امتصاص عوامل النقمة من طريق اقالة رامسفيلد، وتحميله كامل المسؤولية عن فشل الحملة في العراق، اضافة الى خلق التداعيات السياسية التي ظهرت في الانتخابات الأخيرة. وهكذا اضطر الرئيس بوش الى تقليد سلفه الرئيس جون كينيدي الذي رمى رئيس الاستخبارات ألن دلاس ضحية لاسكات منتقديه عقب فشل حملة "خليج الخنازير" ضد نظام كاسترو. وتؤكد مصادر البيت الأبيض ان جورج بوش الابن اصغى للمرة الاولى الى نصيحة والده الذي شجعه على طرد رامسفيلد واستبداله بروبرت غايتس، مدير وكالة الاستخبارات في عهده.
وقد اشار الكاتب بوب وودورد في مؤلفه الاخير "حالة انكار" الى تحذير الوالد من مغبة توزير رامسفيلد، لأنه في رأيه، مكابر وعنيد وغير متعاون. ويذكر بوب أن بوش كان يعتبر ديك تشيني مرشده الأعلى، لذلك أخذ برأيه وأهمل نصيحة والده.
وزير الخارجية السابق كولن باول كان أول من اصطدم مع زميله رامسفيلد اثناء التهيؤ لبدء العملية العسكرية ضد جيش صدام. وسعى باول بأسلوبه الديبلوماسي المرن، الى اقناع وزير الدفاع بأن التكنولوجيا الأميركية المتفوقة ليست شرطاً كافياً لربح الحرب وتوفير السلام. وقال انه رفض مبدأ الاستعجال في الحرب عام 1991، يوم كان رئيساً للاركان، وانتظر حتى بلغ عدد قوات التحالف نصف مليون جندي قبل أن يباشر الهجوم لاخراج القوات العراقية الغازية من الكويت.
الاثنين المقبل، يبدأ الرئيس جورج بوش مرحلة جديدة من عهده، تتميز بمشاركة الحزب الديموقراطي في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بقضايا الحرب والسلم. ومن المتوقع ان يراجع الشيوخ الجدد مشروع قانون الانفاق الطارىء الذي تبناه الجمهوريون في الكونغرس. وهو مشروع خصص لتكاليف الحربين، الافغانية والعراقية، مبلغ 811 مليار دولار. وهي نسبة زادت على تكاليف حرب فيتنام البالغة 549 مليار دولار، بعد احتساب نسب التضخم.
وبما ان الرئيس بوش عازم في الحقبة الاخيرة من عهده، على الانسحاب من العراق، فإن التوقعات تشير الى احتمال وضع خطة عسكرية مبرمجة سوف يعلنها الوزير غايتس بالاشتراك مع قادة الاركان، كما تشير ايضاً الى إمكان تجديد فرص السلام في الشرق الاوسط من طريق تحريك المسار السوري. وربما استند بوش الى التقرير الذي اعده بايكر - هاملتون من أجل توفير الظروف الآمنة في العراق. وهو التقرير الذي يعطي سوريا وايران دوراً متقدماً في موضوع نزع فتيل الفتنة داخل العراق، ويسمح للولايات المتحدة وبريطانيا باعلان توقيت انسحابهما.
وتؤكد الصحف الأميركية ان الرئيس بوش سيعرض على ضيفه ايهود اولمرت الاثنين المقبل سلسلة مشاريع تأتي في مقدمها مسألة الجولان. وربما تسلح رئيس وزراء اسرائيل بنتائج الاستطلاع الذي أجرته صحيفة "هآرتس" وفيه اقلية تؤيد اجراء محادثات مع سوريا (16 في المئة)، مقابل هذا الموقف، توجد نظرية لدى الجيش الاسرائيلي تؤكد شن حرب سورية ضد اسرائيل. وتعتمد هذه النظرية على الافتراض بأن مقاومة "حزب الله" اسقطت كل الحسابات السابقة، وأظهرت مواطن الضعف في بنية النظام العسكري الاسرائيلي. وهذا ما شجع الرئيس بشار الاسد على اطلاق تهديداته بأن الجولان سيحرر بالقوة إذا لم يتم التوصل الى تسوية.
ويرى المحللون في واشنطن ان بوش سيبحث في الإمكانات السياسية التي تجنب وقوع حرب لن تربح منها إسرائيل أي شيء، خصوصاً أن الاسد لا يشارك الرئيس الايراني نجاد دعوته لتدمير اسرائيل، على رغم التحالف الاستراتيجي بينهما.
ولكن إعادة الجولان الى سوريا لن تقتصر على التسويات الخاصة بالمياه والأمن والتطبيع فقط، وإنما تتعداها لتصل الى الموقف من "حماس" و"حزب الله" والعلاقات مع ايران. وهذا معناه وضع اقتراحات السلام مع سوريا في عهدة روسيا والصين ومختلف الدول الكبرى التي تؤثر على مواقف الدول الاقليمية، والتي بدورها تبحث عن مشاركة الولايات المتحدة في استثمار خيرات المنطقة!

صحافي لبناني مقيم في لندن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف