نبيه بري ’’قائمقام’’ الجمهورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
طلال منجد
تعتبر "المشاورات السياسية" من صلب اختصاصات رئاسة الجمهورية نصاً دستورياً وعرفاً مستداماً، وخاصة لدى تسمية رئيس حكومة جديد من خلال الاستشارات الملزمة بنتائجها والتي يقوم بها رئيس الجمهورية مع النواب.
كما تعتبر الاستشارات أيضاً من صلب اختصاص رئيس الحكومة المكلف مع الكتل النيابية قبيل الاعلان عن التشكيلة الحكومية.
اما المشاورات السياسية الحالية التي يديرها رئيس مجلس النواب نبيه بري فهي من "النوع الثالث" الذي لم ينص عليه الدستور أصلاً وانما أملته طبيعة الازمة الناشبة من أجل نقل الاحتقان من الشوارع الى المؤسسات السياسية. فهي اذن مشاورات تجري وفق النسق الاهلي اللبناني، لا وفق الانظمة السياسية وخاصة الديمقراطية منها.
وسيحاجج الدعاة الاسلاميون ـ فيما بعد ـ ويؤكدون على صوابية مبدأ "الشورى" سياسياً وأفضليته على آليات العمل الديمقراطي طبقاً لنجاح النموذج اللبناني التشاوري، في حال نجاح خواتيمه طبعاً.
التحكيم قبل "فتنة الشوارع"
ولو فشل هذا التشاور او وصل الى نفق مسدود وقبل ولوج مرحلة الانتقال الى "فتنة الشوارع" فإن مرحلة ضرورية لا بد من اللجوء اليها وهي مرحلة التحكيم، سواء المحلية منها او الاقليمية او الدولية في زمن ندر فيه الحكماء، المحليون منهم والاقليميون والدوليون.
وبارقة الامل الوحيدة اذن تتمثل في بصيص ضوء يصدر من مبنى البرلمان الذي يرأسه بري بعدما فقد رئيس الجمهورية العماد اميل لحود أهليته في احتضان المشاورات وبعدما كوفئ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة "بجزاء سنمار" عقاباً على "مقاومته السياسية" ودموعه التي حركت العالم والتي استخدمها من أجل التوصل الى أفضل الممكن في القرار الدولي 1701.
اذن المشاورات الحالية هي الثمرة المنطقية لهذا القرار الدولي مثلما كانت جلسات الحوار السابقة هي نتيجة طبيعية للقرار الدولي 1559 بحكم جدول أعمال تلك الجلسات والمتطابقة الى حد بعيد مع متطلبات ذلك القرار: سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني ومسألة رئاسة الجمهورية.
اما جدول أعمال المشاورات فاقتصر على بندين: حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب الجديد العتيد، في حين جرى استبعاد المسألة الاكثر الحاحاً اي رئاسة الجمهورية.
من سيصدر المراسيم؟
ويعني هذان البندان الخاضعان "للتشاور والمشاورات" الان ان الرئيس بري يتمتع لوحده بأهم اختصاصات رئاستي الجمهورية والحكومة معاً. وسواء جرى التعديل او التوسيع الحكومي فإن الذي سيقصد قصر بعبدا للاستحصال على توقيع رئيس الجمهورية اللازم من أجل صدور المراسيم لن يكون رئيس الحكومة وانما رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مع ان توقيع الاخير على المراسيم غير منصوص عليه في الدستور.
ولكن الرئيس بري يستدرك هنا ليتناول نقطة محورية وأساسية: لن يكون هناك بيان وزاري جديد ولا جلسة ثقة برلمانية جديدة سواء في حالة التعديل او التوسيع. وهذا الموقف هو في منتهى نكران الذات البرلمانية، لا لأن أية جلسة ثقة ستكون مملة ومضجرة وملتزمة بقواعد التشاور بل لأن الرئيس بري قد أخذ على عاتقه تلك المهمة المستحيلة في "علاج الفالج" حيث سيكون من المفترض ان يكون قد وجد لهذا الفالج السياسي دواء سحرياً فعالاً ويقوم على مبدأ جميع الادوية من ان القليل من السم هو الترياق وانه لا بد من اضافة المادة السكرية لجعل الترياق مستساغ الطعم فحسب.
في قلب المشهد التشاوري هناك كلفة باهظة على النظام السياسي اللبناني ان يتحملها. ولأن الازمة الناشبة ليست سياسية الطابع بل هي مغلفة بالطابع المذهبي ـ الطائفي فإن العلاج سيحمل معه بعضاً من هذه الخصائص التي ستعني من جملة ما تعنيه "الاختلاط المؤقت" لأدوار المؤسسات السياسية طالما انها قائمة على التوزيع الطائفي. ولأن منصب رئاسة الجمهورية بات شاغراً ـ بحكم التخلي عن الاختصاص التشاوري ـ ولأن السياسة اللبنانية لا تحتمل الفراغ بطبيعتها فلا بد من اللجوء الى دور مسند الى "قائمقام الجمهورية" وخير من يستحق هذا الدور والمنصب هو الرئيس نبيه بري.