العراق وأصداء انتخابات نوفمبر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جيفري كمب
ألحقت انتخابات السابع من نوفمبر النصفية هزيمة ساحقة بالرئيس بوش، داخل الكونجرس الذي كان يسيطر عليه "الجمهوريون". وهناك قضيتان قوميتان تفسران أسباب غضب الجمهور الأميركي على الإدارة الحالية، هما الحرب على العراق، والفساد الضارب في الكونجرس. والذي نلاحظه في أولئك "الديمقراطيين"، الذين فازوا بمقاعد الكونجرس مؤخراً، أن غالبيتهم من المعتدلين بما لا يقاس إلى نظرائهم "الجمهوريين" السابقين. وهذا ما يقودنا إلى القول إن الانتخابات الأخيرة هذه، لم تدفع بالسياسة الأميركية بعيداً باتجاه "اليسار"، بقدر ما هي دحض لسياسات "البقاء والاستمرار في المهمة" العاجزة التي روج لها "الجمهوريون".
ولا ريب أن هذه الانتخابات قد جاءت وهي تحمل معها بوادر تأثيرات مباشرة على مسار الحرب في العراق. ففي الثامن من الشهر الجاري، أعلن الرئيس بوش عبر مؤتمر صحفي عقده، استقالة وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، متبوعة بقرار آخر بترشيح "روبرت غيتس"، مدير المخابرات المركزية الأميركية الأسبق، بدلاً منه. كما أكثر بوش من تلميحاته وإشاراته إلى ما سيسفر عنه تقرير "مجموعة دراسات العراق"، التي يترأسها كل من جيمس بيكر ولي هاملتون. والمتوقع أن يقدم هذان توصياتهما لكل من البيت الأبيض والكونجرس، بشأن المقترحات والبدائل الممكنة للسياسات المطبقة الآن في العراق. ومن المتوقع أن تسفر نتائج انتخابات الثلاثاء عما يعزز موقف لجنة "بيكر- هاملتون" هذه، ويدعم تقديمها لبدائل، يقدر لها أن تحدث تحولات أكبر وأعمق من تلك التي كان يمكن تقديمها، في حال لم تكن نتائج الانتخابات الأخيرة رفضاً صريحاً وحاسماً للسياسات العراقية السارية حالياً.
وبالنظر إلى الشخصيتين اللتين تتزعمان المجموعة هذه، فإنه ليس مرجحاً أن تتقدم المجموعة بتوصيات مغايرة ومفارقة كلياً للسياسات المتبعة هناك. بل الأرجح أن تنحو هذه التوصيات منحى أكثر عملية وعقلانية. وربما تتضمن توصية بتنشيط العلاقات مع جيران العراق، بما في ذلك سوريا وإيران. وإنه مما يثير الاهتمام أن "روبرت غيتس" نفسه عضو في هذه المجموعة، ولذلك فهو على دراية تامة بآراء معظم الخبراء الذين عملوا كاستشاريين لها. كما يجدر بالذكر أن غالبية الخبراء أوصوا بتبني تغييرات جذرية في السياسات العراقية القائمة حالياً.
وبسبب خطورة الأوضاع في الجارة إيران، فإن من المرجح أن يوافق بوش على معظم التوصيات التي ستقدمها له لجنة "بيكر-هاملتون". وهذا ما نتوقع انعكاسه في جلسة السماع التي ستعقد لروبرت غيتس، عند أدائه للقسم الخاص بتولي منصبه الجديد. غير أن الذي لا يزال مجهولاً حتى الآن، هو ما إذا كانت توصيات اللجنة ستقتصر على العراق وحده، أم أنها تتسع لتشمل جوانب الأزمة الشرق أوسطية الأخرى، وفي مقدمتها بالطبع، النزاع الإسرائيلي- العربي. وفيما يبدو، فإنه لا مناص من اندلاع حرب أخرى مرتقبة بين إسرائيل و"حزب الله" وحركة "حماس"، متى ما ساءت الأوضاع في قطاع غزة، أكثر مما هي عليه الآن.
كما يتوقع إثارة أسئلة جوهرية أخرى، فيما يتصل بالسياسات الأميركية إزاء إيران، خاصة ما إذا كانت واشنطن على استعداد، فعلي لإجراء محادثات سلمية جادة مع طهران، أم أن خيار الضربة العسكرية الهادفة إلى تدمير القدرات النووية الإيرانية لا يزال قائماً؟ يذكر أن مجموعة مهام، تابعة لـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، كانت قد أوصت في شهر أكتوبر الماضي، بإجراء حوار مع إيران.
والآن وبالنظر إلى مشاعر الارتياح والسرور التي عمت معظم حلفاء أميركا، إثر الإعلان عن النتائج الانتخابية الأخيرة هذه، فإنه ليس مستبعداً أن يسفر ضعف البيت الأبيض من جهة، وبروز قيادة جديدة في "البنتاجون" من جهة أخرى، عن استعادة بعض المصداقية الأميركية المفقودة، على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً. أما عالمياً، فربما كان الرئيس بوش، أدنى الرؤساء الأميركيين شعبية في التاريخ الأميركي. غير أنه وفيما لو استطاع إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سياساته العراقية، فربما يتمكن من استعادة قدر من شعبيته وبعض التعاطف الدولي، بما يمكنه من تحسين صورة أميركا، باعتبارها قوة عظمى جريحة وضالة.