جريدة الجرائد

الجنرال يريد ان يصبح رئيساً: طموح مشروع لكن الثمن باهظ

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


حازم الأمين

صار من الواضح ان سعي حزب الله الى تغيير الحكومة اللبنانية مرتبط الى حد كبير بالآثار الناجمة عن صدور القرار 1701 والذي يعطي الحكومة الحق في تفسير الكثير من بنوده، ويجعل منها صاحبة الإرادة في طلب المساعدة الدولية في تطبيق بنوده. حزب الله والحال هذه يشعر ان إمساكه بالقرار الحكومي يتيح له محاصرة الآثار الناجمة عن القرار والمتعلقة بوجوده في جنوب لبنان. فالحكومة اللبنانية، صاحبة الحق في تفسير معنى سيادتها على أرضها يمكنها، والحال هذه، تنسيق وجود حزب الله العسكري والأمني جنوب منطقة الليطاني من دون ان تعتبر ذلك خرقاً لسيادتها، ويمكنها العكس أيضاً في حال لم يكن لحزب الله الثلث المعطل في الحكومة.

لكن هذا السعي (الحصول على الثلث المعطل) يستبطن أيضاً رغبة في تجاوز نتائج انتقال لبنان من حالة الى أخرى جراء الانسحاب السوري منه قبل اكثر من عام، وجراء صدور القرار 1701 في أعقاب حرب تموز (يوليو). والسعي الى تجاوز النتائج لا يرتبط بصراع حزب الله مع إسرائيل بقدر ما يرتبط بتوظيف الحزب هذا الصراع في المعادلة الداخلية، اذ لا يبدو ان هناك أفقاً قريباً لإعادة وظيفة المقاومة في صراعها مع إسرائيل الى سابق عهدها. المسألة داخلية، وحزب الله يدرك ان حضوره في الداخل مرتبط الى حد كبير بوظيفة أداته العسكرية في الجنوب اللبناني، فإذا انتفى او تأجل العمل بتلك الوظيفة، تطلب الأمر انتقالاً داخلياً الى موقع جديد، موقع يتيح إعادة إنتاج معادلة موازية للـ1701. فالشرط الداخلي لا يستقيم، في عرف الحزب، من دون وظيفة جناحه العسكري، مع العلم ان الزج بهذا الأخير في أتون معضلة داخلية لن يكون اكثر من فخ كبير له من المرجح ان يفقده الكثير الكثير من علامات تفوقه.

اذاً، في يد حزب الله اليوم ورقة، ولكنّ في يد خصومه اللبنانيين أوراق أخرى. فهو حين يلوح باستعمال الشارع يدرك ان الآخرين يعرفون ان استعماله الشارع يعرضه الى ما يسعى الى تجنبه. اذاً ومن دون الاعاء بمعرفة ما يخطط له الحزب حين يلوِّح بالشارع يمكننا ان نتوقع استعماله لشوارع صغيرة أخرى قد تجنّبه بعض الخسائر. فالقول مثلاً ان أنصاراً للنائب أسامة سعد وللرئيس عمر كرامي وصلوا الى ساحة الشهداء في بيروت واصطدموا بالقوى الأمنية أو بأنصار 14 آذار، لن تكون له الآثار نفسها في حال اصطدم انصار حزب الله مع خصومهم في الشارع، صحيح، لكن إسقاط الحكومة تعوزه قوة من نوع قوة حزب الله حتى يتم، ثم ان الخسائر الناجمة عن أي احتكاك في الشارع لن تحسب على أسامة سعد أو عمر كرامي.

في لعبة الشارع حسابات دقيقة من المرجح انها لن تفوت حزب الله. فالمقصود من استعمال الشارع إسقاط الحكومة التي يرأسها سياسي سنّي. وفي الحساب الأخير يلوِّح حزب الله والتيار العوني بشارعين شيعي ومسيحي، وتحضر هنا فوراً قسمة من الصعب تجاوزها. فمعلوم ان إسقاط الحكومات في الشوارع أمر نادر في لبنان، وهو حصل مرتين في الجمهورية الثانية، الأولى مع حكومة الرئيس عمر كرامي في 1993 وكانت لهذه الواقعة ظروف مختلفة على نحو جذري، والثانية مع حكومة كرامي أيضاً في 2005 والتي انخرط المسلمون السنّة في لبنان في عملية إسقاطها في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

الأمر نفسه يصح في الرئاسات الأخرى، فإسقاط رئيس الجمهورية اميل لحود بواسطة الشارع كان أمراً مطروحاً على قوى 14 آذار في العام الفائت، لكن حسابات من هذا النوع حالت دونها، كان أبرزها عدم حماسة البطريرك الماروني نصرالله صفير لها، ولاحقاً التحول الذي أصاب النائب ميشال عون.

إسقاط الحكومة بشارع غير سنّي امر ممكن طبعاً، ولكن لنتخيل ما سينجم عن ذلك: فالاضطرابات المتوقعة والتي من الصعب تصور شكلها ونتائجها ستقوض حكماً امكانية تسوية يسعى حزب الله لانتاجها وفق ما يناسبه.

ويلوح هنا أيضاً تساؤل: ماذا لو كان الأميركيون ووراءهم الإسرائيليون منسجمين أيضاً مع خيار الشارع بصفته فخاً نموذجياً لحزب الله؟ الأمر غير مستبعد وظهرت بعض إشارات له. فاستدراج الحزب الى صراع داخلي سيكشف ظهر هذا الأخير، وسيمهد لإمكان الانقضاض عليه، في ظل تضاعف الانقسام حوله، وتلاشي الدولة الحاضنة.

اما الجنرال ميشال عون والذي يعتقد ان التلويح بالشارع واللجوء اليه سيعززان فرص فوزه برئاسة الجمهورية، فسيكون بدوره ضحية الاضطراب الناجم عن اصطدام الشوارع، واذا كانت فرص فوزه بالرئاسة اليوم متضائلة بفعل ميزان القوى الداخلي، فإن التضاؤل سيتضاعف الى أن يغدو اضمحلالاً، ناهيك عن الحيرة التي تصيب المرء اذا ما حاول تأمل حال الجنرال وقاعدته المسيحية المسكينة في لحظات صدام شيعي - سني.

العنوان الثالث لحكومة الوحدة الوطنية او لرديفها الاضطراب الشارعي، يتمثل في المحكمة ذات الطابع الدولي المزمع تشكيلها لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري، او بالأحرى عرقلة تشكيل هذه المحكمة. قد يكون هذا العنوان الحصيلة الوحيدة الممكنة لمشروع تلك الحكومة أو ذلك الشارع. فتشكيل المحكمة تعوزه حكومة توقع قانونها وتلتزم شروطها. والثلث المعطل، أو الفراغ الناجم عن سقوط الحكومة وتعذر تشكيل بديل عنها سيؤدي حكماً الى تعطيل التشكيل. انه احتمال بدأ المجتمع الدولي بالتعاطي معه، والبديل بحسب المعلومات، تشكيل محكمة دولية بالكامل بإشراف مجلس الأمن وإلزام الدول المعنية بأحكامها.

انها مرة أخرى سيناريوهات الشارع. فاللبنانيون يتحدثون عنها بصفتها الهاوية الحتمية، لكنهم عديمو القدرة على مقاومتها. كثيرون منهم يشيرون اليها بصفتها مصيرهم البائس لكنهم سيلبون نداءها في حال طُلب منهم ذلك. انها أيضاً حال المتحاورين والمتشاورين من القيادات اللبنانية. فجميعهم سلّم بخطورة هذا الخيار، وبأن الثمن سيكون باهظاً وكبيراً، لكن جميعهم يلوح به، كمن يقول "اعطوني ما أريد وإلا سأنتحر".

الحقيقة هي اننا لا نريد ان ننتحر، لكن مصائرنا ليست ملكنا. ثمة راغبون كثر في انتحارنا، ونحن على رغم إدراكنا هذه الحقيقة، غير قادرين على مقاومتهم. سنلبي تلك الدعوة، وسننزل الى الشارع (أو الى الشارع المقابل)، وسنطحن ما بين هذين الشارعين من أبرياء، وسنقول لسادتنا في الخارج "تكرم عيونكن".

يشذ عن ذلك طرف واحد في لبنان، سينزل الى الشارع لأسباب تتعلق به ولا ترتبط بالخارج وإن حاول توظيفه. فالجنرال يريد ان يصبح رئيساً: طموح مشروع لكن الثمن باهظ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف