المحكمة الدولية تفجّر الحكومة اللبنانية والوزراء الشيعة يستقيلون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
التشاور انتهى بسجالات وفشل... وبري يحذر من كوارث ...
بيروت - وليد شقير، محمد شقير
بلغ التأزم السياسي اللبناني ذروة جديدة أمس باستقالة وزراء حركة "أمل" و "حزب الله" الخمسة (يمثلون الحصة الشيعية) من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مساء أمس، وهي ذروة ترشح الوضع اللبناني الى المزيد من التصعيد خلال الأيام القليلة المقبلة، وتجعله مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما فيها لجوء الفرقاء المختلفين الى الشارع. ورفض السنيورة ليلاً استقالة هؤلاء الوزراء وأكد ان الحكومة تمارس الحكم من خلال التمسك بنص الدستور وروحه. وترددت ليلا معلومات عن احتمال استقالة وزير البيئة يعقوب الصراف الوزير الوحيد في الحكومة المحسوب على رئيس الجمهورية.
وتداخل انكشاف الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية على المجهول مع الخلافات على مسودة مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، إذ اعترض رئيس الجمهورية إميل لحود على تحديد السنيورة موعداً لجلسة استثنائية لمجلس الورزاء غداً الاثنين، من أجل دراسة المشروع الذي تسلمه لبنان من الأمم المتحدة أول من أمس، بعد سحب الجانب الروسي في مجلس الأمن ملاحظاته عليه.
وبعد استقالة الوزراء الشيعة قال مصدر في تيار المستقبل لـ "الحياة" ان السبب هو أنهم "لا يريدون أن يوافق لبنان على المحكمة الدولية وليس مطالبتهم بالثلث المعطل، انها المحكمة مرة أخرى".
وكان فرقاء الأزمة اللبنانية افترقوا بعد الظهر على اللاإتفاق، بعد أقل من ساعتين على لقائهم في الجلسة الرابعة حول الطاولة المستديرة للتشاور. وبقي المأزق السياسي الناجم عن خلافاتهم على قيام حكومة وحدة وطنية وإصرار المعارضة على أكثر من الثلث فيها، والذي ترفضه الأكثرية، مفتوحاً على الاحتمالات، بينما عكفت قيادة "حزب الله" على درس خطواتها المقبلة ليل أمس، استناداً الى التشاور مع حلفائها وأبرزهم العماد ميشال عون، في ظل سفر الحليف الآخر، رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى طهران بعد الظهر على أن يعود منها مساء الثلثاء، بعدما كان أبلغ المتشاورين أنه سيفكر عند عودته، "إذا كان هناك مناخ يتيح التفاهم"، في الدعوة الى اجتماع تشاوري يوم الأربعاء. إلا أن بري الذي لم يعقد مؤتمراً صحافياً كما جرت العادة بعد كل جلسة تشاور، أعطى تعليماته لوزيري حركة "أمل"، وهو في طريقه الى المطار، من أجل الاستقالة من دون أن يبلغ فرقاء قوى 14 آذار بهذا القرار، وفق البيان الذي صدر مساء، بعد أن كان غادر البلاد.
ونص البيان الصادر عن قيادتي حركة "أمل" و "حزب الله" على الآتي: "إن حركة "أمل" و "حزب الله" اللذين تجاوبا مع دعوة الرئيس بري للتشاور وبأعلى درجات الانفتاح والإيجابية للوصول الى تفاهم حول الآلية التي تؤمن المشاركة الحقيقية وتساعد على حل أزمات البلد ومشاكله. يؤكدان ما أعلناه خلال جلسات التشاور من التزام بمقررات طاولة الحوار الوطني وما أجمع عليه المتحاورون لا سيما في ما يتعلق بالمحكمة الدولية والموافقة المبدئية عليها، إننا أمام إصرار البعض من قوى الأكثرية على وضع شروط ونتائج مسبقة للتشاور ورفض مبدئي لصيغة المشاركة الفاعلة في حكومة وحدة وطنية ضامنة للجميع ومع تأكيدنا الذي أعلناه في جلسات التشاور والذي عبر عنه دولة الرئيس بري باسم المتشاورين بأن لا إسقاط للحكومة ولا تغيير أو تبديل لرئيسها ولا بيان وزارياً جديداً أو ثقة جديدة، إننا وإفساحاً في المجال أمام الأكثرية لممارسة ما تريد بحرية ومن دون أن نغطي ما لا نقتنع به والذي نرى فيه ضرراً على مستوى المصلحة الوطنية العليا وانطلاقاً من حرصنا على النظام الديموقراطي وحق كل الأطراف في التعبير عن موقفها وفقاً للدستور والنظام، ومع حرصنا الأكيد على الاستقرار والسلم الأهليين ومصالح جميع اللبنانيين التوّاقين الى حياة سياسية أفضل والى ما يضمن مستقبلهم وحياتهم، ومع الإصرار على أن تأخذ اللعبة الديموقراطية مداها الطبيعي، فإننا نعلن استقالة ممثلينا الوزراء من الحكومة الحالية، متمنين للأطراف المشاركة فيها كل الخير لما فيه مصلحة لبنان".
واستقبل السنيورة مساء أمس وزير الصحة محمد خليفة الذي أطلعه على قرار الاستقالة بعد صدوره في وسائل الإعلام وأبلغه انه سيرفضها لكن خليفة أكد له إصرار الوزراء على هذه الخطوة. وليلاً أصدر السنيورة بياناً نصه الآتي:
"اطلع رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة عبر وسائل الإعلام على البيان الصادر عن قيادتي حركة "أمل" و"حزب الله" والذي يعلن استقالة الوزراء الممثلين للحركة والحزب من الحكومة. وتعليقاً على هذا البيان يهم رئيس مجلس الوزراء أن يعلن التالي:
أولاً: رفضه لاستقالة الزملاء الوزراء الممثلين لحركة "أمل" و "حزب الله" حتى لو تسلم كتاب الاستقالة رسمياً، وهو إزاء ذلك يعلن تمسكه الشديد باستمرار مشاركتهم الفاعلة في الحكومة وهو يدعوهم الى الاستمرار في تولي مهماتهم ومسؤولياتهم.
ثانياً: ان هذه الحكومة ومنذ قيامها تمارس الحكم من خلال التمسك بأحكام الدستور نصاً وروحاً وستظل متمسكة بها وكذلك بالأسس القائمة على التشاور والحوار والتوافق، كما ستبقى الحكومة على سعيها في التعاون والانفتاح على جميع الأطراف من أجل إيجاد الحلول التي تؤمن مصالح لبنان العليا وتمكنه من التصدي للتحديات الكبيرة التي يواجهها".
وفجرت قيادتا حركة "أمل" و "حزب الله" قنبلتهما السياسية بعد سجال لم يخل من توتر خلال جلسة التشاور التي عقدت أمس، قبل ارفضاضها على استمرار الخلاف، إذ أكدت رموز قوى 14 آذار أن هاجسها هو الموقف من المحكمة الدولية. ورد بري على هواجس هؤلاء من عرقلة المحكمة الدولية بالقول: "مؤتمر الحوار الوطني أجمع عليها ولتكن نقطة توافق لكن من حقنا مناقشة التفاصيل والحاج محمد رعد (رئيس كتلة "حزب الله" النيابية) قال انه مع المحكمة... وبالتالي لا أعرف لماذا هي موضوع أخذ ورد الآن، ووصول المسودة يفترض ان يحفزنا على التوافق...".
ومما قاله رئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري لرعد: "أنت تقول ان لا ثقة لك بنا عندما نتحدث عن سلاح المقاومة وتريد ضمانة فما هي ضمانتنا لئلا تنسفوا الحكومة من الداخل (إذا حصل المعارضون على الثلث المعطل في الحكومة). يجب أن نتفاهم كيف نبني حكومة وفاق وطني من دون أن يعطل أحدنا الآخر".
وفي إحدى مراحل السجال مع الرئيس أمين الجميل قال بري: "... أنتم على الطاولة تريدون الاختلاف والنزول الى الشارع. اللهم اشهد اني بلغت وهذا البلد ساعده الله وستصيبه كوارث أكبر من اغتيال الرئيس الحريري والعدوان الاسرائيلي وسنبقى متفرقين ولن أتكلم بعد الآن".
ورد جنبلاط بالقول ان لا أحد يريد النزول الى الشارع "وإذا كان البعض في المحور السوري - الإيراني يعتقد انه كسب نقاطاً بسبب التعثر الأميركي في الخارج ويريد ترجمة ذلك في بيروت فهو مخطئ وهذا خطير، ونحن المحور اللبناني". ودعا الى مناقشة مشروع المحكمة الدولية. لكن رعد قال: "نريد ألا يذهب البلد في اتجاه الوصاية الأميركية..." فسأله الحريري وجنبلاط والجميل: "من تتهم؟".
وبعد صدور استقالة وزراء "أمل" و "حزب الله" أوضحت مصادر بري انه قبل مغادرته الى طهران عرّج على منزله وأن بيان الاستقالة كُتب بعلمه ثم غادر. وذكرت هذه المصادر ان بري أبدى استياءه من تحديد السنيورة موعداً لجلسة مجلس الوزراء الاثنين لدراسة مسودة المحكمة الدولية، بعدما كان قال له في اتصال هاتفي ان الجلسة ستبقى في موعدها العادي أي الخميس. وسألت مصادر بري: "لماذا الاستعجال. ولماذا نكرر ما حصل يوم اغتيال النائب جبران تويني في 12 - 12 - 2005، حين أصرت قوى 14 آذار حينها على الاجتماع وإقرار طلب لبنان من الأمم المتحدة إنشاء المحكمة الدولية بعد أن كنا طلبنا مهلة أسبوع لدراسة الأمر؟" (يومها اعتكف الوزراء الشيعة الخمسة في الحكومة لمدة 7 أسابيع). ونقل زوار بري عنه قوله: "لماذا يحشروننا. أنا موقفي واضح وأنا أول من كان مع معاقبة قتلة رفيق الحريري هم يعرفون إني لا أساوم على دم الحريري. لكن حين جاءت مسودة المحكمة بدا كأن هناك ضغطاً من جهات عدة على طاولة التشاور".
وقالت مصادر بري انه لم يكن أول من أمس في جو استقالة بل في أجواء تقدم في التشاور واعتبر ان الجو كان جيداً. وأضافت المصادر نفسها ان الحريري أرسل اليه نسخة عن مشروع المحكمة الدولية وانه استقدم مترجمي المجلس النيابي لترجمتها "من أجل أن أدرسها أثناء سفري الى طهران في الطائرة"، وانه تصفح المشروع في سرعة "ووجد فيه بعض النقاط التي تحتاج الى تلطيف، لكن الأهم ان نستوفي دراستها وإعطاء الوزراء بضعة أيام لمراجعتها من أجل إبداء رأيهم من دون تسرع خصوصاً ان أجواء التشاور تتحسن مع احتمالات الوصول أي تقدم".
إلا أن نواباً اطلعوا من رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط على نتائج لقائه ليل أول من أمس مع بري، عشية جلسة التشاور الرابعة قالوا ان الانطباع الذي خرج به عدد ممن التقوا رئيس البرلمان ان "هامش تحركه ضيق وأبلغ هؤلاء انه ليست لديه حلول للمأزق القائم".
وكانت مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "ان بي أن" الناطق باسم بري أشار الى استقالة الوزراء الخمسة بالقول ان "فرص التفاهم أُجهضت وأن نزعة الاستئثار لدى الأكثرية غلبت... فكان لا بد من اللجوء الى الخيار الصعب".
أما نشرة تلفزيون "المنار" التابع لـ "حزب الله" فتحدثت عن استعجال "تفجير التشاور (من الأكثرية) بإصرارهم على جلسة استثنائية لمجلس الوزراء مثلما سرعوا بالمطالبة بإنشاء المحكمة الدولية العام الماضي". واتهمت "المنار" الأكثرية بالسعي "لتهريب" مشروع إقامة المحكمة الدولية.
أما تلفزيون "المستقبل" الناطق باسم الحريري، فأشارت نشرته المسائية الى أن "هذا المشهد تكرر مرتين في خلال 11 شهراً الأولى حين اعتكفوا (وزراء "أمل" و "حزب الله") في العام الماضي عندما ناقش مجلس الوزراء المطالبة اللبنانية بإنشاء محكمة دولية واليوم استقالوا عشية مباشرة مجلس الوزراء في بحث مشروع إقامة المحكمة".
رعد: الحراك الإيجابي
وكان النائب رعد قال لـ "الحياة" بعد ارفضاض الطاولة المستديرة من دون نتائج، وقبل إعلان قرار استقالة وزراء الحزب و "أمل" بساعة: "يريدون أن نبقى في الحكومة من دون فعالية، لتمرير القرارات التي يريدون ويأخذون البلد الى حيث يريدون".
أضاف: "قلت لهم بصراحة على الطاولة اننا سنقوم بكل ما يحق لنا القيام به ديموقراطياً للاعتراض على الأداء الحكومي. أما التهويل بالفوضى والشغب من جانبهم فردنا عليه اننا أحرص الناس على السلم الأهلي. ونحن دفعنا دماً لأجل سيادته وحققنا انجازات لا نفرط بها ولا يقطعن أحد الطريق علينا بهذا التهويل".
وأضاف: "بعض الحراك (الاعتراضي من جانب الأقلية) ربما يجعل هؤلاء (الأكثرية) يعيدون حساباتهم ويفتح ذلك إمكان التوصل الى حل للمأزق... والركود السياسي الحالي يعطّل البلد ونحن نتمنى أن يحصل حراك إيجابي...".
أما قوى 14 آذار فكان أركانها قد اجتمعوا بعد ارفضاض طاولة التشاور، لدراسة الاحتمالات. إلا أن مصادر المجتمعين قالت ان أياً منهم لم يكن في أجواء نية وزراء "حزب الله" و "أمل" الاستقالة بل ان البحث تركز على أهمية إقرار مشروع المحكمة الدولية في الجلسة الاستثنائية غداً الاثنين، كما ناقش هؤلاء رفض لحود عقد الجلسة وأوفدوا عدداً من القياديين المسيحيين الى البطريرك الماروني نصرالله صفير لإبلاغه بأن إصرار الأكثرية على إقرار المحكمة يجب ألا يُفهم من أي كان على انه مس بصلاحيات الرئاسة الأولى.