منطقتنا وسباق التسلح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
من الواضح أن الهدف النهائي لإيران في (نضالها) من أجل امتلاك التكنولوجيا النووية هو السلاح، مهما حاولت الدبلوماسية الإيرانية أن تناور، أو أن تخفي أهدافها. فإيران تحديداً لديها من الغاز والبترول ما يكفيها ومخاطر المفاعلات النووية، وأخطارها على البيئة، وما كارثة (تشيرنوبل) عنا ببعيد.
غير أن هوس القوة، والسيطرة على المنطقة، وفرض المصالح بالقوة، هو على ما يبدو الفكرة التي (تستعبد) إستراتيجيات القيادة الإيرانية، وتدفعها إلى اللعب على حافة الهاوية في سعيها الدؤوب والعنيد إلى امتلاك السلاح النووي، مهما كلفها ذلك على المستوى السياسي، وكذلك الاقتصادي من عقوبات. وكل المؤشرات التي بين أيدينا الآن تقول إن امتلاك هذه القوة بالنسبة للإيرانيين هو هدف تنحني عنده، ومن أجل بلوغه، كل الأهداف الأخرى على ما يبدو. غير أن الذي فات على (ملالي) إيران إدراكه أن مفهوم القوة لم يعد كما كان في السابق.. خذ مثلاً كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية كتجربتين معاصرتين.
كوريا الشمالية اختارت السلاح، والسلاح النووي تحديداً، لفرض قوتها، وحماية نظامها، وتركت الاقتصاد والتنمية الاقتصادية جانباً، (كوريا الشمالية تنفق ما نسبته 25 إلى 33% من الناتج المحلي الإجمالي على التسلح والجيش). في حين اختارت كوريا الجنوبية التنمية الاقتصادية، واقتصاد السوق. أما النتيجة فكما ترون كوريا الشمالية امتلكت القوة النووية، والسلاح، والصواريخ التي بإمكانها الوصول إلى القارة الأمريكية، غير أنها في سعيها الدؤوب لامتلاك السلاح النووي ضحت بكل شيء، حتى أصبح الجوع يهدد الإنسان الكوري الشمالي، وأصبح الاقتصاد الكوري الشمالي رهناً للمعونات الخارجية، في حين أن الرفاهة الاقتصادية، والتفوق الحضاري، والقوة بمعناها المعاصر، حققتها التجربة الكورية الجنوبية، فما قيمة أن تكون قوياً وأنت عالة على الآخر، والفقر والجوع ينخر في أهم ما تملكه الأمة، أية أمة، وهو (الإنسان)، وهذا ما لا يريد أن يدركه دائماً (المؤدلجون)، لا فرق في ذلك بين ملالي إيران أو (الرفاق) في كوريا الشمالية، وإن تغيرت بين أولئك وأولئك العناوين الأيديولوجية.. فالمؤدلج يرفض أول ما يرفض (النقد العقلاني)، لذلك يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى (تكميم) الأفواه إن استطاع، ولا يمانع إطلاقاً في أن يحيل البشر الذين تقع تحت يده مصائرهم، إلى (فئران) تجارب، ليثبت صواب أو خطأ نظرياته ورؤاه، تماماً مثلما كان الأمر في التجربة السوفيتية، أو تجارب معممي طالبان مثلاً.
ولو قرأ الإيرانيون التجربة السوفيتية قراءة واعية، وعميقة، لأدركوا أن أحد أسباب تفكك الاتحاد السوفييتي، وفشل التجربة السوفيتية، كان بسبب السباق المحموم على امتلاك السلاح مع الغرب، وإغفال الاقتصاد، وتنمية الإنسان، والاعتناء برفاهيته. أما النتيجة فهي سقوط التجربة السوفيتية، وتخلي الروس عن (الاشتراكية)، واعتماد اقتصاد السوق (كمخرج) من النفق الذي وجد الروس أنفسهم فيه، فتخلوا عن حلمهم (السوفييتي)، وانضموا للركب الرأسمالي مرغمين.
وأخشى ما أخشاه أن يقود هذا الشغف الإيراني بامتلاك السلاح (النووي) المنطقة إلى (سباق) تسلح، وتنصرف ثروات دول المنطقة إلى تملك السلاح، والارتقاء بالروادع العسكرية على حساب التنمية الاقتصادية، والاعتناء (بالتحديد) بدلاً من (الإنسان) ومحاربة فقره وجوعه وتخلفه الاقتصادي، تحت هاجس الخوف من سيطرة (المارد) الإيراني على المنطقة. وكما تقول التجارب المعاصرة، فإن (القوة) ليست في امتلاك السلاح، وإغفال الاقتصاد. الاقتصاد هو المهم، و(الإنسان) هو الأهم، والارتقاء به، والارتفاع بقدراته على الخلق والإبداع والتفوق، هو (أُس) حماية الأمم حسب المفاهيم المعاصرة من التفكك والانحلال والتلاشي. كما علمنا التاريخ القريب، وليس السلاح والآلة العسكرية.
يقول أنتوني كوردسمان محلل شؤون الشرق الأوسط بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية بواشنطن: (رغم الجهود الدولية لمراقبة الأسلحة، والمباحثات المختلفة حول مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، فإن القوى الرئيسية في المنطقة ترى أن الأسلحة الكيميائية، والبيولوجية، والإشعاعية، والنووية هي أدوات رئيسية للقوة. ويصح هذا القول بالنسبة لأنظمة الإطلاق الطويلة المدى لهذه الأسلحة كالصواريخ).
ولا شك أن إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتقدمة، جعلت بعض الأصوات في المنطقة تطرح فكرة: ولماذا (نحن) أيضاً لا نملك السلاح النووي في مواجهة التحدي الإيراني؟.. وعندما تنخرط دول المنطقة في سباق التسلح، وجعله أولوية لها، على حساب تنمية الإنسان، والعناية برفاهيته، كما هو الأمر الآن في إيران، فإننا سندخل نفقاً لا يعلم إلا الله إلى أين سيقودنا في نهاية المطاف.