جريدة الجرائد

القطار الشيعي في لبنان تحرك

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


داوود الشريان


قيل ان الاستقالة الجماعية للوزراء الشيعة من حكومة السنيورة هدفها افشال تمرير قرار المحكمة الدولية لقتلة الرئيس رفيق الحريري، وقالت المعارضة الشيعية ان فرض حكومة وحدة وطنية هو السبب وراء خروجها المفاجئ، وفي المحصلة لم تحقق هذه المعارضة الهدف المعلن، ولا حتى الهدف الحقيقي، لكن رغم الفشل الموقت فقطارها ماض في السير، "ولن يوقفه شيء على الاطلاق قبل الوصول الى النهاية المطلوبة"، بحسب تعبير النائب حسن فضل الله، والنهاية المطلوبة هنا أبعد من المحكمة الدولية، واكثر أهمية من حماية فرد أو افراد أو حتى نظام ودولة، فما حدث يوم الاحد الماضي يمكن النظر اليه من زاوية "تصحيح الشراكة الشيعية" في حكم لبنان. صحيح انه لا يمكن فصل ما حدث عن ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن الهدف ابعد من قضية الحريري، فنحن بصدد اصطفاف طائفي ومذهبي، رغم ما بين "حزب الله" وحركة "امل" من خلاف، نحن أمام محاولة جادة لصوغ الدور الاسلامي في حكم لبنان، فـ "حزب الله" يريد استثمار الهيمنة الشيعية في العراق من خلال الحديث عن تفوق عدد الشيعة في لبنان وبالتالي خلق واقع سياسي مشابه.

حتى الآن لم يتحدث احد عن تفاصيل "النهاية المطلوبة" للتحرك الشيعي. لم يقل احد من قادة الحزب او المحسوبين عليه ان الشيعة لهم رغبة في رئاسة الوزارة مثلاً، فضلاً عن ان "حزب الله" ومن خلال تصريحات جميع قادته، وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله، رفضوا في السابق الحديث عن مقايضة سلاح الحزب بمكاسب داخلية، او تعكير صفو الجبهة الداخلية، لكن تحرك الحزب يقول عكس ذلك، فـ "حزب الله" منذ صدور القرارات الدولية التي تهدف الى تحجيم دوره ونزع سلاحه، وتحويله الى كتلة سياسية غير مسلحة، وهو يتصرف داخلياً بطريقة استباقية لفرض واقع سياسي يجنبه الخسارة المحتملة بعد نزع سلاحه، وهذا الواقع السياسي اذا لم يكن حرباً اهلية، وهو امر غير مستبعد، فإن الحل الذي أمام الحزب هو تغيير موقع الشيعة في هرم الحكم، وهذه الرغبة في تغيير هرم الحكم سببها شعور "حزب الله" بالقوة على الصعيد الداخلي، وهذه النتيجة حذر منها معظم الأطراف اللبنانيين، لكنه تحذير قوبل على الدوام بتهمة الخيانة والعمالة.

لكن هل يتحمل لبنان تطلعات "حزب الله"؟ بالتأكيد لا، فرغم قوة الحزب وتفرده بمسألة السلاح، الا انه لا احد في لبنان سيقبل التغيير بمنطق القوة، وسبق للقوة ان استخدمت في السبعينات والنتيجة كانت الحرب. وإذا كان "حزب الله" ينظر الى تغيير ضمن الطوائف الاسلامية، فإن السنة في لبنان لن يقبلوا منطق القوة، خصوصاً أن موقف "حزب الله" من قضية اغتيال الحريري اتسم بالغموض، فضلاً عن ان الطوائف الاخرى لن تقبل خشية ان يأتي عليها الدور، فيجد المسيحيون انفسهم خارج اللعبة، لكن يبدو ان "حزب الله" غير معني برأي الآخرين في اهداف رحلة قطاره الذي انطلق، وهو حتى الآن يقول في شكل غير مباشر: اريد ثمن التنازل عن السلاح. صحيح انه لم يعلن عن المطالبة بثمن، ولا نوعية هذا الثمن، لكنه يتصرف على هذا الاساس، واذا لم يتم الحصول على ثمن سياسي يرضيه فإن البديل من التنازل عن السلاح هو الحرب الاهلية، فـ "حزب الله" ادخل لبنان في حرب مدمرة من اجل حماية سلاحه، وهو على استعداد لدخول حرب اهلية للسبب نفسه.

لا شك ان الوضع في لبنان قاتم الى حد السواد، والسبب ان الخلاف الجاري لا يتم ضمن اصول اللعبة الديموقراطية، حتى وان بدا كذلك في بعض مراحله، فضلاً عن ان الخلاف ليس خلافاً حول مصلحة البلد وانما حول مكاسب طرف على حساب الآخرين، والنتيجة انه لا مخرج من هذا المأزق الا بتنازل "حزب الله" عن منطق القوة والسلاح، فالخروج من الازمة مرهون بالاحتكام الى الاساليب السياسية واعطاء الناس فرصة للتعبير عن رأيهم في ما يجري، أما الاستمرار بهذا العناد فيعني ببساطة ان لبنان يتجه الى محطة العراق بسرعة لا يحسد عليها، واذا وصل لبنان الى الحالة العراقية فإن سورية هي اكبر المتضررين، ولهذا فدمشق مطالبة بتغيير سياستها تجاه لبنان، والخروج من منطق الثأر، ومحاولة لعب دور مختلف عن دورها في المرحلة الماضية، فمن دون رؤية سياسية من "حزب الله"، ودعم سوري لهذا التوجه فإن لبنان يقترب من هاوية حرب جديدة، واذا سقط لبنان فإن سورية ستصل الى النتيجة ذاتها بسرعة قياسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف