بوش ما بين إنقاذ ولايته أو توريط الديموقراطيين في العراق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
تتركز الانظار على "مجموعة العمل حول العراق" التي يترأسها جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش الاب، ويتحدث المعنيون عن توجه جديد، وعن دور في ايجاد الحل للمسألة العراقية قوامه ايران وسوريا. لكن هذا لن يعني شيئاً، ما لم يوافق الرئيس جورج دبليو بوش على تغيير جذري في السياسة الاميركية ازاء العراق، خصوصاً ان ادارته ملتزمة عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي.
التفاؤل مع عودة البراغماتيين الجمهوريين علناً الى الساحة، سببه انهم رجال الرئيس جورج بوش الاب الذين هندسوا حرب العراق الاولى، فأدخلوا سوريا/ حافظ الاسد الى صفوف الحلفاء، ونجحوا في تحييد ايران، اثناء تحرير الكويت، وسمحوا لاحقاً لصدام حسين بصد قوات "الحرس الثوري" عندما اجتاحت جنوب العراق في محاولة لتحريك الشيعة هناك، كما ضموا الى جانبهم السعودية والخليج وأوروبا والأمم المتحدة.
هؤلاء البراغماتيون القدامى عليهم ان يجدوا طريقاً مشرفة للخروج من العراق، بعدما ادركوا ان واشنطن لن تكسب هذه الحرب، والطريقة الوحيدة تكون بمشاركة كل الاطراف في المنطقة. ويحاول الاب انقاذ ما يستطيع من ادارة ابنه، ويقول احد المقربين منه انه لا يرى بداً من الحديث مع السعودية مركز الثقل، وإغلاق الحدود ما بين العراق والسعودية، خوفاً مما سيحدث اذا ما اتجهت الفوضى الحالية في العراق جنوباً نحو السعودية. والأهم في الامر، انه منذ مغادرته وزارة الخارجية وجيمس بيكر يبني علاقات قوية وراسخة مع المسؤولين في الخليج.
اما روبرت (بوب) غيتس وزير الدفاع الجديد، فانه من مدرسة بيكر، ويؤمن بسياسة بوش الاب التي اثبتت بعد نظرها، اذ رفض الاب اسقاط النظام العراقي وحذر من ان الدخول الى بغداد سيقسّم العراق. وهذا ما يحصل حالياً.
رغم "تكسير الصحون" في الاعلام لجهة التحليلات السياسية والعسكرية، الذي لاحق استقالة وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، يبقى ان حرب العراق يتحمل مسؤوليتها اثنان وحسب الترتيب التالي: نائب الرئيس ديك تشيني والرئيس بوش. تشيني هو الذي حرّض الرئيس على ضرورة الاطاحة بنظام صدام حسين، وهو من اقنعه بالربط ما بين العراق وتنظيم "القاعدة". ولأن لتشيني خبرة في السياسة الخارجية، فقد سيطر كلياً على الرئيس بوش الذي لم يكن زار قبل انتخابه اي بلد خارجي، سوى اسكتلندا، ولفترة وجيزة.
عندما دخل بيل كلينتون لأول مرة البيت الابيض، اثر هزيمته لجورج بوش الاب، قال الاخير: "ان كلبي يفهم في السياسة الخارجية اكثر من كلينتون". لكن كلينتون وبسرعة فائقة ادرك كل تعقيدات السياسة الخارجية، وترك بصماته عليها. اما مع بوش الابن فاننا نرى بصمات تشيني على سياسته الخارجية. حالياً، تقول "مجموعة العمل حول العراق"، وتقول بريطانيا واستراليا، انه لا بد من فتح حوار مع ايران وسوريا، من اجل ايجاد حل لتفاقم الوضع العراقي. ويقول مصدر غربي ان على الرئيس بوش ان يدرك انه من دون تعاون ايراني، فان واشنطن لن تكسب الحرب في العراق. الرئيس بوش اثناء مؤتمره الصحفي المشترك مع ايهود اولمرت، يوم الاثنين الماضي في واشنطن، لم يغّير من موقفه المتشدد تجاه ايران التي "تشكل خطراً على العالم بسبب برنامجها النووي"، واظهر بعض الليونة في موقفه تجاه سوريا التي عليها الا تعرقل النظام الديموقراطي في لبنان، وتكف عن دعم فصائل الارهاب وتحترم الديموقراطية - البرعم في العراق.
هذا لا يعكس موقف بوب غيتس، وزير الدفاع الجديد الذي شارك عام 2004 في ورقة عمل حول ايران اعدها مع مسؤول الامن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي، حيث رأى انه من خلال التفاوض حول كافة الامور مع النظام الايراني، يمكن الوصول الى معالجة البرنامج النووي، وقال ايضاَ: ان تهديدات ادارة بوش لايران ليست رد فعل على البرنامج النووي، انما السبب في اندفاع ايران للحصول على السلاح النووي.
ماذا تريد ايران بعدما كثر طالبو ودها؟ من المؤكد انها تريد حواراً مباشراً مع واشنطن، يشمل كل القضايا الاستراتيجية، بما فيها برنامج تخصيب اليورانيوم. والطريقة الوحيدة حسب العارفين، كي تتخلى طهران عن برنامجها النووي هي في ان تُقدم لها واشنطن عرضاً شاملاً يتضمن ضمانات امنية، وتصدير التكنولوجيا، والغاء كل القوانين الاميركية التي تطالب باسقاط النظام او تغييره.
وكان لورنس ويلكرسون، مساعد وزير الخارجية السابق كولن باول، اكد خلال الصيف الماضي، ان تشيني ورامسفيلد كانا وراء رفض واشنطن عام 2003 العرض الايراني بالكشف عن برنامجها النووي، والتحكم بـ"حزب الله"، والتعاون ضد تنظيم "القاعدة"، وان رامسفيلد هو من استعمل تنظيم "مجاهدين خلق" الايراني لإضعاف النظام في طهران. ولسنوات ظلت ادارة بوش ترفض اي ربط ما بين البرنامج النووي الايراني والقضايا الاخرى التي تواجه العلاقات الاميركية - الايرانية. وكان هدف البيت الابيض، كسب ما يمكن من التنازلات من ايران من دون ان يقدم لها شيئاً في المقابل.
ويقول مصدر غربي، ان هذه السياسة بدت واضحة في افغانستان، عندما بدأ مبعوث بوش زلماي خليل زاد ( السفير الاميركي الحالي في العراق) محادثات مع ايران للتنسيق بينهما لاسقاط نظام "طالبان". وشعر الايرانيون ان تقديم المساعدة في افغانستان سيكون لها انعكاسات استراتيجية على علاقة البلدين. لكن، عندما انتهت حاجة واشنطن للمساعدة الايرانية، نصح رامسفيلد بوقف كل الاتصالات، ولم تمض اسابيع قليلة على مؤتمر بون في ديسمبر (كانون الاول) 2001، حيث كان للمساعدة الايرانية دور في تسوية الاوضاع في افغانستان، حتى وضع الرئيس بوش ايران الى جانب العراق وكوريا الشمالية في خانة "محور الشر". واعترف لاحقاً، جواد ظريف السفير الايراني لدى الامم المتحدة والذي كان مسؤول المفاوضات مع واشنطن حول كابول: "ان ايران ارتكبت خطأ بعدم ربط مساعدتها في افغانستان بمساعدة من الاميركيين في قضايا اخرى، كانت تأمل بأن الاميركيين سيبادلونها بها المعروف".
ويبدو ان طهران تعلمت الدرس فصعّدت من مواقفها، وتوفرت لها فرص مواجهة الولايات المتحدة في ساحات غير الساحة الايرانية، وبالذات في لبنان والعراق، واتخذت قراراً بأن اي مساعدة لأميركا لن تكون مجانية، لا بل ان اي تعاون ايراني في العراق يجب ان تقابله رغبة اميركية في ايجاد تسوية حول البرنامج النووي.
ومن اجل تعبيد طريق التعاطي مع ايران حول العراق، ومع عدم معرفة ما اذا كان الرئيس بوش سيوافق على فكرة ادخال ايران، احد اطراف "محور الشر"، في الحل، التقى الشهر الماضي جيمس بيكر مع السفير الايراني في نيويورك جواد ظريف، في منزل السفير في نيويورك. دام اللقاء ثلاث ساعات، وُوصف من قبل الطرفين بالايجابي جداً. وابلغ السفير ظريف ضيفه: "ان ايران قد تدرس مساعدة اميركا في العراق اذا ما غيرت اولاً واشنطن موقفها من ايران"، مشيراً ضمناً الى رفض ادارة بوش التباحث مع ايران في القضايا الاستراتيجية.
ويبدو ان ايران مستعجلة على دفع واشنطن لبدء التفاوض معها حول العراق، وكذلك مستعجلة من اجل الحصول على تنازلات منها، واعتراف بقوتها الاقليمية لأسباب تعرفها طهران جيداً، وأبرزها انها سوف تواجه في السنوات القليلة المقبلة انفجاراً سكانياً، واقتصاداً منهاراً. ثم ان تصريحات رئيسها محمود احمدي نجاد، والادعاء بان سياسته قائمة على اقتراب عودة الامام المهدي ليست سوى تغطية لهدف ايران الحقيقي الذي تعمل على تحقيقه، قبل ان تواجه انهياراً اقتصادياً كاملاً. فهي ترغب في السيطرة على حزام نفط الشرق الاوسط الممتد من اذربيجان حتى السعودية، وسوف تعمل في كل الظروف والمستجدات - اذا سُمح لها - من اجل الوصول الى هذا الهدف.
القلِق من هذه التطورات هو اسرائيل، الخائفة من استغلال ايران اعتماد واشنطن عليها فيما يتعلق بالعراق. وتفترض طهران ان واشنطن المرتبكة، ستمنع اسرائيل من الاقدام على اي مغامرة عسكرية، يمكن ان تخلط الحسابات الاميركية في العراق وفي المنطقة. لكن مصدراً غربياً قال لي: ان هذا الافتراض لم يأخذ في عين الاعتبار احتمال ان اسرائيل تريد هي الاخرى، استغلال ضعف واشنطن في هذه المرحلة، فتُقدم على توجيه ضربة عسكرية لإيران، تحبط الجهود الاميركية وتؤدي الى ما ليس في الحسبان.
رائحة ما يجري طبخه وصلت الى الانف السوري، ثم ان سماح البيت الابيض الشهر الماضي بعقد لقاء في نيويورك ما بين بيكر ووزير الخارجية السوري وليد المعلم زاد من الترقب السوري. ويدعو الكثير من المسؤولين الاسرائيليين بالذات والبريطانيين ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي ريتشارد لوغار الى الانفتاح على دمشق. وكان دايفيد كيمحي المدير السابق لوزارة الخارجية الاسرائيلية قال في عشاء اقامته احدى المؤسسات الاميركية في واشنطن اخيراً: "ان بشار الاسد يتطلع الى استرجاع الجولان، ويرغب في فتح حوار مباشر مع واشنطن". واضاف كيمحي: "ان من مصلحة اميركا استعادة سوريا من الحضن الايراني، فمثل هذه الخطوة ستريح العرب المعتدلين كما انها قد تُسهل استئناف مفاوضات السلام".
الذي يشجع على هذه الدعوات، اعتقاد الكثيرين ان علاقة سوريا بإيران تكتيكية اكثر منها استراتيجية. قد لا يجد بوش مانعاً من ان تستأنف اسرائيل وسوريا محادثاتهما، لكن سوريا تريد اكثر من الجولان، تريد استرجاع نفوذها في لبنان، وهذا ما يكرره باستمرار نائب الرئيس فاروق الشرع. وهي تراهن على ان جيمس بيكر اعطاها، بعد مشاركتها في حرب تحرير الكويت بفرقة رمزية، ضوءاً اخضر للسيطرة على لبنان عسكرياً وسياسياً وامنياً واقتصادياً. وهي تأمل ان يعيد التاريخ نفسه.
قد يريد بيكر هذه المرة اكثر من فرقة عسكرية رمزية لتأمين الاستقرار في العراق. فهل ان سوريا قادرة على دفع مثل هذا الثمن، ام ان الاوضاع في العراق سبقتها؟
على كل، رغم زلزال الانتخابات الاخيرة في اميركا الذي رفع الآمال بأن تغييراً ما سيحدث في العراق تشارك فيه ايران وسوريا، يبقى القرار الاخير بيد الرئيس بوش، فهل اذا قلب استراتيجية سياسته رأساً على عقب ينقذ ما تبقى من ولاية حكمه، ام يرمي الكرة في ملعب الديموقراطيين على اساس انهم بدأوا معركة الرئاسة الاميركية من الآن؟