جريدة الجرائد

إلغاء التصويت الإلكتروني في انتخابات البحرين يطمئن المُعارضة ويضمن للحكومة إقبالاً على الاقتراع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



المنامة - أحمد العبيدلي


شهدت التحضيرات للانتخابات النيابية في مملكة البحرين حدثاً معلوماتياً لافتاً. فعلى رغم احتفاء المملكة واهتمامها بالمعلوماتية والاتصالات المتطورة، ارتفعت أصوات كثيرة، خصوصاً من جانب المُعارضة، تُطالب بإلغاء التصويت الالكتروني E-Voting. والمعلوم ان دولاً كثيرة خاضت تجربة استعمال الشبكات الرقمية في الاقتراع العام، ولعل أقربها الى الذاكرة المنافسة الرئاسية في البرازيل وانتخابات الكونغرس الأميركي.

وفي أول تشرين الأول (أكتوبر) 2006 أعلن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ورئيس الجهاز المركزي للمعلومات البحريني الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، أنه رفع توصية المدير التنفيذي للانتخابات النيابية بعدم اعتماد التصويت الإلكتروني في انتخابات 2006. وكان ذلك بمثابة نهاية موقتة لأمرين. فمن ناحية، مثّل الإعلان نهاية للجهد الحكومي في مجال التصويت الرقمي، الذي استمر فترة غير قصيرة. فبعد اشتداد المعارضة ضده، اقتنعت الجهات الرسمية بتأخير خيار التصويت الإلكتروني حتى انتخابات 2010 على الأقل. ومن ناحية ثانية، وضع الإعلان حدّاً لنقمة المعارضة على الدولة لخيارها الإلكتروني. وحتى عام 2010، وضعت الأمور على الرف من قبل الطرفين. ولربما تغيرت الأمور بين 2006 و2010 ، وظهرت تقنيات تفرض تغييراً في هذا الموقف أو ذلك. إذن، أعطى كل من الطرفين لنفسه فسحة من الوقت للتعمق أكثر في هذه المسألة.


في ظلال الإنترنت

عاش البحرينيون الذين يملأ الملمح الالكتروني حيزاً كبيراً في حياتهم اليومية، اضطراباً كبيراً إزاء مسألة التوصّل إلى قرار على التصويت الإلكتروني.

والمعلوم إن البحرين من أكثر الدول الخليجية استخداماً للإنترنت، كما تنتشر فيها الهواتف النقّالة في شكل واسع، إضافة إلى الكثير من الأجهزة الفردية للمعلوماتية مثل الخليوي، والحواسيب النقالة (لاب توب)، وأدوات تحديد المواقع الجغرافية عبر الأقمار الاصطناعية "جي بي اس" GPS، المصطلح الذي يختصر Global Positioning System وغيرها. ويرى كثيرون ان التصويت الإلكتروني يُشكّل امتداداً طبيعياً لهذه المعالم. والمفارقة ان إلغاء التصويت الإلكتروني جاء بُعيد اعتماد البحرين للبطاقة الذكية الخليجية الموحدة، فكانت أول دولة خليجية تصدرها وتعتمدها. وأنتجت تلك البطاقة من "الجهاز المركزي للمعلومات" وهو الجهة عينها التي سعت الى تحقيق التصويت الإلكتروني في الانتخابات الراهنة.

وأشار آخرون الى قدرة التصويت الإلكتروني على حلّ معضلة أخرى للبحرينيين الذين باتت شوارعهم تعيش اختناقات مرورية غير مسبوقة نتيجة أعداد السيارات المتزايدة. ويزيد من حدّة الأمر سيارات الزائرين الخليجيين التي أضافت إلى أعداد السيارات المحلية أعداداً أخرى.

وفي مقابل هذا الفيض الميكانيكي، تُعاني البلاد شحاً في مواقف السيارات. ولذا، حدس بعضهم بأن التصويت الإلكتروني قد يُشكّل حلاً معقولاً لمشكلة الازدحام، خصوصاً ان التصويت يجري في يوم وحيد.


شكوك تقنية أو سياسية

بسب عقود من الشكوك المتبادلة بين الدولة والمعارضة، فإن غيوم السياسة غطت على التكنولوجيا. وأفسحت المجال لمعركة سجالية استفاد منها الطرفان. فأضحت الحكومة في المربع الصحيح تقنياً وترتبط بالمستقبل الذي سيشهد التصويت الإلكتروني آجلاً أم عاجلاً. وفي الجهة الأخرى، وقفت المعارضة لتأكيد ذاتها من ناحية ولإظهار قوتها من ناحية أخرى.

ولم تُجد محاولات التطمين التي سار بها أكثر من مسؤول في الدولة، كمثل تأكيد السيد محمد القائد مدير عام تقنية المعلومات في "الجهاز المركزي للمعلومات"، حين أعلن اعتماد تطبيق التصويت الإلكتروني، خلال الانتخابات النيابية والبلدية في العام 2006 بعد أن استعرض نموذجاً للجهاز الإلكتروني مبيناً قدراته. وتحدث، حينها، عن عدد من الضمانات كان أبرزها ما سمي "رصيداً للصوت" لكل ناخب لاستخدامه في حال تقديم الطعون أو إعادة الفرز. وجرياً على ما حدث عام 2002 من إعطاء دور لمنظمات المجتمع المدني في العملية الديموقراطية، تقرر إعطاء "اللجنة الأهلية لمراقبة الانتخابات" صلاحية تفحص أجهزة قاعدة البيانات الرئيسة في "الجهاز المركزي للمعلومات"، أثناء العملية الانتخابية، إضافة الى حق المساهمة في اختيار الشركة الاستشارية التي تكلف الإشراف على نظام الأجهزة الإلكترونية للتصويت. وَسَعَت الدولة إلى لقاء بعض أطراف المعارضة في محاولة للوصول إلى حل وسط . ولم يجد ذلك نفعاً، بل شكل مناسبة لتبادل التهم لاحقاً حول تلك الاجتماعات. واختصرت بعض أطراف المعارضة نقاط الاختلاف بالقول إن لديها جملة من المُعطيات تثبت وجود ثغرات فنية في منظومة التصويت الإلكتروني في مقار الاقتراع، إضافة إلى غياب الأرضية القانونية اللازمة لعملها. وشددت على غياب الإمكانات الفنية والتقنية التي تضمن استخدام الإنترنت في التصويت الإلكتروني، خصوصاً مع سهولة اختراق الشبكة، الذي تثبته سلسلة من حوادث اختراق مواقع انترنت عالمية وكثير من المواقع الحكومية البحرينية.


نقاش دستوري عن ... الورق
!


ارتدى الرأي المطالب بالغاء التصويت الإلكتروني زيّاً آخر حينما أضفى بعداً دستورياً على البطاقة الانتخابية الورقية بحد ذاتها. جاء ذلك في حديث سلمان سيادي عضو المكتب السياسي في "جمعية العمل الوطني الديموقراطي" (وعد)، الذي أشار إلى أن الدستور البحريني يفترض أن يكون حق الاقتراع منضبطاً وفق قواعد محددة ليكون في أعماله منصفاً وفعالاً، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال البطاقة الانتخابية... الورقية.

كما أشار إلى أن قانون مباشرة الحقوق السياسية نص في شكل صريح في المادة 23 على أن "يجري الاستفتاء والانتخاب بالاقتراع العام السري المباشر، ويكون إبداء الرأي في الاستفتاء او الانتخاب بالتأشير على البطاقة المعدة لذلك، وفي المكان المخصص للاقتراع".

ولا يتوافر إلا استثناء وحيد جاء في نص المادة 25 من القانون ذاته، إذ ورد أن "لكل مواطن مقيد في أحد جداول الانتخاب وتواجد خارج مملكة البحرين أن يبدي رأيه في الاستفتاء والانتخاب بالطريقة العادية أو بالوسائل الإلكترونية، وذلك وفقاً للإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير العدل والشؤون الإسلامية".

وبرز مطلب بضرورة حصول التوافق على عملية التصويت الإلكتروني، وألا يفرض القرار فرضاً. وبانعدام وجود التوافق، تبدّدت فرص نجاح التصويت.

وفي سياق متصل، لاح احتمال بأن يترافق التصويت الإلكتروني مع فرز يدوي للأوراق، ما أثار رداً مفاده أن الفرز ينفي الحاجة للتصويت الإلكتروني أصلاً. وعادت المسألة مرة أخرى لتتحول من تقنية إلى سياسية ولتثار مسألة ما قد يكتنف القضية من شكوك لإيقافها. واتجهت المناشدة الى أعلى سلطة كي تتدخل لحسم الموقف.

وزاد من هذا التجاذب أن الحكومة سعت الى انتخابات يسودها الإجماع الوطني، فحرصت على اسقاط الذرائع التي قد تُبرّر تغيّب منظمات المعارضة، على غرار ما حدث عام 2002.

وطرحت الحكومة مسائل قبل الانتخابات وعلى رأسها قضية التجنيس، وكانت على استعداد للتخلي عن قضايا أقل أهمية مقارنة بقضايا مهمة. وهكذا كان.

فتراجعت الدولة مع تأكيد الشيخ أحمد عطية الله أن التصويت الإلكتروني هو الخيار التقني المقبل لجميع الديموقراطيات في العالم. وقال إنه سيستفيد من الفترة المقبلة للعمل على تهيئة المجتمع والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، لمواكبة التطور في هذا المجال على أمل أن يحظى التصويت الإلكتروني بتأييد وتوافق تامين بين الجميع.

وفي المقابل، اعتبرت المعارضة أن إرغام الحكومة على التراجع أمر مرغوب فيه، ويغطي جزئياً تراجعها، بغض النظر عن صحته أو خطئه، عن مسألة المقاطعة.

وهكذا قبلت الحكومة ترك مسألة التصويت الإلكتروني لهذه الإنتخابات، وهو قبول موقت أو انتصار مؤجل. وحققت المعارضة نصراً موقتاً تحتاج إليه غير آبهة حالياً بحتمية بروز استحقاق التصويت الإلكتروني بعد أربع سنوات. ولكن باتت مثل هذه المشادات جزءاً من الحياة السياسية البحرينية، من دون أن تكون بالضرورة مدعاة لإعجاب الناس أو تصفيقهم لأي من الأفرقاء.


إلغاء التصويت الإلكتروني لتثبيته

ويعلق وحيد البلوشي الخبير المعلوماتي، على الالغاء بأن الإجتماع الذي أعلن القرار، وهو اجتماع ضم رؤساء الجمعيات والأحزاب السياسية البحرينية، تمخض أيضاً عن إقرار التصويت الإلكتروني، على رغم الاعتراضات والتحفظات، بتعديل بعض جوانب التنفيذ كي يكون تصويتاً إلكترونياً أشبه باليدوي. واعتبر البلوشي أن إسقاط التصويت الإلكتروني يمثّل مكسباً للحكومة قبل كل شيء، إذ بات أمامها أربع سنوات، كي تهيئ الأجواء لدراسة هذا المشروع والتخطيط له حسب الأصول المتبعة عالمياً، فيُنفّذ في الاستحقاقات الانتخابية للعام 2010.

ونصح البلوشي القائمين على الجهاز المركزي للمعلومات، وهي الجهة المسؤولة عن الخطة، بألا يتوانوا عن العمل على هذا المشروع منذ اللحظة الأولى بعد الانتهاء من الانتخابات المقبلة. وأعرب عن أمله في أن ينفذ المشروع هذه المرة في شكل صحيح ومحترف، وأن يستعينوا بخبرات معمقة وبمستشارين من أصحاب الخبرة. ودعا إلى تنفيذ المشروع بفريق مختلف تماماً عن الفريق الذي عمل عليه حتى الآن.

وينتظر المراقبون تبلور سمات المجلس الجديد بعد انتخابات 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وربما يصبح التصويت الإلكتروني أحد قرارات المجلس المقبل، ولربما تضاءلت أهمية القضية برمتها أمام مستجدات أشد التهاباً، لتصبح تحصيل حاصل بفعل التقادم أمام المسار المتسارع للتطور التكنولوجي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف