نصر الله يطلق حملة «إسقاط الحكومة الأميركية» في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بيروت - محمد شقير
بدأ المشهد السياسي اللبناني يقترب من اكتمال عقد مواجهة ساخنة بين الأكثرية والأقلية، قد تكون الأعنف في تاريخ لبنان، خصوصاً بعدما حسم الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله أمره، اذ أعلن أمس امام قيادات الحزب وكوادره الاستنفار الشامل والتعبئة القصوى استعداداً للنزول الى الشارع، بالتنسيق مع حلفائه، وفي وقت لم يعد بعيداً وربما خلال ساعات أو ايام قليلة لإسقاط "الحكومة الأميركية" التي "لم تعد مؤتمنة على القرار السياسي لأن مشكلتها الرئيسة انها تلتزم قرارات وإملاءات الإدارة الأميركية" بحسب تعبيره.
ولم يحدد نصر الله الذي دعا المحازبين والمؤيدين الى "الاستعداد نفسياً" للنزول الى الشارع، ساعة الصفر لبدء التحرك العملي على الأرض، لكنه حصل على تفويض على بياض من قيادة الحزب تتيح له إصدار الأوامر للنزول السلمي في غضون ساعات محدودة، وسيتزامن الضوء الأخضر لإطلاق الإشارة على هذا الصعيد، كما أكدت لـ "الحياة" مصادر حزبية بارزة، مع دعوة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مجلس الوزراء الى الانعقاد لإقرار مسودة إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ونظامها الداخلي، بعد ورودها من مجلس الامن، تمهيداً لتحويل المسودة الى مشروع قانون يحال على رئيس الجمهورية اميل لحود لتوقيعه أو رده، الأمر الذي سيترتب عليه مضاعفات سياسية ودستورية.
وتابعت المصادر ان "حزب الله" سيقرر بعد التشاور مع حلفائه، النزول الى الشارع وفي خطوة استباقية قبل موعد عقد الجلسة للحؤول دون حصولها، فيما استكملت قوى حليفة للحزب استعدادها للنزول الى الشارع بدءاً من اليوم، وهذا ما اقترحته على قيادة "حزب الله". ويحبذ "التيار الوطني الحر" بقيادة العماد ميشال عون بدء التحرك بين مساء غد الثلثاء أو صباح الأربعاء على أبعد تقدير، أي قبل موعد الاحتفال الذي تقيمه قيادة الجيش اللبناني في حضور الرؤساء الثلاثة في ثكنة الفياضية، لمناسبة الذكرى الثالثة والستين لاستقلال لبنان.
ومع ان نصر الله أراد في خطابه امس امام مسؤولي "حزب الله" وكوادره ان يحسم الجدل القائم حول النزول الى الشارع، فإنه لم يقفل الباب كلياً في وجه احتمال تجدد الوساطات بين الأكثرية والمعارضة إنما على اساس الموافقة على واحد من خيارين: "إما قبول تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإما الإسراع في الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، ليعرف كل طرف حجمه التمثيلي في البرلمان... وإلا لا مفر من النزول الى الشارع لإسقاط الحكومة".
وكان لافتاً ان خطاب نصر الله حمل جديداً هذه المرة، من خلال حرصه على مخاطبة أبناء الطائفة السنية، مؤكداً عدم صحة ما تشيعه الأكثرية من ان هدف النزول الى الشارع يكمن في ضرب أهل السنّة في لبنان، بالتالي ضرب اتفاق الطائف وإقامة الشيعة لدولتهم والحؤول دون قيام المحكمة الدولية. وأعلن ان "حزب الله" مع هذا اتفاق الطائف ومع "الصلاحيات التي أعطاها لرئيس الحكومة الذي ينتمي الى الطائفة السنية".
كما نفى نصر الله ان تكون لاستقالة الوزراء الشيعة علاقة بمناقشة مسودة المحكمة الدولية، وقال: "أتحداهم ان يثبتوا ذلك، وليشكلوا حكومة وحدة وطنية ويجربوا موقفنا ليتأكدوا انه بخلاف ما يدعون". وشدد على ان التحرك لإسقاط الحكومة سيتم بالوسائل الديموقراطية، جازماً بأنه ستكون لهذا التحرك "خطوط حمر من غير الجائز تجاوزها"، ومركزاً ايضاً على "منع الشغب والتعرض للممتلكات الشخصية والعامة، أو التصادم مع الشارع الآخر سواء قرر النزول في مواجهتنا أو اختيار شارع آخر".
وفيما لم يصدر أي رد فعل عن الرئيس السنيورة الذي اكد لـ "الحياة" انه يتريث في تحديد موقفه الى حين الانتهاء من قراءة كل ما صدر عن نصر الله بدقة، ومن ثم التشاور مع الوزراء وحلفائه في الأكثرية، كان لرئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط موقف من النزول الى الشارع، تحدث عنه امام الجمعية العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي التي عقدت امس في بلدة بعقلين، قبل ساعات من بث محطة "المنار" خطاب نصر الله.
ورأى جنبلاط ان لبنان على مشارف انقلاب سياسي، مشيراً الى ان "البادئ بالشغب يتحمل المسؤولية امام الشعب والتاريخ". وزاد انه سمع ان مبدأ المحكمة الدولية مرفوض عند البعض الذين هم على مشارف انقلاب في البلد بدءاً بالنزول الى الشارع والاستقالات من الإدارات الحكومية وإعلان العصيان المدني، والاستقالة من المجلس النيابي.
وقال جنبلاط في معرض تحذيره هؤلاء: "نحاول ان نجنب البلد مسؤولية أي توتر مذهبي او طائفي حتى لو خسرنا في بعض المواقع، المهم ان ينتصر الشعب اللبناني وأن ننتصر نحن اخلاقياً وسياسياً".
وعلمت "الحياة" انه كانت لجنبلاط مداخلة في الجلسة المغلقة للجمعية العمومية، أكد فيها ان كلامه لا يدعو الى الإحباط وإنما الى "الشجاعة بعدم التهور والانفعال لأننا لا نريد الذهاب الى حرب يجرنا إليها البعض أو إلى ما يحضره لنا النظام السوري الذي يخطط لتفجير الأوضاع في البلد لدبّ الفوضى فيه وصولاً الى تخريبه، وهذا ما يدعونا الى التصرف بمسؤولية، ولدينا من الخيارات بالتنسيق مع حلفائنا في قوى 14 آذار لمواجهة ما يخطط له، إضافة الى الاستمرار بالتواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أعتقد انه صادق في الوصول الى مخرج ولكن علينا ان نقدّر ظروفه وأن نأخذها في الاعتبار".
الى ذلك، رأى رئيس "كتلة المستقبل" النيابية سعد الحريري ان "الذهنية المطلوبة للدخول الى حكومة وحدة وطنية هي الإرادة لحل المشاكل وليس افتعالها في مجلس الوزراء". وقال في مقابلة أجرتها معه قناة "الجزيرة" الناطقة بالإنكليزية ان هناك "مسائل خلافية مثل رئاسة الجمهورية والمحكمة الدولية والقرار 1701 وباريس -3، وأعتقد بأن لفريق 8 آذار مشكلة مع هذه المسائل الثلاث". وأضاف: "نريد ان نمنح الأمل للبنانيين ولكن لسوء الحظ هناك الطرف الآخر الذي لا يريد ملاحقة الأشخاص الذين قتلوا رفيق الحريري وارتكبوا الجرائم الأخرى، ونريد من ملاحقة القتلة حماية لبنان واللبنانيين بمن فيهم الرئيس بري والسيد نصر الله وكل السياسيين".
ويبقى السؤال: أين يقف بري من الاستعدادات للنزول الى الشارع، وإلى ماذا انتهى تواصله في الساعات الماضية مع قيادة "حزب الله" قبل ان يتوجه بعد ظهر امس الى الجنوب ليعود منه ليلاً الى بيروت؟
وفي الإجابة عن السؤال، ترفض مصادر في حركة "أمل" الدخول في سجال حول النزول الى الشارع، لكنها تؤكد لـ "الحياة" ان رئيس المجلس لا يميل حتى الساعة الى التحرك في الشارع وإنما علينا مواكبة التطورات المتسارعة لنقرر موقفنا النهائي، علماً ان ما كان يُطرح في السابق بالنسبة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجاوزته الأحداث ولم يعد مقبولاً، بالتالي ليس بين يديه الآن ما يطرحه لإعادة الاعتبار للتشاور، لعله ينجح في اختراق الحائط المسدود لمصلحة التفاهم على مخرج ما.
في المقابل، أكدت مصادر في "حزب الله" لـ "الحياة" انها على تشاور مع بري وتدعو المعارضة الى عدم القلق على موقفه، والكف عن الانشغال بالسؤال عن موقفه أو الرهان على اختلافه مع الحزب، خصوصاً ان من هم في السلطة كانوا وراء إفشال الجلسات التشاورية.
وسألت مصادر وزارية، هل بإمكان "حزب الله" ان يدفع باتجاه تشكيل حكومة انتقالية، وهل سيحقق له رئيس الجمهورية اميل لحود الغرض المنشود من وراء دعوته هذه، بالدعوة الى إجراء استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة، ومع من سيجريها طالما ان الأكثرية لن تشارك لأنها لا تريد ان تثبت له نظريته بعدم شرعية ودستورية الحكومة الحالية.
كما سألت المصادر ذاتها "كيف سينسجم حزب الله مع الأكثرية بعدما اتهمها امينه العام بالتخوين وشكك في مواقفها ومن قال لك أن الأكثرية وإن كانت تفضّل حالياً عدم الدخول في نزاع مع بري ستتردد في الطلب منه دعوة المجلس النيابي الى الانعقاد لتجدد ثقتها بالحكومة. وعلى كل حال لا بد من مواكبة ما سيصدر عن رئيس المجلس من مواقف لنقرر الخطوات اللاحقة لتحركنا".