جريدة الجرائد

اليمن ومجلس التعاون والمركب الواحد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله


كان "مؤتمر المانحين لدعم التنمية في اليمن" الذي أنعقد في لندن قبل أيّام خطوة في أتجاه تصحيح الأوضاع السائدة في المنطقة العربية عموماً وفي شبه الجزيرة العربية تحديداً. تدلّ على ذلك نتائج المؤتمر الذي توّج بحصول اليمن على مساعدات وتسهيلات مالية بقيمة أربعة بلايين وسبعمئة مليون دولار. هذا الرقم مهمّ وكان من الأفضل لو زاد على ذلك. لكنّ ما هو أهم من الرقم مشاركة أربعين دولة ومؤسسة دولية في مؤتمر لندن الذي كان بين الداعين له مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزارتا التنمية التنمية الدولية والخارجية البريطانيتان فضلاً عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية وصناديق التنمية في دول مجلس التعاون ومؤسسات دولية وأسلامية عدّة.
جاء نصف المساعدات والتسهيلات من دول مجلس التعاون. وكان الرئيس علي عبدالله صالح، الذي جاء ألى لندن للمشاركة في المؤتمر فحضر جلسة الأفتتاح وكان أبرز المتحدثين في المؤتمر الصحافي الذي أختتم به المؤتمر، في غاية الوضوح عندما تحدث عن بداية"مرحلة الشراكة الحقيقية" بين دول مجلس التعاون من جهة واليمن من جهة أخرى. والواقع، أنه يفترض في العلاقة بين الجانبين أن تدخل مرحلة أكثر تقدّماً في مجال الشراكة، أي ألى مرحلة وحدة الحال من زاوية أن اليمن يُعتبر الحديقة الخلفية لمجلس التعاون والخزّان البشري العربي فيه. والأكيد أن هذا الخزّان عنصر من العناصر المهمّة التي تحافظ على التوازن السكاني في المنطقة على نحو يصبّ في حماية عروبتها. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الحجم السكّاني لليمن في المنطقة ولا يمكن في الوقت ذاته تفادي الأعتراف بأنّ بعض دول المنطقة تشكو من طغيان العمالة الأسيوية وغير الأسيوية بما يطرح في المديين المتوسّط والبعيد ، وثمة من يقول في هذه الأيّام بالذات، مشاكل من النوع الذي يؤدي ألى أنعكاسات سلبية على التركيبة السكّانية في منطقة الخليج.
بعيداً عن هذا النوع من المشاكل التي تتحدث عنها شخصيات خليجية تتمتع بالشجاعة منذ فترة طويلة ولكن من دون أن يؤدّي ذلك ألى أيّ اجراءات ذات طابع عملي على صعيد التصدّي لها، لا بدّ من الأعتراف بأنّ التقارب بين اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية دخل مرحلة مختلفة. ستقود هذه المرحلة عاجلاً أم آجلاً ألى أنضمام اليمن ألى المجلس بعيداً عن الحساسيات المبالغ بها والتي كانت سمة ميزّت العلاقات بين صنعاء وعدد من العواصم الخليجية. كان هناك دائماً من يتحدّث عن وجود عقبات كبيرة في وجه ايّ تقارب بين اليمن ومجلس التعاون. بين هذه العقبات أنزعاج بعضهم من الوحدة اليمنية ومن التعددية الحزبية في اليمن وحتى من النقاش المفتوح الذي يشهده مجلس النوّاب اليمني، وهو نقاش كان ينقل مباشرة عبر التلفزيون ويعطي فكرة عن الحياة السياسية في البلد الفقير في حين أن مثل هذه الحياة غائبة عن دول غنيّة مكتوب على شعوبها أن تكون محرومة من أي نشاط ذي طابع سياسي، وكأنّ هذه الشعوب لم تبلغ بعد سنّ الرشد. وكان هناك أنزعاج من قدرة اليمن على أتّباع سياسة متحررة على غير صعيد من أيّ وصاية خارجية من أي نوع كان. وكان هناك من يتذرّع في الماضي بأنّ اليمن يتّبع نظاماً مختلفاً عن أنظمة كلّ الدول الأخرى في مجلس التعاون نظراً ألى أنّه الجمهورية الوحيدة في المنطقة المحيطة به. وكان ذلك بمثابة سبب كاف لأستبعاده عن المجلس، أقلّه بالنسبة ألى بعضهم. ومن الذرائع الأخرى التي أستُخدمت لمنع اليمن من أن يكون على علاقة عضوية بمجلس التعاون، ذريعة أن لديه مشاكل حدودية مع البلدين اللذين لديه حدود برّية معهما أي مع سلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعودية. أستطاع اليمن التوصّل ألى أتفاق مع عُمان في شأن الحدود. وفي العام 2000 ، توصّل ألى معاهدة مع السعودية وضعت حدّاً لنزاع عمره ما يزيد على ستّة عقود. وألى الآن هناك من لا يصدّق أن هذا الأمر قد حصل!
على الرغم من أنّه لم تعد هناك مشاكل تذكر بين اليمن ودول مجلس التعاون، بقيت العلاقة بين الطرفين تراوح مكانها، علماً أن الرغبة اليمنية في البحث في تقارب جدّي مع مجلس التعاون ظهرت ألى العلن في العام 1996 . وأذا كان لا بدّ من كلمة حقّ تقال، فهي أن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمتلك وقتذاك ما يكفي من بعد النظر لدعوة الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون ألى البحث في العلاقة مع اليمن. وكانت سلطنة عُمان العضو الآخر الوحيد الذي أبدى وقتذاك نوعاً من التفهم لهذا الموضوع الحسّاس.
تغيّر العالم وتغيّرت المنطقة. هناك بكلّ بساطة تحدّيات جديدة تواجه دول شبه الجزيرة العربية بما في ذلك اليمن. لذلك، بدا التقارب بين صنعاء والعواصم الخليجية الأخرى أكثر من حتمي. هناك حاجة ألى التفكير بطريقة مختلفة تقوم على أن أمن المنطقة كلّ لا يتجزّأ. وبكلام أوضح، أن أمن اليمن من أمن دول مجلس التعاون والعكس صحيح. ومن هذا المنطلق، كان طبيعياً أن تبدأ عملية أزالة الحساسيات التي تحكّمت بالعلاقة بين الطرفين تمهيداً لتجاوزها بشكل نهائي في مرحلة ما. لم يعد طبيعيّاً أن تكون اليمن مهدّدة من داخل بسبب مواردها المحدودة بعدما قطعت شوطاً بعيداً على طريق القيام بالأصلاحات السياسية التي تتماشى مع عملية دخول القرن الحادي والعشرين. وتوّجت الأصلاحات بالأنتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر- أيلول الماضي . شهدت الأنتخابات تلك تنافساً حقيقيّاً بين علي عبدالله صالح وآخرين على رأسهم مرشّح المعارضة ممثّلة بلقاء أحزاب "اللقاء المشترك".ولم توفّر المعارضة طريقة ألاّ وأستخدمتها من أجل أسقاط الرئيس اليمني...
كان لا بدّ من الأصلاحات السياسية. لكنّ هذه الأصلاحات لا تكفي لتكريس الأستقرار في البلد. أن الأستقرار السياسي تحقق ألى حدّما في اليمن الذي أستطاع تجاوز كلّ العقبات التي واجهت البلد بعد أستعادته وحدته في الثاني والعشرين من مايو- أيّار 1990 . لكن هذا الأستقرار يظل نسبياً، حتى لا نقول مهدّداً، من دون الأمن الأقتصادي والأجتماعي. وكان الرئيس اليمني في غاية الصراحة في لندن عندما تحدّث عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها بلاده وعن ضرورة السعي ألى أيجاد حلول لها. لم ير علي عبدالله صالح عيباً في القول أن المواطن اليمني يريد الدواء والخبز والمياه والطاقة وأن المعركة هي مع الفقر والجهل والبطالة. في النهاية، كان لا مفرّ من ظهور وعي خليجي ألى جانب وعي دولي لأهمّية دعم اليمن في عملية التنمية، ذلك أن لا شيء يشجع على نشوء الأرهاب ونموّه أكثر من الجهل والفقر. أكثر من ذلك، ماذا ينفع دولة مثل السعودية أذا أقامت جداراً أمنيّاً على طول حدودها مع العراق، وهو ما تفكّر فيه جدّياً هذه الأيّام، ولم تلتفت ألى ما يدور في الحديقة الخلفية لدول مجلس التعاون، أيّ ألى ما يدور في اليمن؟ الجميع في مركب واحد. ولذلك، أنّ الأستثمار في الأستقرار اليمني عن طريق توفير الدعم الأقتصادي لهذا البلد هو بمثابة أستثمار في الأمن الخليجي أيضاً... وفي ما هو أبعد من ذلك أيضاً نظراً ألى العلاقات التي تربط اليمن بالقرن الأفريقي وتأثّره بما يدور في تلك المنطقة.
لا يمكن الحديث عن "مؤتمر المانحين لدعم اليمن" بصفة كونه مجرّد خطوة متواضعة في الطريق الصحيح، أي في أتجاه بدء ربط اليمن بمجلس التعاون. ما حدث كان منعطفاً في أتجاه حسم موضوع العلاقة بين اليمن ودول مجلس التعاون. هناك بأختصار تحديات جديدة وكبيرة أمام الجميع ليس في أستطاعة أيّ طرف تجاهلها. أنها تحدّيات من النوع الذي يفرض تجاوز كلّ أنواع الحساسيّات في وقت يبدو الشرق الأوسط كلّه مقبلاً على أحداث ضخمة يصعب التكهن بالنتائج التي ستترتّب عليها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف