مفارقات خطاب نصرالله وارتباكه ’’العمليّ’’
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نصير الأسعد
كثيرة جداً جداً هي المفارقات التي "حفل" بها الخطاب التعبوي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمام الكوادر الحزبية. بيدَ أن من بينها جميعاً، ثمة مفارقةٌ رئيسية لا بد من تسليط الضوء عليها.
بذل السيد نصرالله مجهوداً كبيراً في سبيل القول أن التحرك الذي ينخرط "حزب الله" فيه لا بل يقوده بهدف إسقاط الحكومة، ليس تحركاً طائفياً أو مذهبياً، بل هو تحرّك "وطني" تشارك فيه قوى سياسية من كل الطوائف. قام السيّد بـ"لملمة" كل من تذكّره ليضمّه الى التحرّك من أجل إثبات أن "المعركة" ذات طابع وطني.
الاستقالة من الحكومة "وطنية" أم مذهبية؟
إذا كان ما قاله نصرالله صحيحاً، من المفترض أن تكون الاستقالة التي قدّمها وزراء "حركة أمل" و"حزب الله" من الحكومة استقالة "وطنية"، أي سياسية "عامة" نيابةً عن التحالف الذي يقوده "حزب الله" تحت عنوان "المعارضة". وإذا كانت الاستقالة "وطنية" بهذا المعنى، فإن الحكومة بعد هذه الاستقالة لا تكون غير شرعية وغير دستورية كما قال، لأن الدستور يؤكد أن الحكومة تبقى قائمة طالما أن أكثرية الثلثين فيها موجودة.
لا يخفى على السيد نصرالله أن النقاش الذي دار في الأيام الماضية من جانب الساعين الى إسقاط الحكومة، تركّز حول نقطة أن استقالة ممثّلي الطائفة الشيعية تفقد الحكومة القائمة بُعدها الميثاقي. وبهذا المعنى، فإن الاستناد الى قول "الخبراء" بحسب السيّد، يعني أن الاستقالة كانت استقالة مذهبية ولم تكن "سياسية". الاستقالة "السياسية" تعني أن فريقاً سياسياً خرج من الحكومة، بينما تعني الاستقالة المذهبية أن فريقاً مذهبياً خرج منها. والحال أن الاستقالة قرّرها فريقا الثنائية الشيعية من دون مراجعة أحد من "المعارضة" كما قال نصرالله بنفسه، وكما سبق لأعضاء في الكتلة النيابية للجنرال ميشال عون أن أكدّوا.
وعلى السيد أن يقرّر تالياً طبيعة الاستقالة التي تقدّم بها وزراء "الثنائية"، لا أن يكون "وطنياً" عندما يخدمه هذا القول وأن يكون شيعياً عندما يلزم الأمر، وذلك بصرف النظر عن المترتّب الدستوري الذي ثمّة اجتهادات كثيرة بشأنه.
"الالتباس" لتغطية الموقف من المحكمة الدولية
غير أن هذه المفارقة، أي "الالتباس" الذي يحيط "حزب الله" موقفه به، ليس صدفة، بل هو التباس مقصود كما يتبيّن من نقطة أخرى في خطاب نصرالله.
"الالتباس" المقصود لتغطية المفارقة يتجلّى لدى حديث نصرالله عن المحكمة الدولية. فعلى الرغم من كل الجهد المبذول لإقناع اللبنانيين بأن "حزب الله" لا يقف ضد المحكمة الدولية، فإن السيد وقع في "الفخّ".
روى أن قطباً من فريق 14 آذار دخل على الرئيس نبيه بري في حضور رئيس وفد "حزب الله" الى التشاور النائب محمد رعد، وعرض مقايضة المحكمة الدولية بـ"حكومة الوحدة الوطنية"، وقال "أعطونا المحكمة الدولية وخذوا أكثر من الثلث". وعلى افتراض أن هذه الرواية كانت حقيقية، فإن الجواب على هذا العرض كما شرحه نصرالله كان الآتي: إذا كنتم تقصدون الموافقة "المبدئية" على المحكمة الدولية فقد سبق لنا أن أبديناها على طاولة الحوار.. قبل أن "يصوّب" نصرالله ليقول: تعالوا نقرّ المحكمة الدولية في حكومة وحدة وطنية.
يُستنتج من "الرواية" أن المقايضة المزعومة تضمّنت عرضاً فعلياً هو إعطاء "حزب الله" وحلفه الثلث المعطّل أي ما يطالب به، في حين أن الردّ عليها كان "هوائياً": الموافقة على المحكمة الدولية "في المبدأ". فإذا كان القطب في 14 آذار يعرض إعطاء ما يزيد عن الثلث المعطّل في مقابل الإقرار المسبق للمحكمة الدولية، لماذا يرفض "حزب الله" إن لم يكن هدفه عدم إقرار المحكمة الدولية؟ لماذا يرفض إن لم تكن "حكومة الوحدة الوطنية" بهدف الحؤول دون إقرار المحكمة الدولية؟
إعلان لادستورية الحكومة بهدف منع إقرار المحكمة
وعلى أي حال، لم يستُر نصرالله هدف منع الإقرار اللبناني للمحكمة الدولية. أعلن أن الحكومة ساقطة شرعياً ودستورياً، وأن لبنان أضحى بلا سلطة إجرائية، ليضيف أنه لم يعد يحقّ لها تحويل أي مشروع قانون الى المجلس النيابي. كيف لم يتذكّر السيد من صلاحيات الحكومة إلاّ هذه الصلاحية، صلاحية إحالة مشاريع القوانين الى مجلس النواب؟ لأن الاتفاقية بين لبنان والأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة الدولية سيُحالان بمشروع قانون الى المجلس النيابي. ولأن الأمر لن يتأخّر بعد إقرار مجلس الأمن في غضون ساعات الاتفاقية والنظام.
إذاً، لا جدال في أن المفارقة ـ الالتباس تخدم لدى نصرالله هدف منع المحكمة الدولية، وهو يُلزم الرئيس نبيه بري مسبقاً بسلوك معيّن في الأيام المقبلة. أما هدف منع المحكمة الدولية فقد صار معروفاً ولا حاجة إلى تكراره: حماية النظام السوري ومنع المحاكمة عنه.
"حزب الله" يثير إشكالية شيعية ـ سنية و"يستهولها"
على انّ للمفارقة ـ الالتباس بعداً آخر. فإذا كان نصرالله يتلطّى بـ"وطنية" التحرك لإسقاط الحكومة، فيما لا يخفى ان التحرك مذهبي، فإن هذا "التلطّي" يخدمه كي ينفي وجود أي إشكالية شيعية ـ سنيّة.
لا شك ان السيّد "يستهول" الإشكالية الشيعية ـ السنيّة. وجيد جداً أن يكون ثمة ما يستهوله السيّد ويخشاه. وجيد جداً أن يعترف هو نفسه بأن هذا الأمر يمثل "نقطة ضعفنا".
هنا، يظهر ان نصرالله "يعي" جيداً ان التحرك لإسقاط الحكومة ليس تحركاً عابراً للطوائف ووطنياً، لأن من يتصدّره ومن يشكّل "قوته الضاربة" فريق شيعي. والأمر هو كذلك بالفعل. ذلك ان من "يلملمهم" الحزب من الطوائف الأخرى، لاسيما سنيّاً ودرزياً لا يمثلون البيئة السنيّة، وهم يلتحقون به لحسابات سورية. أما الفريق الماروني الذي يتحالف معه، فقد أدى "عسكريّته" أي انه قدّم التغطية اللازمة لمشروع "حزب الله" ولـ"الممّر" الذي اجتازه هذا "المشروع" أي حرب تموز. وهو اليوم ـ أي الفريق الماروني الحليف ـ لا يستطيع تغطية نفسه مسيحياً. ولذلك، "يهرب" نصرالله من هذا الواقع ليتّهم فريق 14 آذار بـ"التمترس" خلف الطائفة السنية وفي داخلها. فإذا كان حلفاؤه من السنيّة السياسية التابعة للنظام السوري يمثلون تغطية سنيّة بالفعل، هل كان السيّد ليثير هذه الإشكالية وهل كان ليخاف من وجودها أصلاً؟
صحيح ان خطر فتنة شيعية ـ سنيّة يُفترض ان يخيف "حزب الله". وصحيح كما قال نصرالله ان هذا الموضوع يشكّل نقطة ضعف أو "مكمن وجع" للحزب. غير ان المضيّ في "التحرّك" بالرغم من هذا "المحظور" لا ينسجم مع المقدّمات، مع انه كان واضحاً تماماً في خطاب نصرالله ان "المسألة السنيّة" مصدر ارتباك.
"عسكرة" التحرّك والارتباك
وفي مفارقات الخطاب نفسه من ناحية أخرى، ان "التحرك" أشبه بـ"عملية عسكرية".
يتحدث نصرالله عن "الخطة". يقول ان لها ساعة صفر لكنه لا يحدّدها. "يمكن أن ندعوكم قبل 24 أو 12 ساعة، قبل 6 ساعات أو ساعتين"، يقول، "أريدكم أن تكونوا مستعدين نفسياً للنزول إلى الشارع".
أيّ "تقليد" هذا الذي يستند إليه في العمل السلمي الديموقراطي؟ ومنذ متى كان العمل الديموقراطي سرّياً أو مزيجاً من السرّية والعلنية؟ ومتى كان التحرك "الشعبي" نزولاً عسكرياً وأمنياً ـ مخابراتياً؟ وهل المدعوون إلى "حفلة الشارع" فرق حزبية أمنية؟
وإذا كان ردّ الفعل من مناصريه على الخطاب إطلاق النار "ابتهاجاً" فما الذي يعد به نصرالله اللبنانيين؟. أليس في هذه الخطة نمط انقلابي موصوف؟.. ثم ما معنى أن يختم نصرالله خطابه بـ"وعد النصر" سوى انه يتعامل مع الآخرين على أنهم أعداء لا شركاء؟
كل هذه الأسئلة ـ الأجوبة تُطرح بالفعل، بالرغم من أن "الخطة العسكرية" تعني ان الارتباك في "التحرك" قائم فعلاً. ويشير الارتباك ربما إلى ضغوط ما إقليمية وداخلية، من حلفاء الحزب الإقليميين والمحليين من أجل تسريع النزول إلى الشارع، حيث يبدو هؤلاء جميعاً على عجلة من أمرهم، و"يعدّون" الساعات، في حين ان اتكالهم هو على الحزب.
ومهما يكن من أمر، فإن "حزب الله" يغامر بـ"صدام أهلي" سوف يطيح لو حصل بكل ما حاول أن يراكمه على الصعيد العربي والإسلامي، وبكلّ "الصورة" التي حصّلها تحت عنوان الصراع مع إسرائيل.
14 آذار: المحكمة الدولية ستمرّ
في المقابل، من الخطأ الظنّ أن حركة 14 آذار "مذعورة" أو أنها تكتفي بـ"التفرّج".
بطبيعة الحال، ان فريق 14 آذار معنيٌّ بأن لا يفرض التحالف السوري ـ الإيراني، الذي يقف "حزب الله" على رأسه، ممّراً عنفياً على البلد مهما قال نصرالله عن "حضارية" التحرك و"سلميّته". لكن فريق 14 آذار الذي يكرّر أركانه أن لا مساومة على المحكمة الدولية مع الاستعداد لـ"تسوية" شاملة في سائر العناوين الأخرى، لن يبادر إلى "المواجهة" ويعرف جيداً ان "حزب الله" هو الذي يقدّم بخطابه وأدائه كل عوامل "تعبئة" جمهور 14 آذار. ويعرف جيداً أيضاً ان "من يضحك جيداً هو من يضحك أخيراً". وليس على عجلة للنزول إلى الشارع لأنه لن "يلعب" بالضرورة على "أرض" الفريق الآخر.
المحكمة الدولية مسألة ساعات في مجلس الأمن الدولي وتنتهي. ستعيد الأمم المتحدة الاتفاقية والنظام الأساسي بصيغتيهما النهائيتين الى الحكومة اللبنانية. ستحيلهما الى مجلس النواب، بتوقيع إميل لحود أو بدون توقيعه بعد انقضاء مهلة الخمسة عشر يوماً.
سيكون موقف الرئيس بري على المحك. إذ ذاك ستكون أسئلة عديدة مطروحة تدور جميعاً حول ما إذا كان رئيس المجلس سيمتنع عن إرسال مشروع القانون الى اللجان ومن ثم الى الهيئة العامة.
عندئذ وفي ضوء موقف رئيس السلطة التشريعية، سيكون لفريق 14 آذار موقفه "الدستوري" والسياسي والشعبي. لكن المؤكد أن حركة 14 آذار لن تمرر هذا الاستحقاق الذي سيكون له "تحرك خاص" قائم بذاته.
بيد أن ما ينبغي قوله ختاماً هو الآتي: من النادر جداً أن يكون المبادر الى الهجوم مرتبكاً الى هذا الحد فيما الواقف على خط الدفاع هو الأكثر تماسكاً.. وفي موقع القدرة على المبادرة. لكن هذا الأمر "النادر" قائم اليوم بالفعل. والسبب الرئيسي في ذلك، هو أن الأفق السياسي مسدود أمام التحالف الذي يقف "حزب الله" على رأسه، بينما الأفق مفتوح أمام ما يطرحه فريق 14 آذار. الأفق مسدود أمام من يدافع هجومياً ومفتوح أمام من يهجم دفاعياً. مسدود في وجه مَن خطابُه مبنيّ على "ضد" ومفتوح في وجه من لديه شيء بالإيجاب وليس بالسلب. فهل يستطيع "حزب الله" أن يقول للبنانيين مع ماذا هو؟ هنا نقطة الارتباك الإضافية الأخرى.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف