جريدة الجرائد

رئيس البوسنة يشاهد الجزيرة ويحلم بلقاء هيكل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يوسف القعيد


عندما توقفت سيارة يس رواشدي في شارع فرهد باشا. وكان يأخذنا للقاء الرئيس البوسني. سألته: هل يسكن الرئيس في هذا الشارع الذي يقع في قلب سراييفو الشعبي؟ قال لي ومن أدراك أننا سنذهب إلي بيت الرئيس أو مكتبه؟ قلت لنقابله. قال لي سنقابله في كافيتريا أو مقهي إيروبلان. والرئيس اسمه بالكامل حارث كامل مصطفي صيلايجيتش. كتبت الاسم أمامه في دفتري. وصحح لي الحرف الأخير من اسمه الأول. ثاء وليس سيناً. أما اسم العائلة فهو يبدأ بالصاد وليس السين. سألني كيف تعرفت علي يس رواشدي. قلت له لدينا صديق مشترك هو أحمد منصور. رفع حاجبيه وسألني عنه. قلت له إنه يهديك السلام والتحية. قال يس رواشدي إنه صديق أحمد منصور. ومن الجزيرة يعرف حسين عبدالغني مدير مكتب القاهرة. كما أن أسعد طه عمل هنا في سراييفو فترة سواء صحفياً أو إعلامياً. والرئيس البوسني الجديد من مدمني مشاهدة الجزيرة. وإن كان يحرص علي رؤية حلقات الأستاذ هيكل مساء الخميس من كل أسبوع ولأنه عبر عن شدة حنينه لمصر. سألته: ماذا تريد أن تري في مصر الآن؟ كانت مفاجأة إجابة السؤال أكبر من كل توقع. عندما قال لي: أريد مقابلة الأستاذ هيكل. سألته: وهل تعرفه؟ قال لي أعرفه ولا أعرفه. وأحلم بالتعرف إليه وعليه ذات يوم.

ثم أخذ الرئيس ناصية السؤال وسألني: هل تعرف هيكل؟ قلت له: نعم. عاد يسألني: وهل تراه بسهولة؟ قلت له نعم. وعندما طلبت من الرئيس شرحاً وإيضاحاً. لجملته التي يعبر فيها عن رغبته في رؤية هيكل. وتبدو في غموض الشعر. قال لي: انني أتابعه من زمان عندما كان رئيس تحرير الأهرام. للأسف لم أتمكن من متابعته أيام أن كان في الأخبار. وأنا حزين لهذا. كنت أصغر من القيام بذلك. الأستاذ هيكل عنده عقل صحفي. يدون ويسجل كل ما يمر به. وذاكرته - علاوة علي أوراقه - أكثر من قوية. وإن كان يعتمد علي مدوناته أكثر من الاكتفاء بالذاكرة. إنه إنسان مرتب. دقيق. منظم. وهذه كلها من قراءاتي له ومتابعاتي لكل ما يصدر عنه. عنده تحليلات صائبة. يثبت الزمن مدي دقتها. لكن أهم شيء عند هيكل مدي اعتزازه بكونه صحفياً. هو يحب أن يكون صحفياً وكفي. حتي عندما كان وزيراً في زمن عبدالناصر. كان يقدم الصحافة علي الوزارة. فعل هذا رغم عظمة عبدالناصر الحقيقية. نحن مازلنا نتعلم من تجربته حتي الآن. لقد مات عبدالناصر منذ أكثر من ثلاثين سنة. ومع هذا مازالت لدي هيكل مصادر أخبار توشك أن تصل إلي حدود المعجزات. كما أنه يتحري الدقة في كل ما يكتبه.

تشعر أن لديه وثائق تثبت صحة ودقة كل حرف ينطق به. سألني الرئيس حارث عن تاريخ ميلاد هيكل. قلت له إنه مولود في 23/9/1923، قال لي إن عمره إذن 83 عاماً. ثم استدرك قائلاً: إن هذا العمر لا يبدو عليه. ثم تساءل: ماذا يفعل هذا الرجل حتي يبدو بكل هذه الحيوية والنشاط؟ وقبل أن أجيب سألني: متي ينام؟ ومتي يستيقظ؟ وماذا يأكل؟ وماذا يشرب؟ وأي الأدوية يتعاطي حتي يحتفظ بشبابه بهذه الصورة؟ قلت له إنه ينام في الثامنة مساء. قال إذن: أنا أنتمي إلي فصيلة المنقرضين من البشر. من الذي ينام في الثامنة؟ سألني ومتي يتناول العشاء إذن؟ قلت له أنه لا يتناول أي شيء بعد الخامسة مساء. مهما كانت الظروف. بدا غير مصدق. حكيت له عن العشاء الذي أقامته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. سألني: الممثلة العظيمة. قلت له نعم. أبدي إعجابه الشديد بها. وعندما سألته عن أفلامها التي شاهدها. طلب مني عدم التوسع في نشر كلامه عن أهل الفن إن أمكن هذا. واستجابة لرجائه. وهو من حقه. لن أتوقف أمام ما قاله الرئيس عن أهل الفن المصري. كنت أريد نشر كلامه حتي يدرك المصريون أهمية الفن خاصة بالنسبة لدور مصر ليس العربي فقط. ولكن الإسلامي والعالمي.

نعود لعشاء السيدة فاتن حمامة الذي كان الأستاذ هيكل موجوداً فيه. وكان الاستثناء الوحيد الذي أقدم عليه. في تلك الليلة. كان تأخير ميعاد نومه. من الثامنة إلي الحادية عشرة. وانصرف قبل أن ننصرف نحن بساعة. ولكنه لم يتناول سوي الماء القراح. عاد يقول لي أن ما يميز هيكل هو: حضور البديهة. يقظة الذهن. الحيوية. القدرة علي التحليل السليم. الموضوعية المطلقة. ولا أقول الحياد. لأن الموضوعية درجة أعلي من مجرد الحياد. قلت له. إن لي كتاباً عبارة عن حوار مطول مع هيكل عن تجربة عبدالناصر مع المثقفين الذين عاصروه. نشرته جريدة الراية القطرية علي حلقات. عنوانه: محمد حسنين هيكل يتذكر. عبدالناصر والمثقفون والثقافة. قال لي: هذا كتاب أكثر من مهم بالنسبة لتجربتنا هنا. هل معك نسخة منه. قلت: للأسف الشديد لا. سألني: هل يمكن أن ترسل لي نسخة من القاهرة. قلت له: بكل سرور. ثم سألني عن المثقفين الذين عاصروا عبدالناصر وتحدث عنهم هيكل. قلت له: نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وعباس محمود العقاد. قال لي: كنت أعتقد أن العقاد ربما مات قبل الثورة. قلت له عندما قامت الثورة كان العقاد في الثالثة والستين ومات ربما سنة 1964، سألني: وكيف كانت علاقته بعبدالناصر؟ قلت له: كانت فاترة. ربما كان جمال عبدالناصر مهتماً بطه حسين أكثر من العقاد. لأن طه حسين يقف وراءه قصة شخصية أكثر من مهمة. تقرب لأن تجعل منه معجزة إنسانية. قلت له هيكل كان الأساس في علاقة عبدالناصر بأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وعبدالوهاب ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. انتهي اللقاء. وإن كان الحوار لم ينته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف