جريدة الجرائد

الحجاب في بريطانيا... خصوصية أم عزلة؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السبت: 2006.11.25

كيم مورفي

عندما تخرج "بتول ممتاز" من منزلها كل صباح للتوجه إلى عملها، تحرص على التدثر برداء يخفي كامل معالمها، بما في ذلك وجهها، ولا تترك سوى خيط رفيع تظهر منه عيناها الواسعتان. لكن النقاب الذي تصر طالبة الدكتوراه، ذات الأربعة وعشرين ربيعاً، على ارتدائه، تريد أن يبعث برسالة إلى العالم الخارجي تقول فيها: "إن أسلوب لباسي يبقي الرجال، حتى غير المسلمين منهم، بعيدين عني". وكأنها تقول أيضاً: "لا تلمسني، ولا تضايقني، اكتفِ فقط بالكلام"، وهذا أبعد ما تستطيع القيام به. بيد أن اختباء بتول وراء النقاب سعياً وراء الاختفاء عن الأعين، جعلها بالعكس من ذلك أكثر لفتاً للأنظار. فقد تحول النقاب الإسلامي إلى موضوع مثير للنقاش في بريطانيا خلال الأيام الأخيرة، من قبل وزراء في الحكومة وقضاة، بل وحتى من قبل رئيس الحكومة البريطانية توني بلير نفسه، الذي وصف النقاب بأنه "علامة تدل على الفصل". وفي كثير من الأحيان تجد بتول ممتاز نفسها إلى جانب زميلاتها من المنقبات، في وضع حرج يتعرضن فيه للعنف اللغوي بسبب لباس يعتبرنه عنصراً أساسياً يعبر عن الإيمان والتواضع.

فبعد فترة قصيرة على إطلاق وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو تصريحاته التي دعا فيها إلى إعادة النظر في مسألة ارتداء النقاب، توجهت بتول إلى أحد المحلات لشراء بعض الأغراض، لكن البائع خاطبها بقسوة صارخاً في وجهها: "لن أبيعك شيئاً حتى أرى وجهك". وهي ترى أن ذلك ما كان ليحصل لولا تصريحات سترو التي شجعت بعض الناس على النظر إلى النقاب كأمر سلبي. يذكر أن فرنسا وتركيا حظرتا ارتداء الحجاب في المدارس العمومية، كما أن الحكومة الهولندية سعت خلال الشهر الجاري إلى منع ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة. ورغم أن بريطانيا كانت دائماً تتعامل بتسامح مع اللباس الإسلامي ولا تتدخل في طريقة ارتداء المسلمين لزيهم الخاص، فإنه حتى قبل اندلاع النقاش الحالي حول النقاب، كان ارتداؤه مقيداً في بعض المدارس والمستشفيات.

ويخشى العديد من المسلمين أن يؤدي النقاش الحالي والتأييد الواسع الذي لقيته دعاوى حظر النقاب، إلى تمهيد الطريق لمنع، ليس فقط النقاب، بل كذلك الحجاب أيضاً. وفي هذا السياق تقول "إيمان بيني"، المتحدثة باسم جمعية تدافع عن الحجاب: "يشعر الكثير من المسلمين المتدينين بأن الأشخاص الذين يتولون السلطة، ليسوا مرتاحين لتواجدنا كجزء من هذا البلد ومن ثقافته، كما نحن عليه اليوم. فوسائل الإعلام تمطرنا يومياً بدعاوى تحثنا على تقديم تنازلات واعتناق العلمانية". وتضيف "بيني" التي تقتصر على ارتداء النقاب في مناسبات محدودة، أن النقاش الحالي جعل من انتقاد النساء المنقبات أمراً طبيعياً لا ينطوي على إحراج سياسي. وتقول موضحة: "يشبه ذلك أن يقول لك أحدهم إنه لا تعجبه صورتك بالنقاب، وأنه من الأفضل نزعه، فالعديد من الناس يقولون إن النقاب غريب عن القيم البريطانية، لكن لا أحد يستطيع تحديد تلك القيم". ويشكل النقاب واحداً فقط من الإشكاليات التي رافقت تحول المجتمع البريطاني من كيان منسجم يضم مجموعة متجانسة من البيض إلى مجتمع متعدد الثقافات، بسبب تدفق موجات الهجرة المتلاحقة من شرق آسيا.

وقد أدت الهجرة إلى خلق جيل جديد من المسلمين في بريطانيا أكثر تمسكاً بالدين من آبائهم الذين قدموا بحثاً عن فرص أفضل. وفي المقال الذي كتبه جاك سترو في إحدى الصحف المحلية، وكان وراء تأجيج هذا الجدل المتصاعد حول النقاب، ذكر كيف بدأ يطلب من النساء اللواتي يزرنه في مكتبه، خلع النقاب للتواصل معهن بفاعلية. وأضاف سترو أيضاً في مقاله أنه عندما ينظر إلى المرأة المنقبة يدرك "حجم التنافر بين الروابط المشتركة؛ من لكنة بريطانية في الحديث، وتعليم إنجليزي، وبين المظهر الخارجي الذي لا يمت لذلك بصلة". ومنذ ذلك الوقت توالت التقارير عن تعرض المسلمات المنقبات لبعض المضايقات في الأماكن العامة. فقد واجهت "بتول ممتاز" سلسلة من الأحداث المروعة، حيث تعرضت لهجوم من قبل مجموعة من الشباب البيض غداة هجمات 11 سبتمبر، بعدما تحلقوا حولها وهي تهم بالخروج من الجامعة ووجهوا لها لكمات عنيفة وهم يصرخون "أين هو بن لادن"؟ وقد تعرضت لجروح نقلت على إثرها إلى المستشفى.

وفي حادثة أخرى، وهذه المرة مباشرة بعد تفجيرات قطارات الأنفاق في لندن، تعرضت بتول التي كانت ترتدي النقاب لهجوم من شباب بيض دفعوها على الأرض فكسرت ركبتها. ويصر "حزب العمال" الليبرالي الذي ينتمي إليه جاك سترو، على أنه من واجب الحزب إثارة مواضيع تشغل بال الرأي العام البريطاني، لأن السكوت عنها يفسح المجال أمام الجهات المتطرفة والعنصرية؛ مثل النازيين الجدد، للحديث عنها وتوظيفها في خطابهم السياسي ضد الآخر المختلف. ويركز السياسيون في بريطانيا على مسألة الاندماج مع احترام الاختلاف. ففي بلاكبورن بشمال إنجلترا، توجد نسبة مهمة من المسلمين تمثل 25% من مجموع السكان، ولكن مع ذلك يقل التفاعل الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم. ويظهر ذلك واضحاً من خلال الاحتفالات الخاصة بمناسبات الزواج التي ينظمها المسلمون، حيث يتوافد عليها عدد كبير من الجيران والأقارب، وتستمر على مدى يومين تقام فيهما احتفالات كبيرة. ومع أن تلك الحفلات لا تخلو من غير المسلمين، إلا أن عددهم يظل متواضعاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف