جريدة الجرائد

لبنان: الحكومة أقرت المحكمة الدولية والمعارضة تعدّ للتصعيد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مرحلة جديدة من المواجهة و"حزب الله" ولحود يعتبران القرار غير دستوري والسنيورة يشدد على الاجماع ...



بيروت - وليد شقير وحسن اللقيس


أقر مجلس الوزراء اللبناني مشروع إقامة المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم الأخرى المرتبطة بها أمس في جلسة استثنائية تغيّب عنها وزراء تحالف حركة "أمل" و "حزب الله"، المستقيلين مع الوزير المحسوب على رئيس الجمهورية إميل لحود، ووسط انقسام سياسي في البلاد ترجح الأوساط السياسية أن ينعكس على الآلية الدستورية لإقرار مشروع المحكمة في المجلس النيابي.

وإذ أحال مجلس الوزراء جريمة اغتيال وزير الصناعة بيار أمين الجميل على المجلس العدلي، ومشروع المحكمة على المجلس النيابي، جاء أول تعليق على قرار مجلس الوزراء الذي اجتمع برئاسة فؤاد السنيورة وغياب رئيس الجمهورية إميل لحود الذي اعتبر الحكومة فاقدة الشرعية بسبب استقالة الوزراء الشيعة منها، من مساعد الأمين العام لـ "حزب الله" الحاج حسين الخليل الذي اعتبر في تصريح الى "الحياة" ان هذه الحكومة "غير دستورية ولذلك فإن كل ما يصدر عنها من قرارات لا يعني اللبنانيين لا من قريب ولا من بعيد وعليه فإنه لا يترتب على قراراتها أي أثر.


وقال وزير الإعلام غازي العريضي بعد انتهاء الجلسة ان مجلس الوزراء "قرر تفويض وزير العدل أو من يكلفه التوقيع على هذه الاتفاقية مع الأمم المتحدة والموافقة على مشروع مرسوم بإحالة مشروع قانون معجل على المجلس النيابي يتعلق بالإجازة للحكومة إبرام الاتفاقية المذكورة والنظام الأساسي المتعلق بها".

ونقل العريضي عن السنيورة قوله في الجلسة ان الموافقة على مشروع المحكمة الدولية "ليس استفزازاً لأحد ولن يكون استفزازاً لأحد بل هو يهدف الى حماية الجميع وضمان ممارستهم في الاختيار وحرية التعبير، وهو يستند الى إجماع اللبنانيين حول انشاء هذه الحكمة".

ورأى السنيورة ان القرار "يؤكد مناعة وفاقنا الوطني في وجه المراهنين على الفتنة الداخلية التي هي ضد مصلحة جميع اللبنانيين"، مؤكدا "لن نتخلى عن منطلقاتنا التي ما زلنا نتمسك بها وهي استمرار فتح باب التلاقي والتحاور والتشاور لكي نجد الاطار أو الأطر المناسبة لنتبادل إدراك همومنا وهواجسنا، بما يريح كل الأطراف ويوجد لديهم ولدينا الاطمئنان الكافي للتفاعل، وبما يعمق مشاركة الجميع في إدارة الشأن الوطني وإدارة الشأن العام في لبنان"، ومعتبرا ان قيام المحكمة الدولية "من شأنه أن يساهم في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة التي هي هدف أساس من أهدافنا وأهداف جميع اللبنانيين".

وفي رده على أسئلة الصحافيين، قال العريضي: "ما دام ثمة إجماع (على المحكمة) على طاولة الحوار كنا نتمنى أن نضع المحكمة جانباً أي أن نفصل بين المحكمة وبين كل القضايا العالقة نظراً لخصوصية هذا الأمر. أما في ما يخص بالشق المتعلق بدستورية وشرعية القرار فالتأكيد قائم على شرعية ودستورية الحكومة وعملها من دون التقليل من الثغرة الكبيرة وخطورة الانقسام السياسي الذي يعيشه لبنان ومن دون تجاوز الدعوة الدائمة الى حوار بين الجميع حول القضايا". واعتبر اقرار المشروع "حماية للبنان إذ كان ثمة من يستهدفه من الخارج من أية جهة كانت بلا استثناء"، مذكراً بأن مجلس الأمن "أقر المشروع بالإجماع، وبأن المفاوضين اللبنانيين في الأمم المتحدة عينتهم الحكومة اللبنانية بقيادة رئيس الجمهورية إميل لحود". وقال ان ذلك "يؤكد الوفاق اللبناني من جهة وشرعية ودستورية قرار الحكومة من جهة ثانية".

وجاء اجتماع مجلس الوزراء بعدما فشلت الاتصالات التي أُجريت طوال يوم أمس في التوصل الى أي مخرج بين قوى الأكثرية والحكومة من جهة وبين قيادتي حركة "أمل" و "حزب الله" من جهة ثانية، حول عقد الجلسة أو تأجيلها، فتمسك كل فريق بمطلبه: الأكثرية اشترطت عودة الوزراء المستقيلين الى الحكومة من أجل التأجيل، طالما أن قوى المعارضة أعلنت تأييدها لإقرار مشروع المحكمة، والمعارضة ضمّنت استعدادها لبحث المحكمة "وفق الآليات التي تحافظ على الأصول الدستورية" شرط قبول الأكثرية بمشاركتها في الحكومة بنسبة الثلث زائد واحد أولاً.

ويفتح عقد الجلسة وإقرار مشروع المحكمة الوضع اللبناني على شتى أنواع التصعيد السياسي، وعلى أوضاع "سوداوية قد تشمل المزيد من الانقسامات وسط مخاوف من استغلال هذه الأوضاع من جانب الجهة التي تقوم بمسلسل الاغتيالات"، بحسب قطب سياسي ووزاري معني بالاتصالات التي أُجريت خلال الساعات الـ24 الأخيرة والتي اصطدمت بالخلاف الكبير.

واستحوذ اجتماع مجلس الوزراء، بحضور الـ17 وزيراً من أصل 24 أي بأكثر من نسبة الثلثين المطلوبة دستورياً لتأمين النصاب بوزير واحد بعد عودة وزير الداخلية حسن السبع عن استقالته إثر اغتيال الجميل الثلثاء الماضي، باهتمام متعدد الأوجه خصوصاً أنه سيطلق على الصعيد السياسي مرحلة جديدة من المواجهة بين المعارضة والأكثرية. وإذ فوض مجلس الوزراء وزير العدل شارل رزق بالتوقيع على الاتفاق حول المحكمة بالأحرف الأولى مع الأمم المتحدة فإن رئيس البرلمان نبيه بري، كان أعلن انه سيعتبر الجلسة كأنها لم تعقد وغير دستورية، كذلك قادة "حزب الله" وحليفه العماد ميشال عون، ورئيس الجمهورية إميل لحود الذي يفترض أن يوقع مرسوم الإحالة الى المجلس النيابي.


"حزب الله"

وسألت "الحياة" المعاون السياسي للأمين العام لـ "حزب الله" حسين الخليل رأيه في قرار مجلس الوزراء فقال: "نحن حددنا موقفنا قبل الجلسة وقلنا أكثر من مرة، بعد خروجنا من الحكومة، ان هذه الحكومة ليست دستورية ولذلك فإن كل ما يصدر عنها من قرارات لا يعني اللبنانيين لا من قريب ولا من بعيد ولا يترتب عليه أي أثر. وهذه الحكومة كما قال عنها الرئيس بري هي عبارة عن مجلس قيادة للأكثرية وليست حكومة الجمهورية اللبنانية". وعن قول السنيورة ان القرار ليس استفزازاً لأحد أجاب: "قراراتنا لا نتخذها على استفزاز سواء من السنيورة أو غيره. وهو لم يعد في الموقع الذي يستفز. في الماضي كنا نقيم له وزناً حين كنا في الحكومة. وبعد خروجنا، وبعد أن أصبحت الحكومة مجلس قيادة للأكثرية لم نعد نقيم وزناً له ولا للحكومة، هذا بغض النظر عما إذا كان يستطيع أو لا يستطيع أن يستفزنا".

وسألت "الحياة" الخليل عن تعليقه على قول السنيورة في الجلسة ان قرار المحكمة يستند الى إجماع اللبنانيين فقال: "صحيح ان المحكمة الدولية تستند الى إجماع اللبنانيين لكن السنيورة وقراراته التي يحاول ان يستصدرها من مجلس القيادة المفروض على الشعب اللبناني لا يستند الى إجماع اللبنانيين، لا الشعبي ولا القانوني ولا السياسي".

وعن توقعاته لمجريات الأزمة بعد قرار مجلس الوزراء قال الخليل: "بالنسبة الى برنامج المعارضة، وانطلاقاً مما قلناه من أن قرارات الحكومة لا تعنينا، فإن المعارضة ستتابع برنامجها الذي كانت عليه قبل اغتيال المرحوم الشيخ بيار الجميل". وعن إمكان معاودة الاتصالات لإيجاد مخارج للأزمة السياسية قال: "الاتصالات تحصل عادة مع الرئيس بري لكنني لا أتوقع ان تحمل في طياتها شيئاً ذا وزن أو قيمة".

وقالت مصادر لحود ليلاً ان أي مصادقة على مشروع المحكمة لا سند دستورياً لها لأنها حصلت من حكومة فاقدة لشرعيتها الدستورية، ولم تراع الأصول الدستورية. واعتبرت مصادر ان الدعوة الى عقد مجلس الوزراء مخالفة للدستور وبالتالي فإن ما يبنى على باطل هو باطل.

وفي حين سيأخذ مسار إقرار المحكمة في البرلمان وقتاً قد يستمر على الأقل 45 يوماً على الاقل بسبب الخلاف على دستوريته أو عدم دستوريته، فإن مصادر الأكثرية أشارت الى ان الآلية الدستورية تسمح للحكومة بأن تتجاوز امتناع لحود عن التوقيع، لأن الدستور ينص على مهلة كي يوقع على مرسوم الإحالة وإلا يصبح نافذاً بعد 15 يوماً، في وقت يعتبر لحود والمعارضة أن الإحالة غير دستورية ولا تخضع لمبدأ المهل الدستورية بل الى اعتبارها غير قائمة باستقالة الوزراء الشيعة منها، والى اعتبارهما التفاوض على المحكمة غير دستوري بحجة عدم موافقة رئيس الجمهورية على هذا التفاوض (مقابل تأكيد الأكثرية أنه وافق على قرارات مجلس الوزراء بتكليف وزير العدل التفاوض على المحكمة).

وترجح المصادر المواكبة للتأزم الحاصل أن يرفض بري تسلم الإحالة في حال تمت من الحكومة على البرلمان بحجة أنه يعتبر اجتماعها غير دستوري ولأنه درج على تقليد "رد أي مرسوم يحال الى البرلمان إذا لم يكن يحمل توقيع الوزير المختص، فكيف إذا كان المرسوم لا يحمل توقيع رئيس الجمهورية؟" وهذا الموقف سيضع عقبة أمام استكمال آلية إقرار مشروع المحكمة ضمن المؤسسات الدستورية.

واستحوذت جلسة مجلس الوزراء على اهتمام أمني استثنائي، إذ انتشرت أعداد كبيرة من الجيش اللبناني في ساحتي رياض الصلح والشهداء القريبتين من المقر الموقت لمجلس الوزراء في وسط بيروت التجاري وفي الشوارع المحيطة به والمؤدية اليه. وشمل الانتشار الأمني، حول مقر مجلس الوزراء، والذي لم يسبق أن شهت بيروت مثيلاً له، وجود وحدات من قوى الأمن والجيش تدعمها المدرعات وسرايا مجهزة بوسائل مكافحة الشغب تحسباً لتظاهرات أو تجمعات قد تنظمها المعارضة في اتجاه المقر.

ومنع الصحافيون والمصورون، للمرة الأولى من التواجد عند مدخل مقر مجلس الوزراء، وحيل بينهم وبين الوزراء لاستصراحهم عند دخولهم، وسمح للمصورين بالتقاط صور الاجتماع فقط، فيما تواجدت أعداد كبيرة من الإعلاميين العرب والأجانب في شكل قل نظيره.


اتصالات ما قبل الجلسة

ودعا مصدر وزاري "الحياة"، قبيل الجلسة، في تعليقه على الاتصالات التي سبقتها، الى "الذهاب نحو المواقف الإقليمية الصادرة في شأن المحكمة، من دون الغوص في تفاصيل النزاع الدستوري والسياسي اللبناني الداخلي حول الجلسة، وحول مطلب المعارضة المشاركة في الحكومة بالثلث المعطل، لفهم طبيعة الأزمة، فالموقف السوري العلني المعارض لإنشاء المحكمة، في تصريحات وبيانات عدة في الأيام الماضية لا يحتاج الى تأويل أو تحليل عن أسباب موقف حلفاء دمشق في لبنان". ورأت المصادر نفسها ان انسداد آفاق المخرج حول مطالب المعارضة بعد إبداء السنيورة استعداده لتأجيل الجلسة بضعة أيام ودعوته الوزراء المستقيلين الى مناقشة مشروع المحكمة، "يعني أن أسباب الأزمة خارجية، وان المخرج منها خارجي...".

وزار بري بعد الظهر وزير الاتصالات مروان حمادة يرافقه مستشار السنيورة السفير محمد شطح. وبدا ان زيارة الأخيرين قبيل عقد الجلسة تهدف الى تمهيد الأجواء لمعاودة الاتصالات بعد إقرار الحكومة مشروع المحكمة. إلا أن مصادر رسمية قالت لـ "الحياة" ان الوزير حمادة والمستشار شطح "حملا لبري اقتراحاً جديداً من السنيورة، يقضي بأن يعود وزراء "أمل" وحدهم عن قرار الاستقالة ويحضروا جلسة الأمس ويناقشوا الملاحظات التي لديهم على مشروع المحكمة، على ألا تتخذ الجلسة قراراً بتمرير المشروع، وتؤجل هذا القرار الى جلسة أخرى، بعد تشكيل لجنة وزارية تدرس الملاحظات. لكن هذا الاقتراح لم يلق تجاوباً من بري".

وهذا ما دفع مصادر أخرى قريبة من السنيورة الى القول لـ "الحياة" ان الاتصالات التي أجريت مع بري "تمت في وقت لم يكن في ذهن أحد أنه يمكن لأي كان أن يسحب من جعبته أرنباً مثل السحرة لإيجاد المخارج. فالمواقف كانت قد عرفت منذ أول من أمس، بل كان الهدف الابقاء على أجواء التواصل مع الرئيس بري في كل الأحوال، خصوصاً أن لا أجوبة عند رئيس المجلس حول قضايا الخلاف السياسي التي تتشعب الآن وأن هناك فرصة لتجديد الحوار بعد الجلسة، إذا لم يسبقنا تحرك المعارضة في الشارع".

وكانت مصادر قريبة من بري ذكرت ان اللقاء الذي جمع بري مع رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط ليل أول من أمس "لم يتجاوز إبداء الجانبين النيات الحسنة الواحد تجاه الآخر". ورداً على سؤال عن موقف "أمل" و "حزب الله" من اشتراط الأكثرية ضمانة بألا يستقيل وزراء المعارضة من الحكومة إذا حصلوا على الثلث زائد واحد كي لا يطاح بالحكومة، قالت مصادر بري: "هذا التساؤل من قبلهم منطقي".

لكن المصادر رأت ان إقرار المحكمة "يزيد الأمور تعقيداً من دون أن يغير شيئاً في الوضع السياسي ومطالب المعارضة. ونحن أردنا لمعرفتنا بنية إقرار المحكمة أن نستبق أي اتهام لنا أمام الرأي العام بأننا ضد المحكمة وأننا قمنا بما علينا". ورأت المصادر أن عرض السنيورة أول من أمس "لم يقدم شيئاً في ما يخص أزمة المشاركة".


نصر الله يعزي بالجميل

وكانت الجلسة افتتحت بالوقوف دقيقة صمت حداداً على الشهيد الجميل ووضع الوزراء جميعاً زراً على ستراتهم يحمل صورة الراحل. وتقاطر الآلاف الى منزل والده الرئيس أمين الجميل أمس للتعزية، وكانت التعزية الأبرز اتصال الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله هاتفياً بعد ظهر أمس بالرئيس أمين الجميل في دارته في بكفيا معزياً باغتيال الشهيد الشيخ بيار الجميل. وأبدى شديد تأثره لمصاب الرئيس الجميل وعائلته وكل اللبنانيين على السواء. وتخلل هذا الاتصال لحظات وجدانية استذكرا فيها شهادة هادي حسن نصر الله وبيار الجميل، وأمل الرئيس الجميل أن لا تذهب دماء شهداء كل لبنان هدراً وأن تكون شهادة بيار آخر الشهادات، وأن "تفتح ثغرة في الأزمة الوطنية والسياسية المسدودة، وأن تدفع باتجاه إيجاد الحلول للخروج من هذه الازمة التي تشد على خناق اللبنانيين على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتهدد لبنان في حاضره ومستقبله".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف