جريدة الجرائد

زيارة وليد المعلم ... مرحلة في الصراع على العراق؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



نظام مارديني - الحياة



شكلت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى بغداد، حدثاً يستدعي قراءة تداعياته المحتملة، وهي طرحت عناوين لا بد لدمشق من الإجابة عنها، وتتمثل بالتالي: هل سترضى سورية بأن تعامل باعتبارها دولة من دول جوار العراق، وليست عمقاً قومياً واستراتيجياً له؟ وهل ستقبل دمشق المساومة على دور المقاومة العراقية للاحتلال، والقبول بدور امني؟ أم تأتي هذه الزيارة في ميزان معركة تحرير العراق.

والزيارة التي كانت معلقة منذ امد، وتعليقها من الجانب السوري كان ورقة قد تكون أُحرقت من دون مقابل. فهي قد تمنح السلطة المتعاونة مع الاحتلال قاعدة لتؤسس عليها وتوظفها في صدقية "تجريمها للجانب السوري"، بالتدخل في شؤون العراق الداخلية وخصوصاً الأمنية منها. وهي جاءت بعد العملية الكبيرة للمقاومة العراقية ضد قاعدة "فالكون" التي كبدت القوات الأميركية عشرات من عناصر الاستخبارات إضافة الى مترجمين ومقاولين اميركيين.

ويذكر ان سورية كانت احد البلدان العربية التي احتضنت الجماعات المعارضة لنظام البعث في بغداد، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مقيماً فيها، ناهيك عن رموز سياسية عراقية كثيرة تقود العملية السياسية في العراق الجديد. إلا ان هذه الرموز لا تبدو راضية عن مواقف الحكومة السورية إزاء قيادتها للعراق الجديد على رغم ان موقف النظام السوري من التغيير في العراق ايجابي، لكن موقفه من الاحتلال الأميركي سلبي.

بعض المعنيين في الساحة العراقية ينظرون الى زيارة رئيس الديبلوماسية السورية على انها في إطار المقترح الذي قدمته لجنة بيكر الذي تضمن اشتراك كل من طهران ودمشق في احتواء العنف في الساحة العراقية وبما يضمن لقوات التحالف انسحاباً هادئاً ومعززاً بنتائج ايجابية لمصلحة الرئيس الأميركي جورج بوش وحزبه الجمهوري.


نوري المالكي
وكان السيناتور الأميركي جوزف بيدن، الذي سيتسلم في كانون الثاني (يناير) رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، دعا الى بدء محادثات مع سورية وإيران للتوصل الى "معاهدة عدم اعتداء" مع النظام العراقي. وهي فكرة طرحها اخيراً وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي ما زال يحظى بنفوذ. وستكون مسألة إجراء محادثات مباشرة مع سورية وإيران من التوصيات التي ستطرحها مجموعة الدراسات حول العراق برئاسة جيمس بيكر في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. ولذا رأى سكوت لاسنسكي من معهد "انستيتيوت فور بيس" للأبحاث ان زيارة المعلم هي بمنزلة "تصويت على الثقة" لحكومة نوري المالكي. وأضاف "ان الزيارة ستعطي مزيداً من الوزن للحجة الداعية الى إجراء اتصالات مع السوريين".

تأسيساً على هذه الحيثيات حرص وزير الخارجية السوري على إنجاح زيارته من خلال التشديد على ضرورة تأسيس علاقات جديدة مع الجانب العراقي تقوم على حض القوى السياسية، لا سيما البعثيين العراقيين، على الانخراط في إطار المصالحة الوطنية التي كان أطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وتقوم ايضاً على تشكيل لجان خاصة بعملية ضبط الحدود السورية للحيلولة دون تسلل "الإرهابيين" الى الأراضي العراقية، كما وبتجفيف منابع الدعم اللوجستي والتسليحي للمقاومة العراقية.

لكن الاتفاقات التي توصل إليها المعلم مع المسؤولين العراقيين على صعيد إعادة العلاقات الديبلوماسية وتشكيل لجان مشتركة للأمن والاقتصاد والمتابعة، لا تمثل مؤشراً حقيقياً على عزم دمشق على التعاطي الإيجابي إزاء الأزمة الأمنية العراقية الراهنة، كما هي الحال بالنسبة الى طهران، التي كانت أبرمت مثل هذه الاتفاقات من دون ان تسفر عن نتائج عملية على صعيد احتواء الأزمة.

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لدى استقباله الوزير السوري قال: "كنا نتوقع من دمشق قبل الآخرين وقوفها الى جانبنا، خصوصاً ان الوضع في العراق إذا ما انحدر باتجاه الانفلات الأمني فإنه سيلحق الأذى بالدول المجاورة قبل غيرها"، مضيفاً ان بلاده "لن تسمح بأن تكون معبراً أو مسرحاً للصراع وتصفية الحسابات"، في إشارة واضحة الى نزاعات سورية وإيران مع اميركا على الساحة العراقية وإصرارهما على جلاء القوات الأميركية من العراق، كونها تشكل في حال بقائها على الأراضي العراقية، تهديداً للجانبين السوري والإيراني من وجهة نظر دمشق وطهران. والمعلم رد قائلاً: "إننا سنبذل قصارى جهدنا في مساعدة العراق لتجاوز أزمته الحالية".

وبدا جلياً تنسيق المواقف بين كل من ايران وسورية حيال الوضع في العراق، بعد ان تمخضت زيارة المعلم الى بغداد عن الاتفاق على عقد قمة ثلاثية في طهران خلال الأيام القليلة المقبلة تضم كلاً من الرئيس جلال طالباني ونظيريه محمود أحمدي نجاد وبشار الأسد، حيث ستحدد هذه القمة ما اذا كان ثمة نقطة تحول جوهرية في مواقف طهران ودمشق حيال الملف الأمني الساخن في العراق. لكن الرئيس العراقي في وقت لاحق نفى علمه بالقمة.

ويبدو ان موقف طهران ودمشق سيتبلور عملياً في جعل العراق ممراً ديبلوماسياً لهذين البلدين نحو أميركا. وكل من البلدين يشعر انه على مسافة قريبة من قطف ثمار الوضع العراقي المتأزم، من الشجرة الأميركية، في ظل إحساس مشترك بأن واشنطن تولد لديها ما يشبه القناعة بأنه لا يمكنها الخروج من المأزق العراقي من دون تعاون سوري - ايراني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف