جريدة الجرائد

متى يموت الفكر الارهابي؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



جهاد الخازن


لم يحدث في تاريخ النزاع بين البشر ان مثل هذه الكثرة اساء اليها بهذا الحجم مثل هذه القلة.

طبعاً ان اقتبس عن ونستون تشرتشل في معركة بريطانيا، فهو تحدث عن سلاح الجو وقال: لم يحدث في تاريخ النزاع بين البشر ان مثل هذه الكثرة كانت مدينة بمثل هذا الحجم لمثل هذه القلة.

اليوم أتحدث عن القلة من الارهابيين التي أساءت بهذا الشكل الهائل الى الكثرة المؤمنة المسالمة من المسلمين، والناس جميعاً.

نعرف عن الحوادث الارهابية من نيويورك وواشنطن الى بالي، مروراً بالدار البيضاء ومدريد ولندن والقاهرة والرياض والخبر، وشرق افريقيا وكل مكان. ثم نسمع عن إحباط عمليات ارهابية، عن متهمين ومشبوهين، عن خلايا وتنظيمات.

من يقتل المسلمين في العراق؟ مقاومة الاحتلال فرض عين، غير أنني اتحدث عن الارهاب. من يقطع رؤوس الابرياء؟ من يفجر عرساً او جنازة، ويترك خلفه أرامل وأيتاماً؟ من يخطف اساتذة من وزارة تعليم؟

لو ان اعداء الاسلام اعطوا فرصة ان يصنعوا عدواً للاسلام والمسلمين لما استطاعوا ان يأتوا بنموذج يخدم اغراضهم كالارهابيين. كل ما يزعم الاعداء عن المسلمين ينفذه الارهابيون وكأنهم جنود عند اعدائهم.

كيف يقتل ارهابي نفسه، او يقتل مسلماً، وقد قرأ: ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيماً، وقرأ: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها. هو لا يحق له قتل الغريب المعاهد المستأمن، وفي وصايا النبي وأبي بكر الى جيوش المسلمين نصح واضح كافٍ.

الموت اصبح في بلادنا ارقاماً. نسمع ان 11 فلسطينياً من أسرة واحدة قتلوا، او ان 40 عراقياً وجدوا مذبوحين بعد تعذيب. كل ضحية له أم او أب او زوجة او ابناء. هل يذكر قارئ وفاة عزيز عليه؟ هل يذكر مدى ما شعر به من ألم ومدى استمرار هذا الألم؟ كل يوم هناك من يبكي عزيزاً، وينفطر قلبه حزناً.

ما الفرق بين ايهود أولمرت يقتل 18 فلسطينياً، غالبيتهم من النساء والاطفال، وبين ارهابيين يقتلون مواطنين عراقيين على الهوية؟

الجيش الاسرائيلي في فلسطين والقاعدة في بلاد الرافدين يكملان احدهما الآخر، ويبرران احدهما الآخر.

أترك يهود اسرائيل والعالم يدينون جرائم حكومتهم او يشاركون فيها بتأييدها، واكتفي بادانة الارهاب الخارج من بيننا.

هو شر كله، والقتل أبشع مظاهره، غير انه كسرطان خبيث يؤذي كل ما يصل اليه.

أقيم في الخارج منذ اكثر من 30 سنة، ومع ذلك فالإرهاب اصابني بسمّه وأنا بعيد، وقتل في مجمع المحيا الابن البكر لصديق عزيز والابن الوحيد لصديق عزيز آخر. في يوم واحد شاركت صديقين مأساتهما عن بعد خمسة آلاف كيلومتر. وأدرك انني مهما حزنت لن احزن كما تحزن أم ثكلى او أب او زوجة او ابناء.

في عمان وصلت متأخراً، واذا بالارهابيين يسبقونني ويقتلون اصدقاء اعزاء. الارهابيون دخلوا على حفلة زفاف بين أسرتين مسلمتين ورأوا نساء محجبات وأطفالاً، وقتلوا انفسهم مع الناس. واذا كان هذا ما اصاب انساناً يقيم في لندن، فكيف بمصاب الناس في بلادهم؟

لا يحق لهم ان يقتلوا مسلمين. لا يحق لهم ان يقتلوا مسيحيين او يهوداً او بوذيين، وكل من يقول غير هذا شريك في الارهاب.

بعد صيف 1982، اجتمعت وأصدقاء في جنوب فرنسا واتفق اربعة منا على ان يقتطع كل واحد ألف دولار في الشهر من مرتبه او دخله لنرسلها الى بعض أسر ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا. وكنا نرسل المال من طريق بنك لبناني له فرع في نيس، وبقينا نفعل ذلك سنوات الى ان رحل المستفيدون.

اليوم لم نعد نجرؤ على ان نتبرع لضحية، في فلسطين خصوصاً، او لجمعية، الكل متهم بالارهاب. انت عربي، اذاً انت متهم، والتهمة معلقة فوق الرؤوس ودائمة، ولا حكم بالبراءة.

هل يعرف الارهابيون انهم منعوا القادرين من تقديم مساعدات انسانية لضحايا ارهاب وفقراء وطلاب؟ هل يعرفون شيئاً غير القتل؟

اسمي جهاد. كم نكتة "بايخة" سمعتها في السفر تعليقاً على اسمي؟ كم مرة فتشت فيها من جديد بعد قراءة اسمي؟

لست وحدي، في المطار اصبح المسافر يمنع حتى من حمل الماء. يخلع الجاكيت، الحزام، الحذاء. لم يبق سوى "النقوط". كل هذا الامن الاضافي نفقات اضافية يدفعها المسافر، ويستوى في ذلك الناس جميعاً. الإنفاق الاضافي على الامن، خصوصاً آبار النفط في الخليج، يكفي لاعالة فقراء المسلمين في مئة بلد. عندي الارقام.

ومال الدنيا كله لا يعادل الفجيعة بعزيز، ودموع امرأة فقدت زوجاً او ابناً في حادث ارهابي.

من هم هؤلاء الارهابيون؟ من اين جاؤوا؟ من اقنعهم بممارسة الارهاب؟

نسمع ان اسامة بن لادن مات، ثم نسمع انه لم يمت، وتعود الاشاعة انه مات.

لا أتمنى الموت لأحد، ولي من أبناء محمد بن لادن أصدقاء أعزاء، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ولكن متى يموت الفكر الارهابي؟

اعرف ان اميركا ساعدت بسياستها الخرقاء على انتشار الارهاب، وان اسرائيل دولة ارهابية، الا ان كل ارهاب آخر لا يلغي الارهاب من بيننا او يبرره. نحن لا نستطيع ان نقاوم ارهاب الآخر اذا لم نقاوم الارهاب عندنا، برجاله وممارساته وفكره.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف