أنان و المأزق السياسي اللبناني : المحكمة قبل نهاية التحقيق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بوش وشيراك يتوافقان على استمرار موقفهما من سورية ودعم لبنان ...
سباق في بيروت بين التصعيد وحل على مرحلتين
نيويورك ، بيروت ، باريس - راغدة درغام
اقترب سباق الحلول الوسط للمأزق السياسي اللبناني مع التصعيد الذي يفترض ان يشهده الشارع في حال تعذرت المخارج الممكنة لمطلب قيام حكومة تشترك فيها المعارضة بنسبة الثلث المعطل، مقابل تحقيق مطلب الأكثرية بالحصول على ضمانات ألاّ يطيح هذا الثلث الحكومة وبموافقة الجميع على الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة على المحكمة ذات الطابع الدولي، من نهايته، ويفترض ان يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود اليوم أو غداً على أبعد تقدير.
وفيما اكد الامين العام للامم المتحدة كوفي انان لـ "الحياة" امس ان المنظمة الدولية ماضية في خططها لتشكيل المحكمة الدولية وانه "يجب أن تكون المحكمة جاهزة لتلقي القضايا واجراء المحاكمات" اي قبل انتهاء تحقيقات اللجنة الدولية، اكد الرئيس جورج لنظيره الفرنسي جاك شيراك، في اتصال هاتفي بينهما ان لا تغيير في الموقف الاميركي من سورية في الموضوع اللبناني. وعلم ان الجانبين توافقا على الاستمرار في دعم لبنان ومساعدته.
ونشطت اتصالات الوسطاء، في بيروت، بعيداً من الأضواء، للتوصل الى مخرج قاعدته قيام حكومة جديدة أو توسيع الحكومة الحالية على قاعدة احتساب 19 وزيراً للأكثرية وعشرة للمعارضة وواحد حيادي، في مقابل التوافق على عدد من النقاط السياسية المهمة وضمان تنفيذها، وفي طليعتها المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ "الحياة" ان مساعي خارجية واكبت المساعي المحلية من اجل إيجاد المخارج اللبنانية للتأزم السياسي الحاصل في البلاد، تفادياً للعبة الشارع بين المعارضة والأكثرية التي تفتح الوضع على الصدامات التي ستأخذ منحى طائفياً ومذهبياً وبالتالي ستقود الى الفوضى والفراغ في مؤسسات الحكم.
وفي وقت تبدأ الهيئات الاقتصادية في لبنان اليوم تحركاً مع أفرقاء الصراع جميعاً، بعد إضراب يومي الجمعة والسبت الماضيين الذي نفذته داعية الى معالجة الأزمة السياسية وتجنب النزول الى الشارع حذّر المسؤولون في هذه الهيئات من ان إبقاء الأزمة مفتوحة سيؤدي الى انهيار اقتصادي في البلاد والى تهديد مصالحها في شكل جدي، في ظل عدم استعداد الدول المانحة لتقديم المساعدات إليها في حال تقويض الاستقرار فيها.
وقالت مصادر مطلعة على موقف "حزب الله" ان قيادته لا تعتبر ان هناك جديداً يسمح بتأجيل التحرك في الشارع لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وان الحزب قد يحدد ساعة الصفر مساء اليوم أو غداً، وربما وجه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله رسالة في هذا الصدد. لكن تلفزيون "المنار" الناطق باسم الحزب اعتبر ان "المهلة التي تحدثوا عنها" للتحرك في الشارع "اقصر من ذلك".
وفيما صادف أمس مرور أسبوع على اغتيال وزير الصناعة بيار أمين الجميل، قالت مصادر في المعارضة وأخرى في الأكثرية لـ "الحياة" ان اتصالات ربع الساعة الأخير تتناول صيغة جديدة لمعالجة مطلب المعارضة وهواجس الأكثرية، تقضي باعتماد مرحلتين للمخرج. الأولى تقضي بتسليم الأكثرية بنسبة الثلث المعطل للمعارضة في حكومة من 19+10+1، وبعودة الوزراء الشيعة عن الاستقالة، وبتعيين 4 وزراء جدد للعماد عون، على ان يلي هذا التسليم تأليف لجنة سداسية تضم ثلاثة وزراء من الأكثرية وثلاثة لـ "حزب الله" و "أمل" والعماد عون تدرس برنامج هذه الحكومة والنقاط الخلافية بما فيها ملاحظات المعارضة على موضوع المحكمة الدولية. أما في المرحلة الثانية فيتم تكريس الاتفاق بعد أسبوع من عمل اللجنة السداسية، بتعيين الوزراء الجدد بحيث يكون الوزير المحايد مرضياً عنه من المعارضة، مع ضمانة بعدم استقالته من الحكومة حتى لا تتم إطاحتها. وأفادت المصادر ان البحث كان يدور في الساعات الماضية على ما إذا كان هذا الوزير يفترض ان يكون شيعياً أم سنياً، وان فكرة هذا المخرج كانت طرحت السبت الماضي، حين زار بعض المعزين ومنهم مقربون من رئيس البرلمان نبيه بري، الرئيس أمين الجميل في بكفيا، بنجله بيار. فطرح الأخير فكرة اللجنة الوزارية للبحث في ملاحظات المعارضة على مشروع المحكمة الدولية، مع فكرة الموافقة المبدئية على الثلث المعطل، مقرونة بالضمانات، لكن إقرار مجلس الوزراء مشروع الاتفاق مع الأمم المتحدة، لم يسمح بالبحث بهذا المخرج. وادت الاتصالات الى تجديد البحث فيه يوم الأحد. وأشارت مصادر في المعارضة الى ان البحث يشمل ان يعاد إقرار مشروع المحكمة مرة جديدة في مجلس الوزراء بعد توسيع الحكومة، أما في صيغته الحالية أو عبر إدخال تعديلات طفيفة عليه. وقالت مصادر المعارضة ان إعادة البحث في هذا المخرج تمت أيضاً بعد شعور جزء من المعارضة بأن صعوبة اشتراك جمهور العماد عون في التحرك الشعبي الذي ينويه "حزب الله" وحلفاؤه، بسبب تداعيات اغتيال الجميل، تجعل تجنب النزول الى الشارع خياراً يفترض السعي إليه، إذا كان هناك إمكان للتوصل الى مخرج سياسي معقول وبتنازلات من الفريقين وإلا ليس هناك من مفر أمام خيار التحرك الشعبي المعارض.
وفي هذا السياق علمت "الحياة" ان رئيس الجمهورية اميل لحود تلقى أمس من رئاسة الحكومة مشروعي مرسومي تحويل الاتفاق مع الأمم المتحدة على المحكمة الدولية الى المجلس النيابي، وقرار إحالة اغتيال الجميل الى المجلس العدلي، أعلى سلطة قضائية في البلاد، وبدلاً من ان يرد لحود المرسومين لاعتباره قرارات الحكومة غير دستورية وملغية، امتنعت دوائر الرئاسة عن الادلاء بأي تعليق، في انتظار نتائج الاتصالات لايجاد مخرج للمأزق السياسي، فاذا توصلت الى نتائج ايجابية لن يرد المرسومين اما اذا فشلت هذه الاتصالات فسيبقى على موقفه برفض استلامهما.
بري
وأدلى الرئيس بري امس بسلسلة تصريحات قال فيها، عن موقفه من تمرير المحكمة الدولية في المجلس النيابي: "فليطرقوا الباب وسيسمعون الجواب"، وانتقد نزول الفريق الحاكم الى الشارع (في تشييع الجميل)، معتبراً انه "أتى بنتائج معكوسة عليهم... لاحظتم في اليومين الماضيين انهم نزلوا الى الشارع. ومن نزل الى الشارع هم الموالاة ولم يكن النزول ابداً لأجل الشهيد الزميل والوزير بيار الجميل. أخذ هذا المأتم ذريعة لأن المأتم الحاشد والمهيب لا يتطلب الذي شاهدناه، وعلى كل حال في رأيي ان ما أرادوه من هذا الامر جاء ضدهم، لأن الحشد الذي كان في 14 آذار الماضي وقبله كان اكبر بكثير بكثير من الحشد الذي حصل الآن".
ورأى بري "ان في الوقت الذي كنت أهدئ شارع المعارضة وأتابع مشاوراتي فوجئت بأن النزول الى الشارع حصل من الطرف الآخر وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم".
وعن الثلث المعطل كرر بري انه كان ابلغ قوى 14 آذار "اننا حاضرون لأي ضمانة، وبالفعل حضر قبل يومين بعض في الاكثرية وتكلم معي في هذا الموضوع وتقدم باقتراحات ووافقت عليها، مع الاسف عادوا وأصروا على رئاسة الجمهورية الأمر الذي بته الحوار الوطني بأننا اتفقنا على ألا نتفق عليه". وعن إمكان وصول التأزم الى درجة وجود حكومتين في لبنان أجاب بري: "جرائم كثيرة ترتكب في لبنان على مستوى الاغتيالات وعلى مستوى الممارسات، لكن اذا كانت كل الجرائم لا تغتفر فهذه الجريمة لا يمكن ان تطالها رحمة. هذا معناه تقسيم لبنان".
انان: سنمضي في خططنا
وفي نيويورك، علمت "الحياة" ان المحكمة الجنائية الدولية على وشك الموافقة على تمديد إعارة القاضي البلجيكي سيرج براميرتز على رأس لدنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري حتى منتصف حزيران (يونيو) المقبل.
من جهة اخرى، أكد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، تعليقاً على رسالة الحكومة السورية المتعلقة بالمحكمة الدولية "اننا ماضون طبقاً لخططنا. فلقد حصلنا على رد الحكومة اللبنانية ونمضي الى الأمام طبقاً لخططنا". وقال: "من البديهي أن القضية ستطرح أمام المحكمة عندما تنتهي التحقيقات. انما يجب أن تكون المحكمة جاهزة لتلقي القضايا واجراء المحاكمات".
وقال انان، في حديث قصير مع "الحياة" في أروقة الأمم المتحدة انه تحدث مع رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة أثناء فترة العطلة الاسبوعية وبحثا معاً في الخطوات التالية لموافقة الحكومة على المحكمة. وقال: "سأراجع الأمر مع فريقي ومع بعض أعضاء مجلس الأمن لنقرر كيف نمضي من هنا".
وعن تأثير اعتراض رئيس الجمهورية اللبنانية على موافقة الحكومة وعن كون موقفه هو الذي أدى الى إعادة ترتيب الخطوات، قال أنان في أشارة إلى اللبنانيين: "عندهم مسائل داخلية يتولون هم تناولها في بيروت. ونحن، بالطبع، علينا مسؤوليات هنا في الأمم المتحدة. وأنني على ثقة بأن رئيس الحكومة وفريقه سيجدون وسيلة الخروج" من الوضع الراهن.
ووصف أنان الوضع في لبنان بأنه في "هش" و"دقيق". وقال: "علينا جميعاً أن نبذل كل جهد لدعم حكومة لبنان وشعبه، والحفاظ على استقراره ووحدته. انني أتحدث مع بعض قادة المنطقة من اجل ان يدعموننا ويدعمون جهود لبنان". وأضاف أنه طلب من قادة إيران وسورية "أن يعملوا معنا لضمان الاستقرار والوحدة في لبنان، وأن يناشدوا الأطراف التي لهم معها نفوذ أن تمارس الصبر".
وقال السفير الأميركي لدى الامم المتحدة جون بولتون، تعليقاً على الرسالة السورية، ان فحواها "ليس شيئاً جديداً من سورية، فهم لم يتعاونوا بالشكل المطلوب منذ البداية. ولو كنت في موقعهم لكنت قلقاً أكثر من إنشاء المحكمة مما من التحقيق ذاته. فهذه الرسالة لا تشكل لنا مفاجأة". واضاف لـ"الحياة" إن "الخطر الذي سبق للبيت الأبيض أن توقعه قبل بضعة أسابيع حول التدخل الإيراني والسوري في لبنان لا يزال قائماً في ذهننا، واعتقد بأنه سيكون موضع نقاش خلال زيارة الرئيس (جورج بوش) للمنطقة". وتابع: "فهذه قد تكون نقطة مصيرية في تاريخ لبنان"، و "إذا لم ينجح في التقدم نحو الوضع المستقر، سينتج عن ذلك تبعات دراماتيكية وسلبية للمنطقة ككل". وأضاف: "اننا نتابع الأمر بحذر شديدي ونريد أن نقوم بكل ما في وسعنا لدعم القوى المُنتخبة ديموقراطياً في حكومة لبنان". وقال عندما تنتهي الحكومة اللبنانية من الاجراءات الخاص بها "يمكننا التحرك نحو مسألة التوقيع، إنما المسألة الآن في أيادي الحكومة اللبنانية".