جريدة الجرائد

أي اتفاق أميركي مع سورية يضعف لبنان هو مساومة فاشلة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



جيم هوغلاند - واشنطن بوست


القتل كوسيلة سياسية اختفى من العديد من الاماكن. إلا ان الاغتيالات لا تزال وسيطا مهما في السياسة العربية. ولم تبد كلٌّ من الاحادية الاميركية في العراق ولا التشريعات المتعددة للامم المتحدة في لبنان وسورية، اهتماما كافيا به.

تجدر الاشارة الى ان منطلقات الامم المتحدة والولايات المتحدة المختلفة، تتعرض لتجربة جديدة من جيل جديد من ممارسي الاغتيال السياسي، الذين يستخدمون تكتيكات تعود بنا الى انجلترا في عهد ريتشارد الثالث او اسرة بورغيا في ايطاليا في القرون الوسطى. والأمر الوحيد الذي يمكن ان يغير الموقف هو تبني استراتيجية هي مزيج من القوة والدبلوماسية.

وتبذل ادارة بوش جهدا كبيرا في العراق لمنع تحول الفشل الى هزيمة. وطموحات الترويج للديمقراطية في الشرق الاوسط بإسقاط صدام حسين تتحول بسرعة الى قضية تدخل، من كوسوفو الى درافور: "هل يمكننا منعهم" من قتل بعضهم بعضا؟ اذا كانت الاجابة بالنفي، فهذه هي الهزيمة. والفائدة الفورية لمبدأ التدخل في العراق كانت اسقاط نظام البعث السادي الذي كان يمارس القتل بصفة روتينية ضد المنشقين من كل الانواع، بمئات الالوف. إلا ان انهيار النظام تحت الاحتلال سيئ الادارة، ادى الى خصخصة، من جانب المواطنين العاديين، للاحتكار الحكومي السابق على عمليات الاغتيال والتعذيب.

وتوسعت القوة الوحشية لتصبح القاسمَ المشتركَ الاصغرَ للسياسة في العراق. وأصبحت الفوضى رد فعل على المستوى الوطني بدلا من كونها استراتيجية تحكمية للديكتاتور.

وعلى العكس من البعثيين في بغداد، والذين كانوا يقتلون المعارضين لمجرد التدريب او الترويح، فإن البعثيين في دمشق قتلوا اعداءهم عندما كان الامر ضروريا ـ بعد فشل الرشوة والتهديد. ان مسلسل قتل السياسيين اللبنانيين الذين يعارضون سيطرة سورية على بلادهم هو دليل على اليأس في دمشق. وربما تكون هذه هي الطريقة التي يقول من خلالها بشار الاسد لواشنطن "دعونا نتوصل لاتفاق". والذين يتحسَّرون على الافتقار الى التواصل بين ادارة بوش ونظام الأسد لا ينتبهون جيدا لما يجري. فوفقا للقواعد المحلية، تعتبر جريمة القتل التي تنفذ في توقيت مناسب، مثل اغتيال بيار الجميل في بيروت الاسبوع الماضي، اكثر فعالية من توجيه رسالة احتجاج دبلوماسي للسفير الاميركي.

جاءت حادثة القتل في وقت كانت فيه سورية تعمل على إعادة تأسيس علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بعد قطيعة دامت 24 عاما. ترجمة التصرفات السورية وجدت طريقها على وجه السرعة الى مختلف دول الشرق الاوسط: "هل تريدون المساعدة في العراق؟ هذا الأمر سيكلفكم لبنان". هذه هي السياسات القائمة على مبدأ مراعاة المصالح الوطنية على نمط نظام الاسد. من الواضح ان الجانب السوري شعر بانزعاج من جرَّاء سعي الأمين العام للامم المتحدة، كوفي أنان، الى تشكيل محكمة دولية للنظر في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005. الشبهة الرئيسية في تدبير الاغتيال تحوم حول مسؤولين سوريين، وهناك اعتقاد واسع انهم يقفون وراء اغتيال اربعة اشخاص آخرين من مؤيدي استقلال لبنان عقب اغتيال الحريري.

إلا ان ادارة بوش آثرت بغباء متابعة قضية ثانوية تتمثل في رفضها إجراء اتصالات دبلوماسية غير مشروطة مع سورية وإيران خوفا من ان يُنظر اليها على أنها "تكافئ على السلوك السيِّئ"، ذلك ان هذه القضية حجبت القلق الدولي المتزايد تجاه سلوك هاتين الدولتين؛ فأيُّ محاولة لفتح قنوات اتصال مع دمشق او طهران يجب ان تجري بعناية فائقة تجنبا لإعطاء أي انطباع بأن واشنطن تعتزم ان ترى سورية، وهي تعيد هيمنتها على لبنان مقابل تسهيل مهمة الولايات المتحدة في العراق.

يجب ان تتبنى ادارة بوش سياسة جعل كل الاتصالات المهمة مع كل من سورية وإيران معلنة مثلما فعل وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر عندما تعامل مع طارق عزيز في جنيف في يناير (كانون الثاني) 1991 عشية "عملية عاصفة الصحراء". من المؤكد ان مثل هذا النوع من الشفافية سيؤكد وصول شروط الولايات المتحدة الى الجهات المعنية بدون تعرضها لتشويه او تحوير. كما سيسمح ذلك للدول الاخرى بمراقبة نوايا واشنطن. أصبح من السائد انتقاد سياسة واشنطن الخارجية القائمة على اساس "الأبيض والأسود" ورؤية "الخير مقابل الشر"، والتمسك بأن الواقع "الرمادي" المناسب يمكن ان يضمن استمرار النظام العالمي. يُضاف الى ذلك ان الكارثة في العراق شوَّهت لدى بعض الدوائر وجهَ المجهودات والمساعي الرامية الى ترقية الديمقراطية.

إلا ان أي اتفاق "واقعي" يضعف حرية لبنان التي استعادها بصعوبة من السيطرة السورية ويوفر الحماية للقتلة في دمشق، سيصبح بسرعة مساومة فاشلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف