ميليشيات مقتدى الصدر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء 29 نوفمبر 2006
جيفري بارثوليت ـ نيوزويك
يمكنه أن يقتل بواسطة أتباعه المتشحين بالسواد، ويسبب المتاعب للحكومة متى شاء. لماذا قد ينتهي الأمر بأن يقرر مقتدى الصدر مصير أمريكا في العراق. لفهم مقتدى الصدر، ينبغي النظر اليه باعتباره رئيس مافيا شابا. انه يسعى الى كسب الاحترام، وهو مستعد للقتل من أجل تحقيق غايته هذه. غير أن مدى نفوذه ليس جليا لغير الملمين بهذه الأمور. ليس لديه جيش نظامي أو قوة شرطة، ومسلحو جيش المهدي الذين يوظفهم ليس لديهم دبابات أو طائرات. قد تخطئ تقديره ــ على حساب حياتك ــ وتخاله من قطاع الطرق أو مجرد قائد عصابة. وان قتلك هو أو أتباعه بسبب جهلك، لن يتبنى العملية. لكن الرسالة ستكون واضحة للذين يفهمون لغة الشارع العراقي الوحشية.
الجنود الأمريكيون الذين يقومون بدوريات في منطقة نفوذ الصدر في بغداد يفهمون ذلك. ويمكنهم التعرف الى رجاله.
يقول اللفتننت روبرت هارتلي، البالغ من العمر 25 عاما، والذي يلعب لعبة القط والفأر مع جيش المهدي في العاصمة العراقية: "يبدون وكأنهم يقومون بالحراسة". فرجال الصدر يستعينون بالأطفال والشبان للمراقبة. وعندما يخرج الجنود الأمريكيون من عربات الهامفي ليقوموا بدوريات راجلة، يطلق أحد هؤلاء المراقبين طائرة ورقية في الهواء أو سربا من الحمام. وقد اخترق بعض رجال الصدر حتى صفوف الشرطة العراقية على أعلى مستوياتها. يقول الكابتن توم كابلا، البالغ من العمر 29 عاما، انه يعرف من هم: "ينظرون اليك فتعرف أنهم يريدون قتلك".
قوة فريدة
الصدر قوة فريدة من نوعها في العراق: انه قائد من الأغلبية الشيعية قاوم الاحتلال الأمريكي منذ البداية. وهو شعبوي وقومي وراديكالي اسلامي في آن واحد. ويكمن جزء من نفوذه في كونه نافذا بكل بساطة. فالكثير من الشيعة الفقراء يعتبرونه حاميهم، والقائد الوحيد المستعد ليس فقط للدفاع عنهم بل أيضا للثأر لهم. يقول اللفتننت هارتلي، الذي يتعامل مع رجال الصدر بشكل دائم: "ان الناس يعتمدون على المليشيات. الأمر شبيه بالمافيا، انهم يحمون الناس".
كلما صمد الصدر، علا شأنه أكثر فأكثر. والعراقيون والأجانب الذين يلتقون به يعجبون لهذا التحول. انه أكثر دبلوماسية ويلقى احتراما أكبر. في السابق، كان يستقبل الزوار بمكتبه في النجف جالسا على وسادات على الأرض. والآن بات لديه مجموعة من الأرائك. وهمومه نبيلة: يتكلم عن نقص الوقود وسياسات الحكومة. في الماضي، كان الصدر يعتبر مشاكسا ومصدر ازعاج. والآن بات أحد القادة الأكثر شعبية في البلاد بلا شك. انه أيضا أكثرهم خطورة، لأنه يملك الوسائل لشن حرب سياسية أو عسكرية لمجابهة أي حل لا يروقه. وتدفعه قوى لطالما أساءت أمريكا تفسيرها في العراق: التشدد الديني والنقمة الاقتصادية والطائفية المترسخة.
وهو الآن هدف رئيسي للمتمردين السنة العازمين على اثارة حرب أهلية شاملة. يوم الخميس الماضي، نفذ المقاتلون السنة هجومهم الأكثر فتكا منذ عام .2003 فقد أودت سيارات مفخخة، مقرونة بقذائف الهاون، بحياة أكثر من 200 شخص في مدينة الصدر، المعقل الشيعي الذي يضم مليوني شخص في بغداد ويسيطر عليه جيش المهدي. وقد ردت القوى الشيعية فورا باطلاق قذائف هاون على مسجد سني كبير في بغداد، ومن خلال حرق أمكنة مقدسة أخرى. ولم يحل دون المزيد من الهجمات الثأرية الأكثر دموية سوى وجود الجنود الأمريكيين، وحظر تجوال واسع النطاق في كل أنحاء المدينة.
المعضلة
ان الصدر هو أكثر من يجسد المعضلة التي تواجهها واشنطن: اذا غادر الجنود الأمريكيون العراق سريعا، سوف يُطلق العنان لقادة المليشيات أمثال الصدر أكثر من أي وقت مضى، وقد يلي ذلك حرب أهلية شاملة. لكن كلما طال الاحتلال الأمريكي، تراجعت شعبية أمريكا، وازدادت شعبية الصدر وأمثاله.
ويعتبر الكثيرون أن السياسات الشيعية التي يعتمدها الصدر ـــ السياسات الناشئة محليا والشعبوية وعديمة الشفقة ـــ هي نتيجة طبيعية للدمار الذي خلفه سقوط صدام، وجزء كبير مما أصبح عليه العراق. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فان عدد القتلى المدنيين العراقيين بلغ 3
709 قتلى في أكتوبر، وهو عدد لا سابق له. ففرق الموت التابعة لجيش المهدي، والمجموعات الشيعية والسنية الأخرى، تخطف المدنيين وتقتلهم بلا رحمة، وتجرهم أحيانا من المستشفيات أو الوزارات الحكومية. وغالبا ما تُكتشف في الشوارع جثث ذات ظهور محروقة بالحمض أو ثقوب أحدثت بمثقاب كهربائي في ركبها ومعدها ورؤوسها. وفي الأوساط الشعبية العراقية، تلقي الولايات المتحدة اللوم على سفك الدماء هذا، لمجرد وجودها هناك. وكما قال الصدر لنيوزويك في وقت سابق من هذه السنة: "الاحتلال هو صاحب القرار... (أمريكا) تتحمل مسؤولية أي هجوم".
ان المواجهات الأمريكية مع مقتدى الصدر ناتجة الى حد كبير عن حماقات أمريكا في العراق. وهي تنم عن جهل وسوء تخطيط وخطوات عاثرة وارتباك. غالبا ما كانت الآراء تختلف بين كبار صانعي السياسات بشأن أهمية الصدر وكيفية التعامل معه. وكانت النتيجة اجراءات جزئية والكثير من التردد. لكن الأمر يتعدى الاخفاقات السابقة وينطوي على أمثولات ـــ وتحذيرات ـــ بشأن المستقبل.
معركة جديدة
طوال عام 2005، شن المتمردون السنة هجمات أكثر ضراوة على المدنيين الشيعة والأمكنة المقدسة الشيعية. وطلب آية الله السيستاني الى أنصاره مرارا ضبط النفس، وقد فعلوا ذلك بصبر مدهش. لكن الصدر، الذي لطالما اعتبر نفسه قوميا عراقيا، وتعاون مع المقاتلين السنة في بداية التمرد، راح يدعو السنة الى التبرؤ من الزرقاوي. ورسمت خطوط معركة جديدة.
وقد حصلت نقطة التحول في 22 فبراير 2006، عندما فجر معتدون مقام "العسكري" ذا القبة الذهبية في سامراء. وهو مثوى الامامين الـ10 والـ11، وأحد أقدس الأمكنة لدى الطائفة الشيعية. بعد تفجيرات سامراء، شعر الكثير من الشيعة بضرورة الانتقام. في معاركهم الضارية في الشوارع ضد السنة، قرروا أنهم يفضلون أن يكون الى جانبهم مشاكس (مثل الصدر) بدلا من رجل دين (مثل السيستاني). يقول علي مجبل، وهو ميكانيكي يبلغ عمره 26 عاما منخرط في جيش المهدي: "نحن نتحلى بالشجاعة، ولدينا كميات كبيرة من الذخائر، وقادة أكفاء، وهذا واجب ديني. فلماذا لا نحاربهم؟ بقينا تحت حكم السنة طوال أكثر من 14 قرنا. حان الوقت لكي نحكم أنفسنا الآن".
لايزال الصدر يصر على أن معركته الأساسية هي ضد الغزاة الأجانب. انه القائد الشيعي الوحيد الذي عارض الاحتلال الأمريكي منذ البداية، واستمر في المطالبة بجدول زمني محدد للانسحاب الأمريكي. وتوافقه الرأي الآن الأغلبية الساحقة من العراقيين. في استطلاع للرأي أجراه موقع WorldPublicOpinion.org في سبتمبر، تبين أن 36 بالمائة من العراقيين الشيعة الـ 501 الذين شملهم الاستطلاع يدعمون الهجمات ضد الأمريكيين. حتى في بغداد، حيث يبلغ التوتر العرقي ذروته، يتفق الشيعة مع السنة على أمر واحد: 80 بالمائة من شيعة العاصمة يريدون أن تغادر القوات الأمريكية في غضون سنة، بحسب استطلاع الرأي. هذه النسبة ارتفعت الى حد كبير في غضون أشهر. ففي استطلاع للرأي كان قد أجري في يناير، أراد معظم الشيعة تقليص عدد الجنود بقيادة أمريكية "مع تحسن الوضع الأمني" فقط.
تهديد سلطة الصدر
في واشنطن، لا يزال بعض السياسيين يتكلمون عن "انتصار"، في حين يهدف آخرون فقط الى ارساء الاستقرار في البلد والمغادرة ببعض الكرامة. ان الكثيرين في العاصمة الأمريكية يعيدون النظر في الاقتراحات السابقة لحل المشاكل المستقبلية، المزيد من التدريب والجنود، ونزع أسلحة المليشيات، وارساء المزيد من الاستقرار في بغداد. فالمرشح الرئاسي الأبرز للحزب الجمهوري لعام 2008، جون ماكين، يفضل زيادة 20
000 جندي أمريكي الى القوات الموجودة الآن في العراق، على الأقل مؤقتا. وقد طالب أيضا بـ "القضاء على" الصدر. لكن ربما فات الأوان لذلك.
قد تكون الحركة الآن أهم من الرجل. فالصدر "يواجه مشكلة شائعة. لا يستطيع السيطرة على مستعملي اسمه وشرعيته"، كما يقول توبي دودج من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. وبعض كبار أتباع والد الصدر انشقوا عنه، بعدما خاب أملهم بالابن. ويبدو أن بعض الشبان القساة يعملون لحسابهم الخاص حيثما يستطيعون. قد تشكل الفصائل المتمردة تهديدا لسلطة الصدر في النهاية. اذا ما سقط، "سيكون هناك 30 حركة مختلفة. فثمة 30 قائداً محليا يتمتعون بنفوذ كبير في مناطقهم. واذا أطحنا به، ستحصل منافسة بين الذين يريدون أن يرثوا حركته... ان القيام بذلك أمر خطر جدا. قد نجعل حياتنا أكثر صعوبة بكثير"، كما يقول فالي نصر، وهو أكاديمي وكاتب قدم النصح لادارة بوش في ما يتعلق بالعراق.
ويعتقد المحللون أن ايران قدمت الدعم أيضا للصدر، لكن ليس الى حد كبير. فقد بدأت طهران في مايو 2005 بتزويد المتمردين الشيعة، بمن فيهم جيش المهدي، بنوع خاص من المتفجرات ذات الشحنات المقولبة لزرعها على جانب الطرقات. وغالبا ما تكون بشكل صخور ومن السهل تصنيعها محليا. لكن بعض الدبلوماسيين يقولون انها تُصنع بحسب تصاميم دقيقة طورتها الاستخبارات الايرانية وزودت حزب الله بها في الثمانينات من القرن الماضي.
غير أن زبائن طهران الشيعة الأساسيين في العراق هم خصوم الصدر الذي غالبا ما ينتقد النفوذ الايراني. ويخشى الصدر أن تكون ايران اخترقت حركته، وهو محق في ذلك. فتح الشيخ، المقرب من الصدر، يقول ان الزعيم بعث برسالة خاصة الى أئمة مخلصين في أنحاء بغداد في الأسبوعين الأخيرين يحدد فيها أسماء 10 أتباع يشتبه بهم. انهم يستعملون اسم جيش المهدي، لكن الصدر يعتقد أنهم أدوات في أيدي الاستخبارات الايرانية، حسبما يقول الشيخ.
الكف عن الاستخفاف به
لقد حاول الصدر ابعاد نفسه عن الأعمال الوحشية، مصرا على أنها نفذت على أيدي مرتدين أو دجالين. والكثير من السنة، الذين أصبح الصدر بالنسبة اليهم رمزا للغدر الشيعي، لا يصدقون ذلك. يقول مثال الآلوسي، وهو عضو سني معتدل في البرلمان: "اذا قال: "اقتلوا الآلوسي"، فسوف أقتل. واذا قال: "لا تقتلوا الآلوسي"، فلن أقتل... لا أحد يستطيع مخالفة أوامره أو رغباته". وتقول هيئة علماء المسلمين، المرتبطة بشكل غير رسمي بالمتمردين السنة، ان جيش المهدي هاجم نحو 200 مسجد سني، وقتل أكثر من 062 اماما وعاملا في المساجد.
لن تُنسى كل عمليات القتل هذه، ومن المستبعد ألا يثأر السنة لها. وقد تدوم ذكريات الاستشهاد، والرغبة في الانتقام، الى الأبد. يوم الجمعة الماضي كان ذكرى مقتل محمد صادق الصدر (والد مقتدى) وابنيه بحسب التقويم الهجري. بعد تفجيرات اليوم السابق، قال مقتدى الصدر للمسؤولين الحكوميين انه كان خارج البلد. لكن يبدو أنها خديعة، لاحباط جهود الأعداء المحتملين. في الحقيقة، شوهد في مسجد الكوفة حيث كان والده يقود المتعبدين الهاتفين: "لا، لا لأمريكا" لا، لا لاسرائيل! لا، لا للشيطان!"
مع انتشار الخبر بأن مقتدى سيؤم المصلين، احتشد الناس في المسجد، ومعظمهم متشحون بالسواد حدادا. وطلب الصدر الى المتعبدين الصلاة لأفراد عائلته المتوفين، وأيضا للذين قتلوا في مدينة الصدر. وطالب الولايات المتحدة مجددا بأن تحدد جدولا زمنيا للانسحاب من العراق. وحث أحد كبار الشيوخ السنة على اصدار ثلاث فتاوى: واحدة ضد قتل الشيعة، وثانية ضد الانضمام الى تنظيم القاعدة، وأخرى لاعادة بناء المقام في سامراء. وشبه أتباع والده بأتباع النبي محمد. وقال: "بعد وفاة النبي، انحرف بعض أتباعه عن تعاليمه، وهذا ما حصل لأتباع والدي". ان "الثلاثي الملعون"، الأمريكيون، والبريطانيون، والاسرائيليون، يحاول تقسيم العراق. "نحن العراقيين، السنة والشيعة، سنظل دائما اخوة".
لا أحد في العراق يتكلم عن توقيف الصدر بتهمة قتل عبدالمجيد الخوئي بعد الآن. يبدو كأن ذلك حصل منذ زمن بعيد، عندما كان داعمو الصدر المسلحون يقدرون بالمئات، في حين أنهم أصبحوا بالآلاف اليوم. والآن يتكلم الدبلوماسيون عن محاولة ابقاء الصدر داخل النظام السياسي، على أمل أن يهدئ أتباعه. ويقولون انه اسلامي نضالي ومناهض للاحتلال، لكنه قومي أيضا، وليس مقربا من ايران بقدر بعض خصومه. لا أحد يعرف ما اذا كان الصدر يراوغ عندما يتكلم عن الوحدة العراقية، أو يستعد لحرب شاملة. الأمر الواضح، اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو أن الوقت حان للكف عن الاستخفاف به.