جريدة الجرائد

نهاية مأساوية لمغامرة إسقاط النظام السوري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأربعاء 29 نوفمبر 2006


فيصل جلول

ينسب البعض لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عبارة شهيرة حول العلاقات اللبنانية السورية تقول: لا يمكن للبنان أن يحكم من دمشق ولا يمكن أن يحكم في بيروت ضد سوريا. ربما كانت شقيقة الراحل السيدة بهية الحريري تدرك معنى هذه العبارة عندما قالت في خطاب أمام مشيعيه: لا نقول وداعا لسوريا بل ldquo;إلى اللقاءrdquo;. كان هذا القول ينم عن اعتقاد مفاده أن خروج القوات السورية من لبنان يتيح لقادة هذا البلد أن يتحرروا من الأوامر التي تأتيهم من دمشق وبالتالي يكف لبنان عن أن يحكم من سوريا في مسيرة جديدة غير مناهضة للسوريين. بيد أن إرادة السيدة المفجوعة باغتيال شقيقها كانت تتناقض مع مشاعر القسم الأكبر من المشيعين الذين ردوا عليها بهتاف سلبي، علماً أن قسماً كبيراً من هؤلاء ينتمي إلى ldquo;تيار المستقبلrdquo; وهم كانوا يصرخون لتوهم في ldquo;قريطمrdquo;: أي ويالله... سوريا طلعي برا.

في 8 آذار عام 2005 كان السيد حسن نصرالله يذهب في اتجاه السيدة الحريري أمام حشد مليوني وداعي للقوات السورية المنسحبة من لبنان: نقول شكرا لسوريا حافظ الأسد ولسوريا بشار الأسد. ينطوي هذا القول على معنى ldquo;إلى اللقاءrdquo; وعلى عرفان بالجميل وشعور بالانفراج في الآن معا. ذلك أنه رغم التحالف الوثيق بين حزب الله ودمشق كانت بعض القيادات الحزبية تعبر عن مخاوفها في جلسات خاصة من مقايضة سورية على ورقة المقاومة اللبنانية، وكان احد أصدقاء سوريا الموثوقين رئيس الوزراء السابق عمر كرامي يؤكد علناً هذه المخاوف عندما يردد: إذا انسحبت سوريا من لبنان، من ينزع سلاح المقاومة؟

في 14 آذار احتشد في ساحة الشهداء مليون متظاهر ردا على مليون الأسبوع الفائت، وعبر المحتشدون عن رغبتهم الجامحة في حكم لبنان ldquo;ضد سورياrdquo; ليس فقط عبر تصفية أصدقائها وأعوانها في أجهزة الدولة، وإنما أيضا عبر المطالبة الصريحة بإسقاط النظام السوري: ldquo;لا يمكن للبنان أن يحقق استقلاله التام ما دام النظام التوتاليتاري قائماً في دمشقrdquo; بحسب الزميل سمير قصير الذي تعرض للاغتيال لاحقا ليصبح قوله شعارا ما فتئ رئيس ldquo;اللقاء الديمقراطيrdquo; وليد جنبلاط يردده في ندواته وخطبه العلنية.

منذ ذلك الحين بدا جليا أن مشروع 14 آذار يقوم على حكم لبنان ضد النظام السوري، وأن قادة هذا الفريق البارزين يريدون الثأر من دمشق ولكل منهم أسبابه الشخصية فضلا عن الأسباب السياسية. جنبلاط قال إنه لم ينس اغتيال والده فضلا عن محاولة اغتيال ساعده الأيمن مروان حمادة ldquo;الشهيد الحيrdquo;، وسعد الحريري لا يكف عن اتهام السوريين باغتيال أبيه منذ اللحظة الأولى، فيما الرئيس أمين الجميل يؤكد وهو المحامي على احتفاظه بدلائل ldquo;جدية على مسؤولية السوريينrdquo; باغتيال شقيقه الرئيس الأسبق بشير الجميل، وهو للتذكير ملهم ورفيق درب سمير جعجع القائد الوريث ل ldquo;القوات اللبنانيةrdquo;، والذي غاب 11 عاما في أقبية وزارة الدفاع اللبنانية خلال الحقبة السورية.

كان الجنرال ميشال عون الزعيم الرابع في فريق 14 آذار، وكان يحتفظ بأولوية على القادة الثلاثة في مناهضته للسوريين، فهو صاحب ldquo;حرب التحريرrdquo; الشهيرة ضدهم في العام ،1989 وحليف سابق لعدوهم اللدود صدام حسين، وهو المحارب العنيد لاتفاق الطائف، واقتلع من قصر بعبدا بواسطة الطائرات الحربية السورية، وهو المنفي إلى فرنسا خلال 13 عاما بعد أن خسر الحرب مع السوريين، وهو المساهم في استصدار ldquo;قانون محاسبة سوريا وتحرير لبنانrdquo; عن الكونجرس الأمريكي، وما برح جمهوره يقارع السوريين طيلة وجودهم في لبنان. بيد أن الجنرال استخلص دروساً مفيدة من تجربته، فما أن استقر في بيروت حتى صار يردد أن مشكلته مع السوريين انتهت مع انسحابهم من لبنان، الأمر الذي لا يتناسب مع مشروع الآذاريين القاضي بإسقاط النظام السوري، وربما كان هذا السبب الأبرز في الطلاق معهم ومن ثم التحالف مع حزب الله.

ما من شك أن الرهان الدولي على فريق 14 آذار كان معقوداً على دوافعه العدائية الحادة ضد الحكومة السورية، هذه الدوافع المبنية ليس فقط على مشاعر الثأر وإنما أيضاً على ثقافة سياسية راسخة لدى شريحة جماهيرية واسعة من المسيحيين ترى أن الاستقلال الحقيقي يتم بمدى البعد عن سوريا. ولعل من سوء حظ الآذاريين أن المجتمع الدولي (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) لا يقيم اعتباراً يذكر للمهرجانات المليونية والخطب السياسية الحماسية عن الحرية والديمقراطية، خصوصاً عندما تكون قاصرة عن اختراق أسوار دمشق وعن نصرة ldquo;إسرائيلrdquo; في حربها الأخيرة على لبنان.

أغلب الظن أن آذاريي لبنان يعيشون هذه الأيام لحظات مصيرية عصيبة للغاية، فالنظام السوري الذي ما انفكوا يريدون إسقاطه استأنف علاقاته الدبلوماسية مع بغداد ولعب دوراً ضامناً لاتفاق التهدئة ldquo;الإسرائيليrdquo; الفلسطيني، وبات حاجة حقيقية ل ldquo;المجتمع الدوليrdquo; و للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، فيما ldquo;المحافظون الجددrdquo; يحزمون حقائبهم في واشنطن وتوني بلير يبحث عن مخرج مشرف لحياته السياسية في فلسطين، وبالاتفاق مع دمشق، أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك فإنه يفتش عن السيناريو الشخصي الأفضل في مواجهة حملة رئاسية تتقدمها مرشحة اشتراكية جذابة لن ترحم سيد الإليزيه في مهرجاناتها الخطابية، وزعيم يميني شاب يقبض بيد من حديد على الحزب الديغولي بعد أن همش أنصار الرئيس ويحيط نفسه بشخصيات تنتظر ساعة الانطلاق لإعلان قطيعة مدوية مع العهد الشيراكي على كل صعيد.

في هذه الأيام، يكتشف قادة 14 آذار أن مشروع إسقاط النظام السوري وصل إلى طريق مسدود، وأن هامش المناورة أمام حركتهم السياسية بات محدودا على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن هامش المناورة في لبنان يضيق أمامهم يوما بعد يوم إلى حد قد لا يجد معه الرئيس فؤاد السنيورة ldquo;الوقت الكافي ليجمع أوراقه الشخصيةrdquo; من السراي الحكومي، على ما يتوقع الجنرال ميشال عون. لكن في هذه الأيام أيضا ربما يجدر بالمعارضة أن تدرك أن طعم الانتصار في هذه المعركة مر للغاية، وأن المشهد الدرامي اللبناني يستحق شعارا من نوع ldquo;لا غالب ولا مغلوبrdquo;.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف