شرق أوسط جديد من صنع إيران .. استراتيجية مستحيلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان الولايات المتحدة "تورطت" في العراق وان "الامة الايرانية" جاهزة لمساعدتها على الخروج من المستنقع، شرط ان تغير واشنطن من تصرفاتها العدائية تجاه طهران.
في ذلك الخطاب "التاريخي" لمّح احمدي نجاد الى احتمال قيام تعاون بين بلاده وبين "طالبان" في افغانستان، لطرد المحتلين من افغانستان والعراق و"لبنان" وفلسطين. من هم المحتلون في لبنان؟ ولا نعرف من خوّله هذه المهمة بالنسبة الى لبنان او من استنجد به، وكأنه لا يعترف بـ"النصر الالهي" الذي تحقق "لدينا" . ام تراه يسير على خطى المرشد الاعلى للثورة الاسلامية الايرانية الذي تنبأ بهزيمة "الاميركيين والصهاينة فوق لبنان". هل اشترى السيد احمدي نجاد لبنان بشعبه كله ونحن لا ندري، ومن قبض الثمن ليصبح الكلام عن "تحرير" لبنان على رؤوس أبنائه بهذه السهولة. هل يدري السيد احمدي نجاد ان اغلبية اللبنانيين شبعت تحريرا وجهادا ونضالا وتريد ان تعيش وتترك المقاومة لغيرها من شعوب المنطقة. وهل انه يساوي بين "حزب الله" في لبنان وبين "طالبان" في افغانستان، وهل يقبل "حزب الله" بذلك؟
منذ تسريبات تقرير وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر عن الحاجة الاميركية لفتح باب الاتصالات مع طهران ودمشق، شعرت ايران بأنها تقترب من تحقيق اهدافها وهي: "ان تقود الامة الايرانية شعوب المنطقة" (كما قال احمدي نجاد في خطابه يوم الاحد الماضي). وما ان اتفقت سوريا والعراق على اعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما، حتى دعا احمدي نجاد رئيسي البلدين للمجيء الى طهران وعقد قمة ثلاثية معه. هو اراد بذلك تحقيق عدة اهداف منها: استثناء او استبعاد اي دور للمملكة العربية السعودية، وتقديم ايران للولايات المتحدة على انها القوة التي تسيّر العراق وسوريا، وبالتالي فإن نجاح الحوار الاميركي معها ينعكس ايجاباً على اي حوار اميركي ـ سوري والعكس صحيح، ثم ان القرار الصادر من طهران وليس "وثيقة مكة" الصادرة في عشرين من الشهر الماضي، هو الذي يوقف "المجازر" الدائرة بين الشيعة والسنة في العراق، والأهم اراد احمدي نجاد طرح نفسه نداً لند مع الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الحائر في ما يفعل للخروج من المستنقع العراقي.
بعد الدعوة تلك، غرق العراق في بحر من الدم لم يسبق له مثيل، وكانت طهران ترى انها تقترب من التقاط الثمرة العراقية التي ستجلب معها لا محالة سقوط لبنان في الحضن الايراني، وكذلك سوريا.
وبسبب الجنون الدموي الذي اجتاح بغداد، اسرعت حكومة نوري المالكي الى إغلاق المنافذ الجوية العراقية، ورأت واشنطن في ذلك فرصة للطلب من الرئيس العراقي عدم تلبية الدعوة الايرانية، وساد غموض في دمشق، ثم توجه نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني للاجتماع مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان من النتائج الاولى لاجتماع الساعتين موافقة اسرائيل على وقف اعتداءاتها على قطاع غزة بالتزامن مع توقف "حماس" عن اطلاق صواريخ القسام باتجاه المستعمرات الاسرائيلية. وهذا كان مطلب الدول العربية
ان اختيار بوش لنائبه تشيني للقيام بتلك المهمة الحساسة يكشف بعضاً من تفكير الرئيس الاميركي بالنسبة الى العراق، كما انه يشير الى اهمية تشيني في السنتين المتبقيتين من حكم الرئيس الاميركي. ويذكر ان تشيني من المصرّين على ان لا تسوية للأوضاع في العراق اذا لم يتغير النظام في ايران، ثم ان فتح اي نوع من الحوار مع ايران سيكون بمثابة استسلام لها، وهذا لن يحصل. وليس صدفة أن بوش قرر إعطاء الفرصة لتشيني وليس لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ليقوم بدور رئيسي في هذه المرحلة الحساسة في الشرق الاوسط، وقد جاءت زيارته السريعة والمكثفة الى الرياض بعدما اعادت لجنة بيكر مراجعة اقتراحاتها واستبعدت الدعوة الى انسحاب اميركي فوري من العراق ورأت بضرورة التركيز على تحسين تدريب القوات العسكرية العراقية واعادة انتشار القوات الاميركية.
ويقول لي مصدر غربي، ان تقرير بيكر او ما تسرب منه، لم يرض ايران، فهي ترى انها مهيأة لقيادة العالم الاسلامي، وتعتقد بأنها انتظرت طويلاً بحيث اصبحت سوريا والعراق مركز التجاذب الجديد في العالم العربي، وهي على تحالف مع الدولتين، وتسمع من دمشق ان اتفاق سايكس ـ بيكو اوجد الشرق الاوسط الحالي، ويمكن للتحالف الجديد ايجاد شرق اوسط جديد.
"التحالف الجديد"، او محور طهران ـ بغداد ـ دمشق، هو ما يثير قلق واشنطن والدول العربية. وبمجرد ان وجّه احمدي نجاد دعوته الى "القمة الثلاثية" كتبت صحيفة "كيهان" الايرانية عن احتمال بروز "تحالف استراتيجي". واضافت: "ان خوف اميركا من اللقاء الثلاثي طبيعي، لأنه سيُترجم الى ازمة جديدة تواجهها واشنطن في وقت تتأرجح فيه الادارة الاميركية ويضيع منها صنع القرار". وقالت الصحيفة ان اللقاء الثلاثي سببه الوضع غير المستقر في العراق، لكنها لم تشرح بأن "التحالف الاستراتيجي" يصل الى ابعد من العراق.
يوم أسرع احمدي نجاد في توجيه الدعوة الى القمة الثلاثية في 21 من الشهر الجاري، قُتل وزير الصناعة في لبنان الشيخ بيار امين الجميل (34 سنة)، وفي اليوم نفسه كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوّقع مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري اعادة العلاقات الديبلوماسية بين دمشق وبغداد. هل ان الصدف الغريبة تلعب دورها دائماً مع شخص وليد المعلم؟ ففي اليوم الذي اغتيل فيه رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، كان اتصل صباحاً بوليد المعلم في دمشق طالباً منه ان يقرأ حديثاً كان ادلى به الحريري لصحيفة "السفير" اللبنانية، وعند الظهر اغتيل الحريري. ويوم اغتيال بيار الجميل كان المعلم يوّقع على اعادة العلاقات بين سوريا والعراق.
احياناً تشبه الصدف، الغطاء. في ذلك اليوم (يوم اغتيال بيار الجميل) كانت مندوبة الـ"بي. بي. سي" كيم غطاس في دمشق تجري حديثاً مع محلل سياسي وكان يعبّر لها عن مخاوفه من الوضع في لبنان وقال:"ان الايام القليلة المقبلة ستكون جد خطيرة، فالسوريون غاضبون جداً من المحكمة الدولية التي يتم انشاؤها لمحاكمة قتلة رفيق الحريري" واضاف: "ان تحقيقات الامم المتحدة في تلك الجريمة تصوّب اصابعها نحو سوريا، وان القيادة السياسية السورية ستعمل وبأي ثمن ايقاف تلك المحكمة". وقال المحلل السياسي السوري:"ان سوريا تحاول اقناع العالم بأنها تساعد الولايات المتحدة على القيام بخطوات انفتاح تجاه العراق، فيما تريد في الواقع ابعاد الانتباه العالمي عن مسألة ان سوريا تعمل جاهدة لاسقاط حكومة فؤاد السنيورة في لبنان".
اثناء تلك المقابلة، وصلت رسالة على الهاتف الى مندوبة الـ"بي. بي. سي" فيها خبر اغتيال بيار الجميل. وتقول المراسلة، انها قبل ساعتين من لقائها المحلل السياسي، ابلغها شخص مقرّب جداً من القيادة السورية، انه في الايام الاخيرة قررت قيادة حزب البعث الحاكم انه مقابل المساعدة التي يطلبها الاميركيون فإن سوريا ستطلب ما وصفه بـ"الجاك بوت" (الجائزة الكبرى)، وهذه لن تكون فقط في استعادة مرتفعات الجولان، بل وفي وضع برنامج زمني واضح لانسحاب القوات الاميركية من العراق (هذا ما طلبه ايضاً وليد المعلم اثناء وجوده في بغداد)، ووضع نهاية لتحقيق الامم المتحدة المتعلق بالكشف عن مرتكبي جريمة اغتيال الحريري.
ربما تكشف هذه التصريحات ان هناك سباقاً ايضاً بين ايران وسوريا على العراق وبأن مصالحهما غير متشابهة. وكان البروفسور في جامعة طهران كامران تارومي كتب اخيراً: "ان ايران تفضل كثيراً ان ترتبط بعلاقات وثيقة مع العرب الذين لا يرزحون تحت رحمة نظام بشار الاسد وغير الملتزمين بالمصالح السورية، والعراق يمكن ان يوفر لها ذلك".
من المؤكد ان ايران تعرف كل نقاط الضعف السورية، وقد يكون التلويح بـ"التحالف الاستراتيجي" مع ايران، وعراق يسيطر عليه الشيعة، هو اختبار ايراني لاستعداد سوريا لأن تكون طرفاً في تحالف يميل توازن القوى الى مصلحة ايران، ويقلّص من النفوذ السعودي ومن النفوذ المصري، حليفي سوريا في السابق. وهنا لا بد من تذكير سوريا بالقول المشهور: أُكلت يوم أكل الثور الابيض.
لكن، ماذا سيحصل إذا ما انهار الوضع الامني كلياً في العراق؟ ما الذي سيحمي حدود ايران وسوريا مع العراق من ان تكون ممراً للمشاكل وعدم الاستقرار في بلديهما وفي الدولتين اثنيات متعددة؟ ايران تعرف ان واشنطن تريد فصل ملف البرنامج النووي الايراني عن ملف الأمن في العراق قبل ان تطلب مساعدتها في العراق، وايران ترفض ذلك، فهل ان سوريا تشارك ايران مصلحتها في ربط الملفين؟
وتريد واشنطن من طهران ان تستعمل نفوذها لدى الشيعة العراقيين للتوصل الى اتفاق مع السنّة هناك، ولمّح الايرانيون الى استعدادهم لفعل ذلك مقابل ثمن يتضمن: حماية النظام الايراني، الاعتراف بالنفوذ الايراني في العراق والاعتراف بسيطرة ايران على الخليج العربي وعلى الشرق الاوسط كله. وهذا يعني انه لتأمين الاستقرار داخل العراق ينبغي زعزعة ميزان القوى في المنطقة وتقوية ايران.
إنها حرب مستمرة بين إيران والولايات المتحدة، وهي تجددت في لبنان