أفغانستان وإفساد المجتمع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أنطونيو ماريا كوستا
حين يلتقي زعماء منظمة حلف شمال الأطلنطي في قمتهم التي ستنعقد في ريجا في نهاية هذا الشهر، فسوف يخيم على اللقاء شبح عنيد: شبح أفيون أفغانستان. لقد أصبحت أفغانستان عرضة للوقوع من جديد بين أيدي الإرهابيين، والمتمردين، والمجرمين، وتجارة الأفيون التي تجاوز حجمها آلاف الملايين من الدولارات والتي تؤرق البلاد وتقض مضجعها. حتى أن القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلنطي أطلق على تجارة المخدرات هناك "كعب أخيل" أفغانستان.
لقد سجل حصاد هذا العام رقماً قياسياً بلغ 6100 طن من الأفيون، ومن المتوقع أن تتجاوز عائداته غير المشروعة الثلاثة آلاف مليون دولار أمريكي ـ وهو ما يعادل تقريباً نصف الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان. أما أرباح صغار مروجي المخدرات فسوف تتجاوز 20 ضعف ذلك الرقم.
تعمل أموال الأفيون على إفساد المجتمع الأفغاني من القمة إلى القاعدة. وبفضل التواطؤ على أعلى المستويات أصبح في الإمكان توفير آلاف الأطنان من المواد الكيميائية الأولية اللازمة لإنتاج الهيروين، ونقلها بالشاحنات إلى داخل البلاد. وتنقل القوافل المسلحة الأفيون الخام في كل أنحاء البلاد دون أن يعترض سبيلها شيء. حتى أن سيارات الجيش والشرطة تشارك في عمليات النقل هذه في بعض الأحيان. ويضمن السلاح والرشوة مرور الشاحنات عبر نقاط التفتيش. وتتدفق مستحضرات الأفيون بحرية عبر الحدود إلى إيران، وباكستان، ودول أخرى في وسط آسيا.
في أفغانستان لا يستطيع أحد أن يتعرض لحقول الأفيون التي يمتلكها أصحاب الأرض من الأثرياء، وذلك بسبب الرشاوى التي يحصل عليها المسؤولون المحليون. ولا يمثل كبار التجار أمام المحاكم أبداً، بسبب تواطؤ القضاة، إما بالرشوة أو التهديد. كما يحصل كبار المسؤولين الحكوميين على نصيبهم من عائدات الأفيون في مقابل التزامهم الصمت. حتى أن بعض حكام الأقاليم وكبار المسؤولين الحكوميين يلعبون دوراً كبيراً في تجارة المخدرات.
نتيجة لكل هذا فقد أصحبت أفغانستان عرضة لخطر الاستيلاء عليها من قِـبَل تحالف خبيث مؤلف من المتطرفين، والمجرمين، والانتهازيين. إن الأفيون يخنق المجتمع الأفغاني.
في داخل أفغانستان ترتفع معدلات إدمان المخدرات. أما الدول المجاورة التي كانت تستخدم كمحطات انتقالية للمخدرات فقد أصبحت الآن من بين أكبر الجهات المستهلكة لها، بسبب الزيادة الهائلة المماثلة في معدلات إدمان الأفيون والهيروين. وبسبب تعاطي المخدرات بالحقن في الوريد انتشر مرض الإيدز والفيروس المسبب له، في إيران، ووسط آسيا، وجمهوريات الاتحاد السوفايتي السابقة. وفي الأسواق الأوروبية الغربية التقليدية أصبح لزاماً على مسؤولي الصحة أن يستعدوا لارتفاع في أعداد الوفيات نتيجة لتعاطي جرعات زائدة من المخدرات، وذلك لأن المحصول الغزير من الأفيون هذا العام سيؤدي إلى جرعات أعلى نقاءً من الهيروين.
ما الحل إذاً؟ أولا، لابد من كشف النقاب عن الفساد في أفغانستان. لقد سأم الشعب الأفغاني من ملوك المال المتغطرسين المدججين بالسلاح والذين يعيشون في قصور ويركبون أفخم السيارات ـ وذلك في بلد لا يتمتع أكثر من 13 في المائة من سكانه بخدمة الطاقة الكهربية، وحيث يعيش أغلب الناس على دخل لا يتجاوز 200 دولار سنوياً.
لقد آن الأوان لكي تبادر الحكومة الأفغانية إلى فضح وإقالة المسؤولين الفاسدين، وإلقاء القبض على كبار تجار المخدرات وملوك الأفيون والاستيلاء على أصولهم المالية والعقارية. وفي الوقت نفسه تعمل الجهات المانحة على تدريب قوات الشرطة وممثلي الادعاء وبناء المحاكم ومراكز الاعتقال. والآن يرجع الأمر إلى الحكومة في الاستعانة بالنظام القضائي من أجل فرض حكم القانون. لن تكون مهمة استرداد الثقة في الحكومة المركزية بالمهمة اليسيرة، إلا أنها لن تكون مستحيلة. وإنها لبداية طيبة أن تبادر الحكومة إلى وضع كبار تجار المخدرات خلف قضبان السجن الجديد ذي الإجراءات الأمنية المشددة في بوليشاركي بالقرب من كابول.
مما لا شك فيه أن أفغانستان لا تتحمل المسؤولية كاملة عن المحنة التي تعيشها. فما كانت تجارة الهيروين لتحقق هذا الازدهار لو كانت الحكومات الغربية جادة في مكافحة استهلاك المخدرات. وإنها لمفارقة أليمة أن تكون الدول التي يخاطر جنودها بحياتهم في أفغانستان هي أيضاً أكبر أسواق الهيروين الذي تنتجه أفغانستان. فضلاً عن ذلك فلابد أن تبذل الدول المجاورة لأفغانستان قدراً أكبر من الجهد لمنع المتمردين، والأسلحة، والمال، والمواد الكيميائية اللازمة لإنتاج الهيروين من التدفق عبر حدودها إلى أفغانستان.
يتعين على قوات التحالف أن تتبنى توجهاً أكثر قوة في التعامل مع مشكلة المخدرات. والحقيقة أن مقاومة التمرد ومكافحة المخدرات وجهان للعملة نفسها. ولابد أن تشتمل جهود تحسين الأحوال الأمنية وفرض حكم القانون على تدمير تجارة الأفيون. ذلك أن السماح لتجار الأفيون بالعمل في حصانة يعطيهم مطلق الحرية في جمع الأموال لتغطية نفقات شراء السلاح وتدريب المقاتلين الذين يحاربون الجيش الأفغاني وقوات حلف شمال الأطلنطي.
لقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضه لقوة المساعدة الأمنية الدولية باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتنفيذ مهمتها في أفغانستان. ولابد أن تحصل قوات حلف شمال الأطلنطي على الضوء الأخضر لمساعدة الجيش الأفغاني في مكافحة الأفيون ـ تدمير معامل إنتاج الهيروين وإغلاق أسواق بيع الأفيون، ومهاجمة قوافل الأفيون، وتقديم كبار التجار إلى العدالة. ولابد وأن تحصل هذه القوات على الأدوات وأطقم العمل اللازمة لأداء هذه المهمة. والحقيقة أنه لا جدوى من محاولة الفوز بقلوب وعقول كبار تجار المخدرات.
أما فيما يتصل بالمزارعين فالأمر يختلف. ذلك أن إزالة زراعات الأفيون بالقوة قد تدفع المزارعين إلى الانضمام إلى المتطرفين، وبالتالي فلن يؤدي ذلك إلى تقليص المساحات المزروعة بالأفيون بصورة مستديمة. وكما رأينا في بعض دول منطقة الأنديز فقد يؤدي هذا إلى نتائج هدامة. وعلى هذا فلابد وأن تسير الجهود الأمنية وجهود التنمية جنباً إلى جنب.
ولتحقيق هذه الغاية، فإن أفغانستان تحتاج إلى المزيد من مساعدات التنمية. لقد كان الدعم الدولي سخياً حتى الآن، إلا أنه ما زال أقل من الدعم الذي تحصل عليه بلدان أخرى في مرحلة ما بعد الصراع ـ والحقيقة أن الحاجة إلى الدعم هنا أعظم كثيراً. في هذه اللحظة يزداد ملوك المخدرات في أفغانستان ثراءً وازدهاراً، وتزداد المجتمعات القروية معاناة وفقراً. ولابد من إصلاح هذا الوضع بمعاقبة تجار المخدرات ومكافأة المزارعين.
لا يسعنا أن نتحمل الفشل في أفغانستان. فالتاريخ القريب ينبئنا بالدليل القاطع عما قد يحدث إذا ما فشلنا. إلا أن أي حل في أفغانستان يتوقف على استئصال تجارة الأفيون أولاً.