جريدة الجرائد

الشارع ليس نهاية لبنان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


أدمون صعب



"ان ايمان المرء بنفسه وبمجتمعه لا يعني بالضرورة اساءة فهم الآخر، او اقصاءه، او اضطهاده. وان مواجهة "التعصّب المضاد" تكون برفض أي اندفاع لتشويه الآخر".

الأمير الحسن بن طلال

"ان الاحتكام الى الشارع في القضايا الوطنية بدلاً من الحوار، كأن تقوم تظاهرة من هنا وتظاهرة من هناك، أمر ينطوي على مخاطر كثيرة، وخصوصاً اذا كان اهل الحكم شكّلوا انفسهم فريقاً، ولم يصدف ان يتظاهر من في يده السلطان، بل العكس هو الصحيح فيتظاهر الشعب احتجاجاً على من في يده السلطان".

هذا الكلام قاله حكماء لبنان المطارنة الموارنة قبل سنتين بالتمام والكمال اثر اجتماعهم الشهري في 1 كانون الاول 2004 في عز معركة تنفيذ القرار 1515 يوم كان الرئيس عمر كرامي يهدد بالتظاهرة المليونية التي لم تجمع اكثر من مئة الف. وقد استغربت بكركي آنذاك، مع سيدها، تهديد اهل السلطة بالتظاهر في وجه الشعب المطالب باستعادة السيادة والاستقلال والقرار الحر، معترفة بحق هذا الشعب في "التظاهر احتجاجاً على من في يده السلطان"، وخصوصاً عندما يصبح صاحب السلطان "فريقاً" لا حَكَماً، وتنقطع معه لغة الحوار.
وصادف ان انطوى بيان المطارنة آنذاك على دعوة الى "اصدار قانون للانتخابات النيابية. وهذه شكوى قديمة، ليست دليل براءة، ان لم تكن دليلاً على نية مبيتة. وهذا خطأ ارتكب سابقاً اربع مرات وأورث البلد مصائب كبيرة، لذلك نحذّر من تكراره لئلا يفقد الشعب حريته في اختيار ممثليه".

واننا اذ نعود الى بيان المطارنة بعد حال "التوحش" التي شهدها الشارع المسيحي اخيراً اثر استشهاد الوزير بيار الجميّل، وكاد العنف الذي اجتاح ذلك الشارع ان يشوّه الصورة النضالية للمسيحيين الذين قادهم البطريرك الماروني والمطارنة الاجلاّء ضد نظام الوصاية الذي كان يهدد بأجهزته واستخباراته وارهابه وحتى "متظاهريه" المطالبين بالحرية - نعود الى البيان في يوم التظاهر الشعبي ضد "السلطان الاستقلالي" المتهم بأنه فريق بعد زوال "السلطان المتسلّط" الذي كان "فريقاً" حلل المطارنة التظاهر ضده بعدما حظّر الحوار، لنسأل:

هل يدفع الشعب الآن ثمن الخطأ الذي حذّر المطارنة من "مصائبه الكبيرة"، في حال لم يصدر قانون انتخاب يعتمد الدائرة الصغيرة التي طالبت بها بكركي ووافق عليها الرئيس رفيق الحريري واعلن ذلك من الصرح، وعلى هذا الاساس اعد الوزير سليمان فرنجيه مشروعا به قبل استقالته بعد استشهاد الرئيس الحريري؟

في الواقع ان الانتخابات التي جرت بضغط الخوف من الوقوع في الفراغ بعد انسحاب القوات السورية في 26 نيسان 2005، وبموجب اسوأ قانون للانتخاب طالما شكا منه جميع اللبنانيين، وبكركي في مقدمهم - ان هذه الانتخابات مسؤولة عن قسم كبير من المشكلة التي يواجهها اللبنانيون منذ سنة تقريبا، اي منذ اعتكاف وزراء "امل" و"حزب الله" في 12 كانون الاول الماضي اثر اقرار مجلس الوزراء مطالبة الامم المتحدة بإنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الشهداء الآخرين وصولا الى جبران تويني الذي كان القرار رداً على استشهاده ذلك النهار.

ومنذ ذلك التاريخ حصل الطلاق بين "حزب الله" وحركة "امل" وما عرف بـ"التحالف الرباعي" الذي تم التفاهم عليه في السعودية بين هذين الطرفين و"تيار المستقبل" و"اللقاء الديموقراطي" وكان ضربة للديموقراطية أضيفت الى "قانون غازي كنعان" الانتخابي الفاسد والذي انتج الغالبية الحالية عبر "تواطؤ" بين "امل" و"حزب الله" مع "المستقبل" "واللقاء الديموقراطي" ضد القوى المسيحية الطالعة بقيادة العماد ميشال عون، بعد انضمام "القوات اللبنانية" الى التحالف وتوفير تغطية مسيحية له ترجمت باقرار مجلس النواب قانونا بالعفو عن قائد "القوات" سمير جعجع.
واذ اكد اطراف التحالف ان توافقهم سياسي وليس انتخابياً، اي ليس "رفقة طريق"، لم يجد "حزب الله" غضاضة في طمأنة الطرف المسيحي الى صدق تحالفه معه، باعلان امينه العام السيد حسن نصرالله في احد المهرجانات الانتخابية الضخمة في الضاحية الجنوبية عن استعداده لتبني شعار الشيخ بشير الجميل "لبنان 10452 كيلومتراً مربّعاً"، شرط ان يشمل مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا والقرى السبع.

وقد اخاف هذا التحالف مع "حزب الله" خصوصاً والذي كانت "القوات" طرفه الخامس، سائر المسيحيين في المتن وجبيل وكسروان، الامر الذي اتاح للوائح الجنرال ميشال عون جرف مقاعد خصومه فيها. وامتدت مفاعيل هذا الجرف الى زحلة.

ولقد كان هذا "الانقلاب" على الديموقراطية فرصة ذهبية لسوريا التي خرجت من لبنان من الباب، لتحاول العودة اليه، بالنفوذ لا بالعسكر، من الشباك.
... واخذت الرياح في الهبوب، وعصفت مع تفكك التحالف الرباعي بإخراج "حزب الله" و"امل" منه، ثم بالتقارب بين "حزب الله" و"التيار العوني" اللذين جمعهما العزل لهما من جانب الاكثرية في السلطة التي ابعدت كتلة "التغيير والاصلاح" عن المشاركة في القرار السياسي، ثم دفعت خلافاتها مع "حزب الله" و"امل" الى خروجهما من الحكومة، وسحب رصيدهما الشعبي والسياسي من حساب الاكثرية التي اصبحت بالنسبة اليهما "وهمية".

وربما كان السلوك الاسلم، وان يكن في اطار قانون للانتخابات مرفوض من الاستقلاليين في الدرجة الاول، خوض هؤلاء بمن فيهم العماد ميشال عون وتياره الانتخابات لانتاج اكثرية تمثل "ثورة الارز"، من اضطهاد بطل المنفى "المشاكس" على خلفية الهواجس التي انتابت افرقاء في حركة 14 آذار حيال خياراته. وقد اثبتت الايام فداحة هذا الخطأ.
ويتطلع المسيحيون الى انفسهم اليوم متسائلين لماذا لم تحصد الاغتيالات سواهم، ولماذا استهدفتهم محاولات الاغتيال من الوزير الياس المر الى الاعلامية مي شدياق، واجتاح الجنون شارعهم بعد اغتيال الوزير بيار الجميل؟

لقد كان مقدّراً لقانون جديد للانتخاب بعد "ثورة الارز" ان يعيد الى لبنان الحياة السياسية الطبيعية بعد تعطيل لها دام قرابة ثلاثة عقود، إلا ان ذلك لم يحصل ويا للاسف، وقد ظهر ذلك بوضوح في العنتريات التي مارسها سياسيون كثيرون حيال حق المعارضة في التعبير السلمي عن مطالبها.

ان التظاهر السلمي الذي هو حق ديموقراطي، يجب ان يؤدي الى التفاهم على اعتماد قانون للانتخاب هو جاهز في درج الرئيس فؤاد السنيورة، واجراء انتخابات مبكرة على اساسه تنبثق منها حكومة اتحاد وطني بعد انتخاب رئيس استقلالي للجمهورية. اذ لا امل من المجلس الحالي في انتاج رئيس جديد، يكون وفاقياً.
ان الديموقراطيين، وليس الاحرار فقط، يجب الا تخيفهم التظاهرات او الاضرابات والاعتصامات. بل ينبغي ان تزيدهم تعلقاً بالحوار الذي لا بد ان يكون الهدف الاسمى للمتظاهرين والمضربين والمعتصمين... والا عمّ الخراب.

ان باب الحوار لا يزال مفتوحاً ولا بديل منه كما قال سيد بكركي أمس، رغم نعيق الغربان بقرب زوال لبنان.
ولبنان لا يزول.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف