الخيار النووي... هل ينقذ أميركا من أزمة الطاقة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت02 ديسمبر2006
تستورد الولايات المتحدة النفط اليوم بوتيرة 400000 دولار في الدقيقة. ومن المتوقع أن يرتفع طلبها على الطاقة بحلول 2030 بحوالي الثلثين؛ كما يتوقع أن يتضاعف الطلب العالمي على الطاقة بحلول 2050. ولذلك فعلى الأميركيين أن يدركوا ضرورة إيجاد إمدادات موثوق بها من الطاقة من أجل دعم النمو والرخاء الاقتصاديين للقرن الحادي والعشرين، وتقليل المخاطر الأمنية والاقتصادية والسياسية التي ينطوي عليها اعتماد الولايات المتحدة على النفط الخارجي.
وعليه، فإن ما يجب على الولايات المتحدة القيام به واضح ومعروف، ألا وهو ضرورة تطوير مجموعة متنوعة من الاستثمارات الخاصة بإنتاج الطاقة، وتشجيع البحث التكنولوجي، وإيلاء سياسات الطاقة أولوية على الجبهتين الداخلية والخارجية. والواقع أن تداخل الأوضاع الجيوسياسية والدبلوماسية والمخاوف البيئية والاقتصادية والسياسة الداخلية يفرض ضرورة أن يعيد الأميركيون تقييم مجموعة الاستثمارات المعنية بقطاع الطاقة بشكل منتظم ويعملوا على تنويع مصادرهم -إضافة إلى إيجاد مقاربة شاملة تجاه المشكلات الوطنية المرتبطة بسياسة الطاقة.
تعد الطاقة النووية مصدراً واعداً، وهو ما يفسر عودتها إلى الواجهة؛ حيث كثر الحديث في واشنطن مؤخراً حول هذا الموضوع. والحال أن ثمة بعض المتشككين في مدى جدوى الطاقة النووية وقدرتها على تخليص أميركا من إدمانها على النفط على اعتبار أن النقل، وليس توليد الكهرباء، هو المستهلك الرئيسي للنفط.
صحيح أن النفط يساهم بـ2 في المئة فقط من الكهرباء في الولايات المتحدة، وأن الطاقة النووية تنتج آلاف الميجاوات من الكهرباء. لكن المحللين يتفقون على أن العديد من المستهلكين العالميين سيختارون في ضوء مواصلة السعر بمحطات الوقود ارتفاعه الإحجام عن استعمال السيارات التي تعمل بالبترول واللجوء إلى مصادر الطاقة البديلة بسبب ارتفاع تكلفة النفط.
لنتخيل أن جميع أصحاب السيارات في الولايات المتحدة غيروا محركات سياراتهم التي تشتغل بالبترول بأخرى كهربائية. ستكون النتيجة ارتفاعاً كبيراً في استهلاك الكهرباء الذي لا يمكن أن تغطيه قدرات الإنتاج الحالية التي نتوفر عليها. والحال أن الطاقة النووية مستعدة للتعاطي مع المتطلبات الناتجة عن زيادة الاستهلاك الكهربائي بموازاة مع عملية التخلص من الاعتماد على النفط.
الواقع أنه تم إحراز تقدم ملحوظ على هذا المستوى؛ حيث تمت العام الماضي المصادقة على "قانون سياسة الطاقة"، وتم تقديم "الشراكة العالمية حول الطاقة النووية"؛ كما تمت الموافقة على مخططات مفاعلات إضافية، وبدأت العديد من المرافق عملية الترخيص لبناء مفاعلات جديدة. غير أن الطموحات النووية الحقيقية لم يتم تناولها بشكل كافٍ؛ ذلك أن مرور كل عام بدون حدوث تغير كبير على أهداف الطاقة النووية الأميركية يعني للأسف تقهقر الولايات المتحدة بشكل أكبر في هذا القطاع الواعد.
فبالرغم من أن الولايات المتحدة تتوفر على 103 مفاعل نووي من أصل المفاعلات الـ443 الموجودة في العالم، فإنها لم تأمر بإنشاء مفاعل تجاري منذ عدة عقود، إذ اندثرت البنية التحتية الصناعية التي دعمت القطاع النووي الذي كان مزدهراً مع نهاية الحرب الباردة، مع تراجع بالمقابل من حيث الطلب على محطات جديدة للطاقة النووية في الولايات المتحدة. أما الدول التي واصلت تطوير قطاعها النووي خلال العقود الثلاثة المنصرمة، فتوجد اليوم في موقع يؤهلها لتزعم النهضة النووية العالمية الجديدة.
والواقع أن القليلين هم من يدركون أنه على الولايات المتحدة إنشاء مفاعلات جديدة من أجل دعم المساهمة النووية التي تبلغ 20 في المئة من كمية الكهرباء الذي تنتجه البلاد -ناهيك عن ضرورة زيادة هذه المساهمة مثلما تدعو إلى ذلك العديد من المخططات الطاقية الشاملة. وفي هذا الإطار، يُذكر أنه على الولايات المتحدة أن تبني ما بين 75 مفاعلاً و110 مفاعلات نووية لتوليد الطاقة من القوة نفسها التي تنتجها المفاعلات الحالية خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة فقط من أجل الحفاظ على النسبة الحالية لمساهمة الطاقة النووية. أما زيادة مساهمة القطاع ليصل إلى 30 في المئة من كهرباء البلاد، فستتطلب إنشاء 200 مفاعل جديد تقريباً على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة.
والحقيقة أنه حتى في حال كانت ثمة إرادة سياسية كافية بخصوص فرض عودة إلى الطاقة النووية، فإن القاعدة الصناعية الأميركية لا تستطيع تلبية هذا الطلب. وهذا يعني أن الأميركيين سيُحولون الاعتماد على الطاقة من حقول النفط الخارجي إلى المنشآت الصناعية النووية.
في محاولة مبررة لتلافي ترقب قرارات منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك"، تنظر البلدان الأجنبية اليوم، الصديقة منها والعدوة، نحو الطاقة النووية باعتبارها عنصراً بالغ الأهمية بالنسبة لإنتاجها المقبل من الطاقة. ذلك أنها باتت تدرك أن الطاقة النووية ستعمل على استقرار أسعار الطاقة، والحد من التلوث، وتقليص اعتمادها على المصادر الخارجية. والواقع أنه إذا لم يشارك الأميركيون في هذا الحديث العالمي اليوم، فإن الأخطار المرتبطة بالتكنولوجيا النووية ستتزايد، ولن تكون الولايات المتحدة في موقف يسمح لها بلعب دور طلائعي في ما يخص رسم ملامح مستقبل التكنولوجيا النووية. ولذلك كله، فإذا كانت الطاقة النووية حقاً جزءاً من مجموعة الاستثمارات الطاقية المتنوعة في الولايات المتحدة، كما ينبغي أن تكون، فعلى واشنطن أن تشرع في العمل على ذلك بدءاً من اليوم.
أوليفيا ألبريخت ـ واشنطن بوست
زميلة "مركز سياسة الأمن" الأميركي
عن الإتحاد.