الدور الأوروبي الأميركي في الإصلاح السياسي بالمغرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تقرير واشنطن - محمد فايز فرحات
نستكمل هنا ما عرضه الأسبوع الماضي تقرير واشنطن من تأثير المساعدات الأجنبية الأوروبية والأمريكية على الإصلاح السياسي في المغرب وهو خلاصة كتاب صدر عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية CSIS بواشنطن، وقام بتأليفه الباحثان الأمريكيان حاييم مالكا وجون ألترمان.
ويتناول هذا الجزء مسار الإصلاح في المغرب، والجهود الأوروبية الأمريكية لدعم هذا الإصلاح، وإذا ما كان يمكن النظر للتجربة المغربية كنموذج ناجح يمكن الإقتداء به في بقية الدول العربية.
الإصلاح في المغرب
ينظر المحللون الغربيين إلى التجربة المغربية باعتبارها النموذج الأفضل في الإصلاح، ليس باعتبارها نموذجا لنجاح المبادرات الأمريكية والأوروبية في فرض الإصلاح ولكن باعتبارها نتيجة لمبادرات وطنية داخلية. وقد توزعت الإجراءات الإصلاحية التي اتخذها الملك محمد السادس على عدد من المسارات:
الأول هو تصحيح العلاقة بين الفرد والمجتمع، وشمل ذلك تعزيز الحقوق السياسية والاجتماعية والدينية للمرأة، من خلال إسناد عدد من المناصب السياسية والدينية والقضائية إلى المرأة، بالإضافة إلى تخصيص 30 مقعدا في البرلمان للمرأة (حوالي 10% من مقاعد البرلمان)، وإدخال تعديلات مهمة على قانون الأسرة والمرأة، مثل رفع سن زواج الفتاة من 15 إلى 18 سنة، وتقييد حرية الزوج في الطلاق الانفرادي، والسماح للمرأة بممارسة وظيفة الداعية الدينية..الخ. وما يميز التجربة المغربية هنا ليس فقط مضمون تلك الإصلاحات ولكن أيضا استنادها إلى المبادئ الإسلامية والتقاليد المحلية وليس إلى الأفكار الليبرالية الغربية والحداثية كما حدث في تونس.
المسار الثاني فهو المصالحة بين الدولة والمجتمع، من خلال عدد من الإجراءات والإصلاحات شملت إنشاء "لجنة العدالة والمصالحة"، التي تولت التحقيق قي الشكاوى وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام خلال الفترة (1956- 1999). إلا أنه رغم أهمية تلك اللجنة، فإن صلاحياتها اقتصرت على إصدار تقرير نهائي حول تلك الانتهاكات دون امتلاك صلاحيات قضائية في تسمية أو معاقبة المسئولين عن تلك الانتهاكات. كما شمل هذا المشار دمج التيار الإسلامي، ممثلا في حزب العدالة والتنمية، في النظام السياسي. وبصرف النظر عن التفسيرات المطروحة لهذا التوجه، فقد أضفت هذه الخطوة مصداقية كبيرة على عملية الإصلاح، وقدمت المغرب في هذا السياق نموذجا مختلفا عن التجربة الجزائرية من خلال بناء توافق بين النظام وحزب العدالة والتنمية. ورغم تحفظ بعض العلمانيين على هذا التوجه إلا أن النظام تبنى وجهة نظر مختلفة تقوم على أن دمج التيار الإسلامي سوف يدفع بهذا التيار إلى مزيد من الاعتدال والممارسة السياسية بعيدا عن الأيديولوجيا، وهي وجهة النظر التي تبناها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
المسار الثالث هو تغيير قواعد اللعبة السياسية، وشمل ذلك التحرير الاقتصادي، وزيادة نسبة تمثيل المعارضة والمرأة في البرلمان، وتوسيع حريات التعبير والصحافة. ورغم أهمية تلك الإجراءات فإنها لازالت غير كافية، ففيما يتعلق بمسألة الإصلاح والتحرير الاقتصادي لازالت هناك معوقات مهمة تقف أمام تعظيم مكاسب تلك السياسة، خاصة السيطرة غير المباشر لمؤسسة الملك على نسبة مهمة من الثروات الاقتصادية بشكل يضر بقواعد المنافسة الاقتصادية. أيضا رغم توسيع هامش تمثيل المعارضة والمرأة، فإن البرلمان لازال ضعيفا في مواجهة الملك، فالملك هو "الممثل الأعلى للأمة"، وله حق حل البرلمان، وإقالة أي من أعضائه، وسلطة الاعتراض أو تعديل القوانين الصادرة عن البرلمان، وسلطة إصدار قرارات بقوة القانون، بالإضافة إلى سلطات الملك الواسعة تجاه رئيس الوزراء. وفي الوقت الذي تم فيه تعديل القانون الصحافة في عام 2002، خاصة تخفيض عقوبة ازدراء الملك أو الإسلام وإضعاف سلطة المؤسسة الأمنية في إغلاق المطبوعات، إلا أن بعض العقبات المهمة لازالت قائمة، خاصة قانون الإرهاب لسنة 2003 والذي تم استخدامه ضد الصحفيين، بالإضافة إلى إجراءات العقاب الاقتصادي للصحافة المستقلة من خلال التحكم في عملية نشر الإعلانات التجارية في تلك الصحافة.
جهود أمريكا وأوروبا لدعم الإصلاح في المغرب
حظيت عملية الإصلاح في المغرب بدعم ملحوظ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تبلغ المساعدات الأمريكية المقدمة للمغرب من خلال هيئة المعونة الأمريكية نحو 30 مليون دولار سنويا، خُصصت لبرامج رفع النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، وتحسين التعليم وتدريب العمالة، وتحسين درجة استجابة الحكومة لحاجات المواطنين. كما حصلت المغرب على 16 مليون دولار من برنامج مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط خلال الفترة (2004- 2006). وفي المجال السياسي، حصلت المغرب على أكثر من 5 مليون دولار من خلال هيئة المعونة الأمريكية خُصصت لدعم الحكومة المحلية واللامركزية وورش العمل والمؤتمرات المعنية بعملية الإصلاح. ومع أهمية هذه المساعدات إلا أنها لازالت تعاني من الازدواجية بين عمل هيئة المعونة الأمريكية ومبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، على نحو ما أشير إليه سابقا. وكان تقييم هيئة المعونة سلبيا لدور مبادرة الشراكة في بعض الحالات.
وكانت المساعدات الأوروبية للمغرب أكثر وضوحا من المساعدات الأمريكية، فقد بغلت مساعدات الاتحاد الأوروبي للمغرب أكثر من عشرة أمثال حجم المساعدات الأمريكية، بالإضافة إلى المساعدات الفردية لدول الاتحاد، إذ تبلغ المساعدات الفرنسية ما يزيد عن 300 مليون دولار سنويا، وهو رقم يزيد بنسبة 60% عن إجمالي مساعدات الاتحاد. وبلغت المساعدات الألمانية والأسبانية في عام 2003 نحو 75، 72 مليون دولار على الترتيب وهو رقم يمثل نحو ثلاثة أمثال إجمالي المساعدات الأمريكية في ذلك العام. وبالإضافة ذلك، تتميز المساعدات الأوروبية بسمتين رئيسيتين. الأولى هي تركيز الاتحاد الأوروبي على الحوار بهدف بناء توافق وتفاهم عام حول قائمة واسعة من القضايا. السمة الثانية هي التركيز الأوروبي على الاستثمار في البنية الأساسية المادية أكثر من الاستثمار في عمليات بناء القدرات الإنسانية أو حقوق الإنسان. إذ لم تتجاوز قيمة المساعدات الأوروبية المقدمة للمغرب لبناء القدرات الإنسانية 5% من إجمالي المساعدات الأوروبية، مقارنة بنحو 50% في حالة المساعدات الأمريكية.
النموذج المغربي! هل يمكن الإقتداء به
ينتهي الكتاب بطرح عدد من الدروس المهمة التي يطرحها النموذج المغربي في الإصلاح، يتمثل أهمها ففيما يلي:
1- أهمية دور الحكومة في إدارة عملية الإصلاح: فرغم الدور المهم الذي قامت به القوى السياسية والمجتمع المدني في دفع الإصلاح إلا أن تلك العملية جاءت بمبادرة من النظام السياسي ذاته. ولا ينفي ذلك ما تنطوي عليه مثل هذه الحالات من مخاطر، فالمبالغة في امتلاك زمام المبادرة والسيطرة الكاملة على عملية الإصلاح يحرم عملية الإصلاح من تعميق جذورها داخل المجتمع، خاصة في ضوء شعور قطاع كبير من المجتمع المغربي بالاستبعاد والتهميش في إدارة وتوجيه عملية الإصلاح.
2- إمكانية الإصلاح السياسي والاقتصادي معا، فعلى العكس من التجارب العربية الأخرى التي لجأت إلى تأجيل الإصلاح السياسي إلى ما بعد الإصلاح الاقتصادي، أدركت المغرب أنه لا يمكن نجاح الانفتاح السياسي بدون انفتاح اقتصادي والعكس صحيح.
3- إمكانية دمج التيار الإسلامي بدون تكلفة سياسية كبيرة، فعلى العكس من حالات عربية أخرى، مثل مصر وتونس، التي استبعدت التيار الإسلامي، نجحت النموذج المغربي في دمج التيار الإسلامي في الحياة السياسية، وبناء درجة كبيرة من التوافق حول قواعد اللعبة السياسية. ومع ذلك مازال الوقت مبكرا للحكم على مستقبل هذه التجربة.
4- أن النظم الملكية تمتلك بعض الميزات بالمقارنة بالنظم الجمهورية فيما يتعلق بإنجاز هدف الإصلاح، وربما يعود ذلك إلى أن الملك والنظام الملكي يتمتع بدرجة كبيرة من الشرعية "الطبيعية" تكفل له فرصة أعلى للتوافق مع المعارضة السياسية التي لا تكون موجهة إليه بالأساس.
5- أن الأطراف الخارجية تلعب دورا مهما في تشجيع الإصلاح ولكنها لا تفرضه على الداخل، فعملية الإصلاح في المغرب جاءت نتيجة لمبادرات وتفاعلات داخلية بالأساس. وعلى العكس، أثبتت التجربة المغربية أن المبادرات الخارجية لدعم الإصلاح تأتي كنتيجة لنجاح المبادرات الداخلية وليس العكس.