انقلاب المعارضة وانقلاب الأكثرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله اسكندر
لاحظ رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، في احدى مداخلاته الأخيرة، أنه تعرض لحملة عنيفة من "حزب الله" وحلفائه عندما استقبل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في بيروت. لكن الحزب لم يبد أي رد على استقبال الرئيس بشار الاسد موفدا لبلير بعد فترة. في حين ان دمشق اعتبرت زيارة الموفد البريطاني اختراقا في الحصار الغربي المضروب عليها. ومهما كان مضمون المحادثات التي اجراها بلير في بيروت وتلك التي اجراها موفده في دمشق، يُفهم من موقف "حزب الله" ان علاقة خارجية ما تقدم عليها حكومة السنيورة هي بالضرورة ضد المصلحة الوطنية في لبنان، وان محاولة دمشق القيام بعلاقة من النوعية ذاتها هي بالضرورة في المصلحة الوطنية السورية.
لا يعني ذلك ان الحزب ينطلق، في كل مواقفه وفي كل خطوة، من أوامر سورية مباشرة. وانما يعني ان كل موقف رسمي لبناني مشبوه ما لم يكن متطابقا مع ما تعتبره دمشق مصلحة وطنية.
وهذه هي الخلاصة التي دفعت الحزب الى المعارضة. لأن الحكومة الحالية تتمسك بمواقف سياسية لا تأخذ في الاعتبار الحاجات السورية، وبقرارات دولية تتعلق بالتدخل في الشؤون اللبنانية ومنع السلاح غير الشرعي وبمحكمة دولية لاغتيالات حصلت في لبنان. ورغم نفي الحزب ان لدوافعه ارتباطاً بحاجات السياسة السورية، فإن كل اعتراضاته تتركز على القضايا التي تشكو دمشق منها. وفي هذا المعنى يتحدث الحزب وحلفاؤه عن "انقلاب" نفذته الحكومة الحالية. اذ ان الحكومات السابقة التي عاصرها "حزب الله" منذ نشأته كانت تشكل على النحو الذي ترتأيه دمشق، وهي حكومات عمدت، لاعتبارات سورية في المواجهة مع اسرائيل، الى عدم التدخل في شؤون "حزب الله"، إن لم يكن تسهيل استراتيجيته في لبنان. ليتحول كيانا مستقلا عن الدولة، له ماليته واسلحته واجهزته الامنية والاعلامية والاقتصادية. وبُعيد الخروج السوري، إثر اغتيال الحريري، وبدء تنفيذ القرار الدولي الـ1559، افرزت الانتخابات النيابية اكثرية جديدة للمرة الاولى منذ نهاية الحرب الاهلية، تقطع مع المواقف السياسية للحكومات السابقة. وهي "انقلبت" على ما رسا عليه الوضع في لبنان، في ظل الحكومات السابقة. ووجد "حزب الله" ان هذا "الانقلاب" سيسعى الى استعادة كل ما كان يخرج عن قرار الدولة وشرعيتها، بما في ذلك الحد من انتشار السلاح ومسألة السلم والحرب. هذه القضايا التي بررت نهوض الحزب وسوغت التدخل السوري.
وعندما تتهم الاكثرية الآن الحزب وحلفاءه بالسعي الى انقلاب سياسي، فإنها تحدد اهداف المعارضة باستعادة الوضع السابق على الخروج السوري، واعادة ربط الموقفين اللبناني والسوري من قضية المواجهة مع اسرائيل والعلاقات الخارجية. وبذلك لا يزور بلير بيروت علنا ويرسل موفدا سرا الى دمشق. فيذهب الى العاصمة السورية لإجراء المحادثات الجدية، ويمر على بيروت في زيارة بروتوكولية. وبذلك لا تكون المحكمة الدولية قضية تشغل البال، ما دام القرار فيها في أيدي غير أصحاب المصلحة في وصولها الى نتيجتها.
اي ان الحزب لا ينظر الى العلاقات الخارجية في لبنان مجرد قرار سيادي، وانما وسيلة في معركة المحكمة الدولية التي مهما قيل من تبريرات وانتقادات للسنيورة تبقى هي الدافع وراء الخروج المدوي من الحكومة على امل إحداث تعديل في ميزان القوى يخفف الى الحد الادنى من اضرار هذه المحاكمة.
لقد خرج "حزب الله" وحلفاؤه الى الشارع وبدأوا الاعتصامات، تحت شعار تعديل ميزان القوى في الحكومة. وبغض النظر عن الخلط المقصود بين المعارضات وكيفية التغيير الحكومي في النظام اللبناني، وما ظهر من نزعة تؤسس لتقاليد لا علاقة لها بالدساتير والقوانين، بغض النظر عن كل ذلك وهو خطير، لا يستطيع الحزب العودة من الشارع من دون مكسب يبرر كل هذا التحرك. وفي الوقت نفسه لا يبدو ان السنيورة، ومعه الاكثرية، على استعداد لقبول تعديل ميزان القوى الحكومي من دون ضمان المصادقة اللبنانية على المحكمة الدولية، إن لم يكن التوافق على سلة مسائل، بينها رئاسة الجمهورية.
التحرك في الشارع، في يوميه الاولين، حافظ على الحد المقبول من السلم. وقد يستمر كذلك. لكن الخطورة الاضافية انه بدأ يكرس الانقسام الذي يحاول الجميع نفيه. أي الانقسام المذهبي. ليُعاد ربط العلاقة مع سورية، عبر حدة المعركة على المحكمة الدولية، بهذا الانقسام المذهبي. وهو انقسام، في ظل الوضع الاقليمي الراهن، يضع اي طرف في موقع غير القادر على تحقيق أي من أهدافه. اذ ان النزاع الطائفي ينزع عن السياسة كل معانيها. ومع احتمال ضرب مشروع المحكمة الدولية التي تتمسك بها الحكومة، سيغامر "حزب الله" بضرب أي رصيد له عندما ينزلق الى نزاع مذهبي.