لكي لا يضيع لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء 06 ديسمبر2006
د. حسن مدن
على الأطراف الفاعلة في لبنان أن تجد مخرجاً للذي يدور، وإلا فإن البلد عرضة للضياع والتشرذم، وربما للحرب الأهلية مرة أخرى، وهو لم يتعاف بعد من آثار الحرب التي طحنته سنوات طويلة. فلا حكومة الوحدة الوطنية سوف تتشكل في ظل الاستقطاب الحاد القائم في المجتمع، ولا حكومة فؤاد السنيورة المعطلة فعلياً قادرة على إدارة البلد وعبور الأزمة السياسية الخانقة التي تطبق على البلد، والتي بلغت حداً من التوتر كفيلاً بأن يشعل فتيل الفتنة، وهو أمر كاد أن يقع في اليومين الماضيين، ويمكن أن يقع في أية لحظة مقبلة، إذا لم يتدارك عقلاء القوم هناك الأمر، وفي لحظات مثل هذه ما أكثر ما يغيب العقل عن أعقل العقلاء، فلا يكاد أحد يتبين موطئ قدمه في الخطوة التالية، حين يختلط الحابل بالنابل، وتصبح تداعيات الحدث هي من يحدد كيف هي الصورة التي تكون عليها الحال.
مشكلة لبنان المزمنة، أو فلنقل أن أحد العوامل المزمنة والحاسمة في أزمته الممتدة والمستمرة، أنه لا يمكن لأي حدث سياسي فيه أن يكون لبنانياً صرفاً خاصاً بتفاعلات السجال السياسي والطائفي فيه، إذ إن المحيط الخارجي المعني بلبنان، قربت أطراف هذا المحيط أو بعدت، هو من يلعب دوراً حاسماً في توجيه وجهة الحدث اللبناني الداخلي، وفي الغالب الأعم فإن هذا التأثير غالباً ما اقترن بالصراع الشامل في المنطقة، وهو صراع كان حتى عقدين مضيا، يزيدان قليلاً أو ينقصان قليلاً، لا فرق، متركزاً في ما تعارف على تسميته الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، وما زال هذا الصراع لب أو جوهر ما يدور، ولكن مع ملاحظة أنه أضيفت إليه مكونات أخرى، بينها ما جرى التعارف عليه أيضاً، في لغة السياسة والدبلوماسية: الملف الإيراني.
قدر اللبنانيين ألا يفلتوا من هذا الترابط، خاصة أن لبنان هو بلد كل شيء: فهو بلد العروبة والكفاح ضد ldquo;إسرائيلrdquo;، وهو بلد الديمقراطية والحريات العامة والمجتمع المدني النشط وهي أمور غير متوفرة في الغالب الأعم من البلدان العربية، إن لم يكن في كلها، حيث بوسع الناس أن يرتدوا القمصان التي يريدون ويرفعوا الأعلام التي يريدون، ويذهبوا بها إلى الساحات الكبرى من دون أن يخشوا خراطيم مياه الشرطة، هذا من باب التلطف لكي لا أقول الهراوات والرصاص المطاطي والذخيرة الحية التي عهدنا أن تستخدمها الشرطة في البلدان العربية الأخرى، إن لم يبلغ الأمر حد إنزال الدبابات لتسوية الأمر. ولبنان، إلى ذلك، هو بلد الطوائف والمذاهب التي يمكن أن يشتبك أهلها في أية لحظة حول أي شيء إذا ما أريد لهم أن يشتبكوا، أو إذا ما أرادوا هم أنفسهم أن يشتبكوا، وفي غمرة هذه الطوائف تتجاذب الناس الشعارات والاتجاهات والميول، فلا تكاد تعلم من هو صاحبك ومن هو خصمك، وفي حالة مثل هذه تتسم بهذا المقدار من السيولة ومرونة الحركة، يمكن أن تتغير خريطة التحالفات تبعاً لتبدل الطموحات والمصالح، وينتقل المعارضون إلى خندق الموالاة، والموالون إلى خندق المعارضة، بل لا تكاد تعلم ما هي المعارضة وما هي الموالاة: معارضة من أو ماذا أو موالاة من أو ماذا. في لبنان، أكثر من أي بلد عربي آخر يختلط الحابل بالنابل.
ليس أمام اللبنانيين سوى خيار واحد لحفظ وطنهم من الضياع هو أن يدركوا أن الحل، في بلد النقائض هذا، هو في الحلول الوسط، في التسويات. ما من فريق سيهزم فريقاً في لبنان. إن لم يتم الحل، سينهزم الجميع. سينهزم لبنان.