شطحة «حزب الله» الاقليمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حسان حيدر
كلما انخرطت احدى طوائف لبنان، منفردة، في حلف او تفاهم اقليمي ما، او تبنت مصلحة خارجية، مع يتطلبه ذلك من مواقف سياسية وخطوات عملية لا تلقى توافق باقي الطوائف وتخل بالاجماع الاهلي القائم، انفجر الوضع فيه وتعرض التعايش بين مكوناته للتهديد. والتاريخ الحديث لهذا البلد حافل بالأمثلة، فحين طلب من بيروت قطع علاقاتها مع فرنسا وبريطانيا إبان العدوان الثلاثي على مصر وترددت هي في ذلك، ساد التوتر بين مسلميها ومسيحييها، ليتحول نزاعا أهلياً دامياً بعد عام فقط عندما لمَح رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون الى امكان انضمامه الى حلف ايزنهاور.
وعاد التوتر مجددا مع بداية السبعينات عندما بدأ المقاتلون الفلسطينيون يصلون تدريجاً من وراء الحدود، بمساعدة سورية، وسط تأييد مسلمي لبنان وتخوف مسيحييه، لينفجر الوضع حرباً اهلية لا تزال البلاد تعاني من ذيولها. وتكرر الامر عندما اخذ فريق من المسيحيين البلد بعد غزو العام 1982 الى تحالف مع اسرائيل رغماً عن ارادة باقي شركائهم في الوطن، ليمتد الاحتراب الاهلي سنوات اضافية، وتمتد معه معاناة اللبنانيين.
وقبل اشهر فقط اقدم "حزب الله" منفرداً على جر لبنان كله الى حرب مع اسرائيل تلبية لحسابات اقليمية تتجاوز حدود البلد الصغير وقدراته، مولداً توتراً أهلياً لا يزال قائما، ولم يلبث ان اتبعه بمواجهة ثانية، ولأهداف اقليمية ايضا، مع حكومة الاكثرية ساعياً لإسقاطها، ولا يزال.
لكن الحزب، ومن معه من المعارضين المرتبطين بسورية، يقف الآن امام طريق مسدود، واذا فتح فلن ينفتح سوى على كارثة. فقد اتضح ان غلطة النزول الى الشارع التي حذره الجميع منها، ليست عاجزة فقط عن تحقيق الاهداف التي حددها لتحركه، بغض النظر عن صحتها او ما يخفيه وراءها، بل شرعت الباب واسعا امام احتقان طائفي ومذهبي يهدد بانفجار كبير، ليست المناوشات الليلية بين انصار الحزب المستنفرين وبين اهالي المناطق التي يمرون بها بشعاراتهم واعلامهم... واستفزازهم، الا عينات مبسطة لما ستؤول اليه "المنازلة الكبرى".
والخطأ الاساس يكمن في انه لم يكن ممكنا للنزول الى الشارع سوى ان يقود الى مثل هذا الاحتقان، لأن لبنان ليس اوكرانيا، ولأن التوازن الهش والدقيق الذي يحكم طوائفه وجماعاته يحتاج الى جهود دائمة لتعزيزه وليس لما يهدد بفرطه في اطار هجمة اقليمية تستهدف قلب المعادلات في المنطقة وخلق اصطفاف لا يمكن للبنان ان ينجو من تبعاته المدمرة.
كان يفترض بـ "حزب الله" ان يدرك ان التحرك الذي يقوده ستتحمل مسؤوليته الطائفة الشيعية وحدها، لان المشاركة من باقي الطوائف ستبقى فولكلورية اياً يكن حجمها ومبررها. فالحزب هو الجهة المنظمة والمشرفة والموجهة والطرف الوحيد المسلح الذي يمتلك جيشاً من المقاتلين المحترفين والمتفرغين وترسانة هائلة من الاسلحة وميزانية ضخمة، وهو الذي يتحكم بالتوقيت ويحدد الاهداف، ولو بالواسطة.
ان الاعتصام القائم في ساحات وسط بيروت لا يخرج عن اطار الشطحات الاقليمية التي جربتها طوائف اخرى من قبل ولم تفض سوى الى مواجهات اهلية، لكن الشطحة هذه المرة تتغذى من واقع اقليمي مشحون وواضح الانقسام تتراءى صورته البشعة في ما يشهده العراق من اقتتال بين سنته وشيعته.